التَّشابُك الزَّمنيُّ الكُموميُّ - الجزء الثاني -
الفيزياء والفلك >>>> فيزياء
المصادر: 1 - هنا 2 - هنا
الكبسولاتُ الكُموميَّة الزمنيَّة
لنَستفيدَ مِنَ التَّشابُكِ الكُموميِّ الزمنيِّ في صناعةِ الكبسولاتِ الزَّمنيَّة، يُمكننا الاستفادةُ من ميكانيك الكمِّ للحقولِ أيضًا؛ وهي فرعٌ مُتقدِّمٌ من ميكانيك الكمِّ يصفُ الحقولَ الموجودةَ في الطَّبيعةِ مثلَ الحقلِ الكهرومغناطيسيِّ وغيره، فتكونُ أنظمةُ الحقولِ متشابكةً على نحوٍ عالٍ؛ إذ أنَّ أيّ نقطةٍ عشوائيّةٍ من الحقلِ متشابكةٌ كُموميًا مع نقطةٍ عشوائيَّةٍ أُخرى من نفسِ الحقل.
وعندما يكون لدينا فراغٌ (أي حيزٌ من المكان خالٍ من أيّةِ جسيمات) فإنَّه يكون مليءٌ بالحقولِ المُتشابِكَة، وتكونُ هذه الحقولُ على شكلِ اهتزازاتٍ مُتعاكسةٍ تَعدم بعضُها مع بعض، لهذا السبب إذا اختَرَعنا حسّاسًا مِثاليًا لرَصدِ هذه الحقولِ فإنَّه سيُعطي إشارةَ صِفر، ولكن في الحالةِ العمليّةِ فإنَّ جميعَ أنواعِ الحسّاساتِ لديها مجالٌ معينٌ للقياس، لذا تستطيعُ قياسَ أحدِ الحقولِ المُتشابكةِ ولكن يبقى الحقلُ الثَّاني خفيًا عنّا.
ففي عام 1976، أظهر العالِمُ Bill Unruhh - وهو عالِمٌ في الفيزياءِ النَّظريَّةِ - أنَّه من الممكنِ زيادةُ معدَّلِ الحقولِ المرصودَةِ بواسطةِ تسريعِ الحسّاس، فإذا طبَّقنا تسارعًا عاليًا على الحسّاسِ فإنَّ عددَ الحقولِ المرصودةِ سوف يَقفِز.
وفي عام 2011، أظهر العالِمان Olson و Ralph أنَّ المبدأَ ذاته الذي أشار إليه Unruhh ممكنُ التطبيقِ على الزّمن أيضًا. إذ أشاروا إلى حسّاسٍ يلتقطُ الحقولَ المتشابكةَ إذا كان متسارعًا في الزَّمن، ويكون حسّاسًا لالتقاط فوتوناتٍ بأمواجٍ محددةٍ خلال فترةٍ محدودةٍ جدًا من الزَّمن.
وقد اقترح كلٌّ من Olson و Ralphh بِناءَ حسّاسٍ مجهزٍ بدارةٍ من الموادِ الفائِقةِ النَّاقليَّة، فيكونُ قادرًا على التقاطِ الأشعةِ تحتِ الحمراء خلال زمنٍ لا يتجاوزُ الفيمتو ثانيّة ( 〖10〗^(-15) من الثّانيّة)، فستكونُ مِثلُ هذه الدارة قادرةً على رصدِ الفراغِ مثلَ كرةٍ متوهِّجةٍ من الغاز، لذا ستكون تجرِبة Olson و Ralph اختبارًا مُهمًّا لميكانيك كمِّ الحُقول، وسوف تدعمُ الأفكارَ التي طرَحها هوكِنغ حول تبخُّرِ الثُّقوبِ السَّوداءِ وهي تضمنُ نفسَ المبادئِ الأساسيَّة.
وإذا كان لديكَ الآن اثنينِ من ذلك الحسّاس، أحدُهُما يتسارَعُ والآخر يتباطئُ بنفسِ المُعدل، فإنَّ الجسيماتِ التي رصَدها الحسّاس الأوَّلُ سوفَ تكون مُتشابكةً مع الجسيماتِ التي سيرصدُها الثَّاني، فيلتقِطُ الحسّاسُ الأولُ مجموعةً من الإشارات التي تفصِل بينها فتراتٌ زمنيَّةٌ عشوائيَّة، أمَّا الحسّاسَ الثّاني فسوفَ يلتقطُ مجموعةً أُخرى من الإشاراتِ تفصِلُ بينها نفسُ الفتراتِ العشوائِيَّة، ولنفرض أنَّ الحسّاسَ يُصدِرُ (طقَّةً) عند التقاطِ جُسيمة، فعندما يُطقطقُ الحسّاسُ الأوَّلُ فسَنعلَمُ يقينًا أنَّ الحسّاسَ الثَّاني سوفَ يُصدرُ (طقةً) بعد زمنٍ محدَّد.
فهذه التّشابكاتُ الزمنيَّةُ سوف تكون المكوّنَ الأساسيَّ في صِناعةِ الكبسولةِ الزَّمنيَّة، وتعود هذه الفكرةُ بالأصلِ إلى العالِم James Franson – وهو فيزيائيٌ من جامعة ميريلان – الذي اقترحَ صناعةَ الكبسولاتِ الزَّمنيَّةِ باستخدامِ التَّشابكاتِ المكانيَّة، ولكن يرى كلٌّ من Olson و Ralph أنَّ التَّشابكاتِ الزَّمنيَّة ستكون أسهل؛ إذ تقومُ بتشفيرِ رسالتِكَ إلى بيتات، وتخزِّن كل بيت في فوتون، ثُمَّ تَستخدمُ واحدًا من زوج تلك الحسّاساتِ لقياس هذا الفوتون مع الحقولِ الخلفيَّةِ (الحقولِ الموجودةِ في الفراغ). وسوفَ تُساهمُ هذه الحقول في تشفيرِ المعلومةِ التي يحملُها الفوتون، ومِن ثَمَّ حِفظُ النَّتيجةِ التي يُعطيها لك الحسّاس في الكبسولةِ ودفنِها.
وعندما يحاولُ أحفادُكَ فتحَ الكبسولةِ في المُستقبَل، فإنَّهم سوف يستعملونَ الفردَ الآخرَ من زوجِ الحسّاساتِ من أجلِ قياسِ الحقولِ الخلفيَّة، وسيصبح لديهم نتيجتين (واحدةٌ من كلِّ حسّاس)، وبذلك سيتمكَّنون من استرجاعِ المعلومَةِ الأصليَّة، ويجبُ أن تكونَ الحقولُ الخلفيّةُ متشابكةً زمانيًا لِيَنجَحوا في فكِّ التَّشفير، ومِن ثمَّ سيتوجَّبُ على أحفادِكَ انتظارُ موعِدِ التَّشابُكِ الزَّمنيِّ ليستطيعوا فتحَ الكبسولة.
طبيعةُ الزَّمكان:
إنَّ التَّشابكاتِ الزَّمنيَّة تَتحدَّى فَهمنا أيضًا لطبيعةِ النَّسيجِ الزّمكاني، فعندما يكونُ لدينا حَدَثيْنِ مُرتبطينِ حتميًا فهناكَ احتمالان؛ الأولُ أنَّ أحدَ الحدثَينِ يُسبِّبُ الآخَر، والثّاني أنَّ هُناك حدثٌ ثالثٌ سَبَّب الحدثين، وتوصَّلنا إلى افتراضِ هذا المنطِقِ على أساسِ أنَّ هذه الأحداثَ تحدُث ضمنَ ترتيبٍ محدد، وتتحدَّد حسب موقعِها زمانيًا ومكانيًا.
ولكنَّ التَّشابكاتِ الكُموميَّة (وخاصةً المكانيّة، وربما الزمنيّة) قويّةٌ جدًا ولا يمكنُ تفسيرُها حسبَ المنطقِ السّابق، لذا كانَ على الفيزيائيينَ إعادةَ النَّظرِ في تلكَ الافتراضات، فيقولُ عالِمُ الفيزياءِ في الجامعةِ الإيطاليَّةِ في سويسرا Ämin Baumeler: "لا نستطيع حقًا تفسيرَ هذه التَّشابُكات ولا يوجدُ آليّةٌ لحصولِ هذه التّشابُكات، لذلك فهي لا تَنسجمُ مع فهمِنا العامِّ لفكرةِ الزَّمانِ والمكان."
درسَ العالِمُ Bruknerr وزملاؤه كيفيَّة ترابطِ الأحداثِ بعضُها مع بعضٍ دونَ افتراضِ وجودِ الزّمان والمكان، فإذا كانَ حصولُ حدثٍ معيَّنٍ معتمدٌ على النّاتجِ من حدثٍ آخر فإنَّك تستنتِجُ حدوثَهُ بَعده، وإذا كانتِ الأحداثُ مُنفصلةً تمامًا فيجبُ أن تكونَ بعيدةً عن بعضِها زمانيًا ومكانيًا، ومثل هذه المُقارباتِ تجعلُ من التّشابكات الزمنيّّة والمكانيّة على قدم المساواة، وتسمحُ بوجودِ تشابكاتٍ غير زمنيّةٍ ولا مكانيّةٍ مما يعني أنَّ التّجارِبَ لن تتناسقَ بعضُها مع بعضٍ ولا يوجدُ أيَّة طريقةٍ لتوفيقها مع الزّمانِ والمكان.
ولتقريبِ الفكرةِ طرَحَ Bunkerr وزملاؤه تجربةً فكريّةً بالاستعانة بـ (باسل) و (سلوى) مجددًا؛ إذ يرمي كلٌّ من (باسل) و(سلوى) قطعةً نقديَّة، ويُسجِّلُ كلاهما نتيجةَ رمي القطعةِ على ورقةٍ صغيرةٍ بجانبِ النَّتيجةِ وتوقُّعَه لنتيجةِ زميلِه، ثمَّ يمرِّر كلٌّ منهما هذه الورقةَ إلى زميلِه مع المعلوماتِ المدوَّنةِ عليها، ومن ثمَّ تُعادُ هذه التّجربةُ عدَّة مرّات لمشاهدةِ أداءِ كليهما.
وعادةً ما تحدثُ هذه التّجربةُ وِفقَ ترتيبٍ معيَّن، فعلى سبيلِ المثالِ ترمي (سلوى) أولًا قطعةَ النُّقودِ ثمَّ تسجِّلُ النَّتيجةَ على ورقةٍ وبجانِبِها توقُّعها للنَّتيجةِ التي سيحرزُها (باسل)، ومن ثمَّ تُرسِل هذه الورقةَ إلى (باسل) فيرمي قطعةَ النُّقود، ففي هذه الحالِة سيكون توقُّعَ (سلوى) لنتيجةِ (باسل) صحيحًا بنسبِة 50%، ولكنَّ باسل سوفَ يكون توقُّعه صحيحًا بنسبة 100% لأنَّه قرأَ ورقةَ (سلوى) ويعرف نتيجتَها سلفًا وتتبدَّلُ الأدوار في الجولةِ التَّاليةِ فيرمي (باسل) قطعةَ النُّقودٍ أولًا.
ولكِن إذا افتُرضَ أنَّ (باسل) و(سلوى) لا يسيرانِ بهذهِ التَّجرِبةِ وِفقَ ترتيبٍ معيَّنٍ، واستُبدِلَت قُطعةُ الورقِ بجُسيمةٍ كُموميَّةٍ فإنَّ نسبةَ نجاحِهما تصل إلى 85%..
فإذا أردتَ أن تُوافِقَ هذه التَّجربةَ مع الزَّمانِ والمكان ستكونُ مجبورًا على افتراضِ حدوثِ نوعٍ من السَّفر عبر الزَّمن، إذ يستطيعُ الشّخصُ الذي أجرى التّجربةَ في المرَّةِ الثّانيةِ التَّواصل مع الشَّخصِ الذي أجراها في المرَّةِ الأولى في الماضي.
عمِلَ Bunkerr مع زملائِه في فيينا على تحويلِ هذه التَّجرِبةِ الفِكريَّةِ إلى تجربةٍ فعليَّة، إذ استبدَل (باسل) و(سلوى) بفلاتِرَ ضوئيَّة، ثم أُرسلت حزمةً من الفوتونات إلى مرآةٍ مُغطاةٍ بالفِضَّةِ جُزئيًّا، فسيأخُذ نصف الفوتونات مسارًا مُعينًّا والنِّصفُ الآخرُ سوف يأخذُ مسارًا مختلفًا، وفي هذه الحالة يَستحيلُ معرفةُ المسارِ الذي أخذهُ كلُّ فوتونٍ دونَ قياسِه، لذا يكونُ قد أخذ كلّ فوتونٍ المسارينِ معًا إلى حينِ قياسِه، ففي المسارِ الأوَّلِ تمرُّ الفوتونات من فيلتر (سلوى) ثمَّ من فيلتر (باسل)، وفي المسارِ الثَّاني تمرُّ بالتَّرتيبِ المُعاكس.
وتأخذُ هذه التَّجربةُ (مبدأَ عدمِ التَّعيينِ) في ميكانيكِ الكمِّ إلى مستوى جديدٍ تمامًا، فقد اتَّخذت هذه الجُسيمات خصائصَ محددة قبل عمليَّةِ القياس، وإنَّ العمليّاتَ المُطبَّقةَ عليهم لا تحدثُ بترتيبٍ مُحددٍ أيضًا.
ومن النَّاحيةِ التَّطبيقيَّة تفتحُ هذهِ التَّجربةُ أبوابًا جديدةً في عالمِ الحواسيبِ الكُموميَّة، إذ يُمكنُ أن يكون كلٌّ من (باسل) و(سلوى) عمليّاتٍ رياضيّةٍ مُختلفة، وبقدرةِ الجهازِ (بخطوةٍ واحدةٍ) على التَّأكُّد إذا كان ترتيبُ العمليّاتِ الرِّياضيَّةِ مهمًّا، وبالنسبةِ للحواسيبِ الكلاسيكيَّةِ فتحتاج إلى (خطوتين) لتأكيدِ أهميَّةِ ترتيبِ العمليّات، لذا فإنَّ هذه الطَّريقةَ سوف تسرِّع الحساباتِ كثيرًا، فالحواسيبُ الكُموميةُ معروفةٌ بقدرتِها على تطبيقِ العمليّاتِ الحسابيّةِ على كلِّ البياناتِ المحتملةِ بوقتٍ واحد، وربَّما تكون قادرةً أيضًا على أداءِ جميعِ العمليّاتِ الحسابيَّةِ بوقتٍ واحد.
والآن! تخيَّل أن نَمضيَ بهذهِ التَّجربةِ خطوةً أخرى، وذلك بجعلِ الفوتون بحالةِ (تراكبٍ كُمومي superposition)؛ أي يدخلُ الفوتونُ بحالةٍ كُموميَّةٍ يندمجُ فيها المسارين (سلوى أولًا) و (باسل أولًا)، إذ لا يوجدُ جوابٌ محددٌ للسؤال الآتي : أي فلترٍ مرَّ منه الفوتونُ أولًا؟ إلى أن تحدُثَ عمليّةُ القياسِ وإلغاءُ حالةِ عدمِ التَّعيينِ هذه، فماذا لو استُبدِلَ الفوتون بجُسيمٍ له حالةُ (تراكبٍ كُموميٍّ زماني)؟ عندها سوف يَنتجُ لدينا جهازٌ يضعُ النَّسيجَ الزَّمكاني بنفسهِ في حالةِ تراكبٍ كُموميٍّ، وفي هذه الحالةِ يصبحُ السُّؤالُ (من الذي قاسَ أولًا باسل أم سلوى؟) ذا جوابٍ مُبهم، وستصبِحُ الحدودُ بين السّببِ والنَّتيجةِ مبهمةً أكثر، ولن تكون قادرةً على إعطاءِ أيِّ جوابٍ محدّدٍ لترتيبِ الأحداثِ خطوةً – خطوة.
ومَعَ بقاءِ هذه العلاقاتِ السَّببيَّةِ غيرِ المحدَّدةِ بين الأحداثِ يفقدُ الزّمكانُ معناه، لذا لا بُدَّ من إزالةِ هذه العلاقاتِ المُبهمةِ لتستطيعَ الطَّبيعةُ مجددًا تقريرَ الاحتمالات التي ستمضي بها، وقد يعني هذا أنَّ التَّشابكاتَ الكُموميَّةَ جاءت أولًا ثمَّ جاء الزّمكان، فكيف انبثَقَ الزّمكان الذي نعيشُ فيه من التَّشابكاتِ الكُموميَّة؟ Bunker ليس واثقًا بعد من الإجابة...
وأمَّا بالنِّسبةِ إلى الكبسولةِ الزَّمنيَّة، فإنَّ الجوابَ لن يأتيَ إلاَّ في أوانه..