لقاحُ السَّرطان؛ إلى أينَ؟
الطب >>>> مقالات طبية
فهل تنجَحُ الدراساتُ؟ وما النتائجُ التي حصلَ عليها العلماءُ حتَّى الآن؟ وهل تلوحُ في الأفقِ بوادرُ وجودِ لقاحٍ للسرطان؟
ينصُّ تقريرٌ صادرٌ عن جامعةِ "هارفرد" أنَّ المُعالِجاتِ المناعيةَ تقعُ حالياً في طليعةِ نتائجِ الدراساتِ الهادفةِ إلى إيجادِ علاجٍ للسرطان، وتعتمدُ الفكرةُ على إيجادِ اللقاحِ المناسبِ؛ إذ نعلَم أنَّ اللقاحاتِ تقومُ على مبدأِ حقنِ المادَّةِ المُمرِضةِ (أو أجزاءٍ منها) بعدَ قتلِها أو إضعافِها بهدفِ تحريضِ الجهازِ المَناعيِّ - المسؤولِ عن الدفاعِ عنِ الجسم، والذي يمتلكُ ذاكرةً يحفظُ بها العامِلَ المُمرِضَ - وتهيئتِه لمهاجمتِها بقوَّةٍ عند حدوثِ الإصابةِ الفعلية. وقد لجأ الباحثون إلى الببتيدات، وهيَ كالبروتيناتِ؛ لكنّها أصغرُ حجماً وأقلُّ تعقيداً، إذ كما في اللقاحاتِ؛ فإنَّ حَقنَ هذه الببتيداتِ الموجودةِ على سطوحِ الأورامِ - أي "المُستضِدَّات" - بعدَ تعديلِها، يؤدّي إلى إثارةِ نوعٍ من الخلايا المَناعيَّةِ هي "الخلايا التغصُّنية" التي تُحرِّضُ نوعاً آخرَ من الخلايا المناعية؛ وهي "الخلايا التائية"، فتهاجمُ الخلايا التائيةُ الخلايا السرطانيةَ الحاويةَ على هذه المُستضِّداتِ على سطحِها، ممَّا يعني أنَّها تُنبِّهُ الجهازَ المناعيَّ في جسمِ المريض وتقودُه إلى تدميرِ الورمِ بنفسه.
ولِتطبيقِ هذه التجربةِ؛ استخدمَ مجموعةٌ من العلماءِ مادَّةً مصنوعةً من قُضبانِ السيليكا الصغيرةِ ذاتِ المسامات، والتي تُحقَنُ تحتَ الجِلدِ فتتجمَّعُ مع بعضِها عفويّاً لِتُشكِّلَ هيكلاً (سِقالةً أو أساساً) ثلاثيَّ الأبعادَ يعملُ على جذبِ وتنشيطِ الخلايا المناعيةِ التَغصُّنيةِ، وتُغطَّى هذه القُضبانُ بمادَّةِ الـ "بولي إيثيل أمين" أيضاً، والتي وُظِّفَت سابقاً في نقلِ كلٍّ من الحمضِ النوويِّ DNA والبروتيناتِ إلى الخلايا، ويُعتقَدُ بأنَّها تمتلكُ تأثيراً تنبيهيّاً للجهازِ المناعيّ؛ فساعدَ ذلكَ على تحقيقِ هدفَين اثنين؛ الأوَّلُ هو امتصاصُ الجسمِ للعديدِ من الببتيدات - بِغَضِّ النظرِ عن خواصِّها - دونَ الحاجةِ لإجراءِ مزيدٍ من التعديلاتِ عليها، والثاني هو نقلُ هذه الببتيدات إلى الخلايا التغصُّنيةِ بواسطةِ مادَّةِ الـ "بولي ايثيل أمين" الَّتي زادت من تحفيزِ هذه الخلايا التغصُّنيةِ، ومن استجابةِ الخلايا التائيَّةِ القاتلةِ السُّمَّيةِ ضدَّ الخلايا الورمية.
وإضافةً إلى ذلك؛ فقد أشارَ التقريرُ إلى وجودِ عواملَ إضافيَّةٍ ضمن هذه اللقاحاتِ؛ جاذبةٍ لِلخلايا التغصُّنيةِ، ومُعزِّزَةٍ لوظائفِ الجهاز المناعي.
وبدأت مرحلةُ التطبيقِ بتصميمِ لقاحٍ يحوي نموذجاً من الببتيدِ E7، وهو بروتينٌ ورميٌّ تُعبِّرُ عنه جيناتُ فيروسِ الورَمِ الحُليميّ البشري، ويُسبِّبُ العديدَ من السرطاناتِ كسرطانِ عُنُقِ الرَّحِم، إذ أدَّت حُقنةٌ واحدةٌ منه إلى زوالٍ كامل وسريعٍ للورَمِ عند الفئران، مع بقاءِ 80% منهم على قيدِ الحياة مدَّةً تزيدُ عن 150 يوماً، وذلكَ بالمقارَنةِ مع الفئران التي لم تُحقَنْ باللُّقاح، والتي لَقت حتفَها بعد 30 يوماً من الإصابة.
وفضلاً عن ذلك؛ حاولَت بعضُ الدراساتِ اعتمادَ المبدأِ الأساسيّ ذاتِه لإيجادِ لقاحاتٍ نوعيّةٍ لأنواعٍ مُحدَّدةٍ من السرطاناتِ كسرطانِ الكولون، فقد اختبرَ باحثون لقاحاً قد يكونُ داعماً للمرضى الذين يعانون من سرطانِ الكولون في مراحلِه الأولى أو الثانية أو الثالثة، وذلك بعدَ الاستئصالِ الجراحيّ للورم؛ إذ يُعَدُّ العملُ الجراحيُّ الخطَّ الأوَّلَ لعلاجِ هؤلاء المرضى، ولكن في بعضِ الأحيان فإنَّ المرضَ يُعاوِدُ الظهورَ بعد الجراحةِ نتيجةَ وجودِ انتقالٍ للورم إلى الرئتَين أو الكَبِد أو غيرِه من أعضاءِ الجسم، ويكونُ إنذارُه في تلكَ الحالاتِ سيِّئاً.
لذا فقد يكونُ اللقاحُ هو الحلَّ الأمثلَ في مثلِ هذه الظروفِ؛ إذ يعملُ هذا اللقاحُ عند حقنِه بعدَ العملية الجراحية على تعزيزِ جهازِ المناعةِ الخاصِّ بالمريضِ؛ فيقوم على مبدأِ تدريبِ الجهازِ المناعيّ على التعرف إلى بروتينٍ نوعيٍّ وخاصٍّ يُعَدُّ واسماً لخلايا سرطانِ الكولون، فيحرِّضُ الجهازَ المناعيَّ - ما إنْ يتعرَّفُ إليه - على مُهاجَمةِ الخلايا السرطانيةِ الحاملةِ له عندما تبدأُ بالتكاثُر في أيِّ موقعٍ من الجسم، وبذلك يَقضي على الأعشاشِ الدقيقةِ المُتبقِّيةِ من الخلايا الورمية قبلَ أن تتحوَّلَ إلى تهديدٍ حقيقيّ.
ومن جهةٍ أُخرى؛ بيَّنت دراساتُ تأثيرِ التآزُرِ بين اللقاحِ والمُعالَجةِ الشُّعاعيّةِ إلى تحقيقِ استجابةٍ شديدةٍ ضدَّ الورَم؛ إذ يؤدّي الإشعاعُ إلى قتلِ الخلايا السرطانيَّةِ وتحريضِ استجابةٍ التهابيةٍ في موقعِ الورَم، ثمَّ يأتي دورُ المعالَجةِ المناعيَّةِ باللقاح بعدَ ذلك؛ إذ أوضحَتِ الدراساتُ ضرورةَ تعريضِ الورَمِ لكميَّاتٍ كبيرةٍ من الإشعاعِ لتحفيزِ الاستجابةِ المناعيةِ، ومن ثَمَّ تعزيز هذه الاستجابةِ باللقاحِ الحاوي على الأنترلوكين-2، والذي يُعَدُّ عاملاً مناعياً مُحرِّضاً.
و أخيراً؛ نجدُ أنَّ الجهودَ لا تزالُ تُبذَلُ في سبيلِ إيجادِ العلاجِ الأمثلِ لمساعدةِ المرضى على تجاوزِ صراعِهم مع السَّرطانِ بأقلِّ الخسائِرِ المُمكِنةِ وبأفضلِ النتائج. وفي الوقتِ الراهنِ لا نستطيعُ سوى حثِّ المَرضى على التَّفاؤُل والالتزامِ بخُطَطِ أطبَّائِهمُ العلاجيةِ التي قد تُثمِرُ نتائجَ إيجابيةً.
المصادر:
هنا
هنا
هنا