احذري "بُودرة التالك".. فقد تُسبِّبُ لكِ سرطانَ المَبيض!
الكيمياء والصيدلة >>>> الآثار الجانبية
يستخدمُ العديدُ من الأشخاصِ "البودرة" بعدَ الاستحمام دونَ التفكير بمدى خطورةِ ذلك؛ إذ وصلَت عدةُ قضايا إلى قاعاتِ المحاكم سُلِّطَ فيها الضوءُ على العلاقةِ المُحتمَلةِ بين استخدامِ "بودرة التالك" المُتكِّررِ مِن قِبَلِ النساءِ على الأعضاءِ التناسلية وتزايُدِ خطورةِ الإصابة بسرطانِ المَبيض. المصدر: هنا
فقد طلبَتْ محكمةٌ في مدينة "لوس أنجلوس" بتاريخ 21 آب(أغسطس) الماضي من شركة Johnson & Johnson بدفعِ مبلغِ 417 مليون دولار أمريكيّ لأمرأةٍ تدّعي أنَّ بُودرة الأطفالِ التي تصنعُها الشركةُ أدَّت إلى إصابتِها بسرطان المبيض، وتقول إيفا ( Eva Echeverria) - المرأةُ الَّتي رفعتِ الدعوةَ القضائيةَ بأنَّها أُصيبت بسرطانِ المَبيض كنتيجةٍ حتميّةٍ للطبيعةِ الخَطِرة جداً لبودرة التالك. والجدير بالذكر هنا أنَّ "بوردة الأطفال" المُصنَّعةَ من Johnson & Johnson مصنوعةٌ من "بودرة التالك" (والتالكُ فلزٌّ أو معدنٌ مُكوَّنٌ من المغنيزيوم والسيليكون والأُكسجين).
وفي قضيةٍ أُخرى انتهَت شباط(فبراير) الماضي عُوِّضَت أسرةُ امرأةٍ توفيَّت عن عمرٍ بلغَ 62 عاماً في 2015 بمبلغ 72مليون دولار أمريكيّ من الشركةِ ذاتِها؛ نتيجةً لسرطانِ المَبيضِ الذي أصابها بعدَ عقودٍ من استخدامِها لبودرةِ التالك كإحدى أدواتِ النظافة الشخصية، وكما ذكرت المحكمة؛ فإنَّ الشركةَ المُصنِّعةَ لم تُحذِّرْ المستهلكين من أضرارِ هذه البودرة المُحتمَلة على الرغم من علمِها بمخاطِرها الصحيّة.
وسبَّبت هذه القضايا دعايةً أكبرَ حول إمكانيَّةِ وجودِ علاقةٍ بين استعمالِ "بودرة التالك" كإحدى وسائلِ النظافةِ الشخصيةِ عند النساء وسرطانِ المبيض؛ ونعني بذلكَ تطبيقَ البودرةِ الحاويةِ على التالك مباشرةً على الأعضاءِ التناسليةِ للمرأة أو على المناديلِ الصحية النسائية أو على الملابسِ الداخلية، فقد جرى تداوُلُ هذا الموضوع في المجتمعات العلميّة منذ أكثر من ثلاثين عاماً، وهو موضوعٌ قابلٌ للجدَلِ؛ إذ يدّعي المصنِّعونَ أنَّه لا توجدُ علاقةٌ سببيَّةٌ بين استخدامِ "التالك" وسرطانِ المبيض في حين أظهرَ الباحثون نتائجَ أُخرى متضاربةً.
وعندما تدخّل المجتمعُ الأمريكيّ للسرطان The American Cancer Society وحلَّلَ الموادَّ العلميَّةَ المتوفِّرةَ وجدَ أنَّ النتائجَ كانت مُتضارِبةً فأظهرَتْ بعضُ الدِّراساتِ ارتفاعاً بسيطاً في خطورةِ الإصابةِ بسرطانِ المَبيضِ عند النساء اللواتي استعمَلنَهُ على نحوٍ مُتكرِّرٍ على المناطقِ التناسليَّةِ؛ في حين لم تجد دراساتٌ أُخرى أيّةَ خطورةٍ زائدةٍ في ذلك.
صنَّفتِ الوكالةُ العالميةُ للبحثِ في السرطانِ the International Agency for Research on Cancer (وهي جزءٌ من منظَّمةِ الصحةِ العالمية) - بناءً على الأدلَّةِ المحدودةِ - استخدامَ النساءِ لبودرة التالك على الأعضاءِ التناسلية "مُسرطِناً محتملاً للإنسان".
ولا تحتوي كلُّ منتجاتِ البُودرةِ على "التالك"، ولكنَّ بعضَها يحتوي عليه مثلَ بودرةِ الأطفال وبودرةِ الجسم؛ فهو يساعدُ في مَنعِ التهيُّجِ وتخفيفِ الرطوبةِ ويلطِّفُ رائحةَ الجسم، وكانت منتجاتُ "التالك" تحتوي قبلَ سبعينيَّاتِ القرنِ الماضي على الحرير الصَّخريِّ asbestos (أو مادة الأسبست) المادَّةِ المعروفة - الآن - بوصفِها مادةً مُسرطِنةً، فمنذُ ذلك الحين؛ يُمنَعُ قانونياً استعمالُ مادَّةِ "التالك" في حالِ كانت تحتوي على الحريرِ الصخري.
وتُعَدُّ البُودرةُ الحاويةُ على نشاءِ الذُّرةِ والخاليةُ من "التالك" آمنةً للاستعمالِ على أعضاءِ النساءِ التناسليةِ بدونِ أيِّ رابطٍ مُحتمَلٍ مع السرطاناتِ النِّسائيةِ، إذ لا يُوجَدُ أيُّ دليلٍ على أنَّ استعمالَ النِّساءِ للبودرةِ التي تحوي "التالك" على أجزاءِ الجِسم الأُخرى قد يكونُ له تأثيرٌ على مخاطرِ الإصابةِ بسرطان المبيض.
ومن داعِمي نظريةِ وجودِ علاقةٍ بين "التالك" و"سرطانِ المبيض" الطبيبُ دانييل كرامر Daniel Cramer؛ البروفيسورُ في الطِّبِّ النسائي وبيولوجيا التكاثُرِ في مدرسةِ هارفرد الطبيّة؛ فهو من أوائلِ الباحثين الذين أعدّوا دراساتٍ تبحثُ عن الرابطِ بين الاستعمالِ النِّسائي للتالك وسرطانِ المبيض، فقد نشرَ بحثَه في عام 1982.
وقد وجدَت أبحاثُه أنَّ الاستعمالَ المُتكرِّرَ للتالك قد يزيدُ خطورةَ الإصابةِ الإجماليَّةِ بسرطانِ المبيض بقرابةِ 30%، وأمَّا عن كيفيةِ تسبُّبِ التالك بالسرطانِ فيعدُّ البروفيسور كرامر مادَّةَ "التالك" من العواملِ المُسبِّبةِ للالتهابات، وقد يهيِّئُ الالتهابُ المُزمِن الشخصَ للإصابةِ بالسرطان. فقد صرَّحَ البروفيسور كرامر أنَّ أطباءَ التشريحِ المرضيِّ الذين فحصوا النسيجَ من المَبيضِ لمرضى السرطان أكَّدوا وجودَ "التالك" في نسيج المريضات، كما وُجِدَ "التالك" في نسيجِ امرأةٍ غيرِ مُصابَةٍ بسرطانِ المبيض أيضاً؛ إذ يُمكِنُ أن يوجَدَ في العُقَد اللمفاوية للنساءِ اللاتي استعملن "التالك" على المناطِقِ التناسلية.
ولم تُعرَف حتّى الآن الآليةُ التفصيليةُ لكلٍّ مِن الكيفيةِ والطريقةِ التي قد تزيدُ من فُرصةِ حدوث سرطان المبيض عندَ استعمال "بودرة التالك"، ولكن يشكُّ البروفيسور كرامر بأنّ "التالك" يصلُ إلى المجاري التناسليةِ العُليا ومِنها إلى المبيضَين، وعندها يُسبِّبُ استجابةً التهابيّةً، ومن المُحتمَلِ أن يُهيِّجَ الجهازَ المناعي.
ولكنْ؛ ليسَ كلُّ مَنْ يتفحصُّ نتائجَ هذهِ الأبحاثِ سوف يَرسِمُ العلاقةَ بين "التالك" وسرطانِ المَبيض، فالطبيبةُ سارة تيمكين Sarah Temkin؛ البروفيسورةُ المُساعِدةُ في مدرسة "جونز هوبكنز" للطبِّ في علم الأورامِ النسائيةِ؛ تظنُّ أنَّ الدليلَ العلميَّ للرابطِ بين "التالك" وسرطانِ المَبيض ليس قوياً بما فيه الكفاية، فقد فَشِلَتْ دراستان جديدتان في إيجادِ أيِّ فرقٍ في احتماليةِ الإصابةِ بسرطانِ المَبيضِ بينَ النِّساءِ اللَّاتي استعمَلْنَ "التالك" على الأعضاءِ التناسليةِ وبين اللاتي لم يَستخدِمْنَ "التالك"؛ تقول البروفيسورة تيمكين أنَّ الدراساتِ القديمةِ الَّتي رجَّحَتْ هذهِ العلاقةَ تميلُ إلى قابليةِ أنْ تكونَ مُتحيِّزةً؛ فَهيَ تتضمَّنُ الطلبَ من النساء أن يتذكَّروا استخدامهنَّ لبودرة "التالك" بعدَ تشخيصِ إصابتهنَّ بالسرطانِ، ولا تظنُّ البروفيسورة أنَّ هذا الدليلَ قويٌّ على نحوٍ كافٍ لإرغامِ الشركاتِ المُصنِّعةِ على وَضعِ علامةِ تحذيرٍ على أنَّ استخدامَ "بودرة التالك" قد يكونُ لها مخاطرُ صحيةٌ مُهمَّةُ، وتقولُ إيضاً:" إذا وُجِدتْ علاقةٌ بين التالك وخطورةِ الإصابةِ بسرطان المبيض فستكونُ ضئيلةً جداً، وهناكَ عواملُ خطورةٍ أُخرى لسرطانِ المَبيض، ومن الأفضلِ التركيزُ عليها بدلاً من التالك".
وتجدرُ الإشارةُ إلى أنَّ سرطانَ المَبيض يُعَدُّ من الأمراضِ النادرة، ويُعَدُّ التاريخُ العائليُّ للإصابةِ بكلٍّ من سرطانِ المَبيض وسرطانِ الثدي من عوملِ الخطورة الرئيسِةِ للإصابةِ بسرطان المبيض أيضاً، فضلاً عن أنّه من المعروفِ أنَّ النساءَ اللاتي استخدمنَ حبوبَ منع الحمل مدَّةَ خمسِ سنواتٍ على الأقلَّ قد تنخفضُ احتماليَّةُ إصابتهنَّ بسرطانِ المَبيض بقُرابَةِ 50% مقارنةً بالنساء اللاتي لم يَستعمِلنَ موانعَ الحَمل الفموية قَطُّ.