الجلطاتُ الدّماغيَّة والذّكاء الصِّنعي، هل بات الإنسانُ محصَّناً من الإصابةِ بها؟
المعلوماتية >>>> الذكاء الصنعي
صرَّح العلماء مؤخّرًا أنَّ تعلّم الآلة (Machine learning) كشفَ عن أحدِ الأسباب الأكثر شيوعًا للخرف والسّكتة الدّماغية -في أكثر أشكالِ مسح الدّماغ انتشارًا (CT)- بدقّةٍ أكبر من الطّرق الحاليّة.
تمكّن برنامجٌ جديدٌ - أنشأه علماءٌ في جامعة إمبريال في لندن Imperial College London وجامعة أدنبرة University of Edinburgh - من تحديد وقياس شدّة مرض الأوعية الدَّمويَّة الصّغيرة (small vessel disease)، والّذي يُعدُّ أحد أكثر أسباب السّكتةِ الدّماغيّة والخرف شيوعًا، وقد أُجريَت هذه الدّراسةُ في مستشفى تشارينغ كروس Charing Cross.
يقولُ الباحثون أنّه من الممكن أنْ تساعدَ هذه التِّقنيّة الأطبَّاء على تقديم أفضل علاجٍ للمرضى بسرعةٍ أكبر في حالات الطّوارئ وعلى التّنبؤ باحتماليّة إصابةِ الشّخص بالخرف، وقد يُمهِّد تطويرُها الطريق لإمكانياتٍ أكبر تدعمُ الطبّ الشخصيّ أيضًا.
وقال الدكتور بول بنتلي Dr Paul Bentley؛ المؤلِّفُ الرئيسيّ والمحاضر السّريريّ في جامعة إمبريال في لندن: "هذه هي المرّة الأولى الّتي تتمكّن فيها تِقنيّات تعلّم الآلة من قياسِ أعراض أمراض الأوعية الدَّمويَّة الصَّغيرة بدقَّة عند المرضى الّذين يعانون من السَّكتة الدّماغيَّة أو ضعف الذَّاكرة عن طريق فحص الأشعَّة المقطعيَّة المحوسبة (CT scanning)، إنَّ أسلوبنا متناسقٌ ويحقّق درجةً عاليةً من الدَّقة في ما يتعلَّق بالتّصوير بالرّنين المغناطيسيّ، وهذا يُمكِن أن يؤدّي إلى تحسين العلاج والرعاية للمرضى."
وأضافت البروفيسورة جوانا واردلو Joanna Wardlaw؛ رئيسة قسم علم الأعصاب في جامعة إدنبره: "هذه هي الخطوة الأولى لِصُنع أداة قراءَةٍ لمعطياتِ المسح الضّوئي؛ والّتي يُمكِن أن تكون مفيدةً في تحليل مجموعاتِ بياناتِ المسحِ الروتينيّ الكبيرة، وبعدَ إجراءِ المزيد من الاختبارات، قد تُساعد في تشخيص حالةِ المرضى في المُستشفيات عند الشّكّ بأنّهم مصابون بالسّكتة الدّماغيّة ".
وإنَّ مرض الأوعية الدَّمويَّة الصغيرة (SVD)؛ هو مرضٌ عصبيٌّ شائعٌ جدًّا عند كبار السن، إذ إنّه يُقلِّل من تدفّق الدّم إلى وصلاتِ المادَّةِ البيضاء العميقةِ للدّماغ، ويُدمّر خلايا الدّماغ ويقتلها في نهاية المطاف، ويتسبَّبُ بالسَّكتة الدّماغيّة والخرف، فضلًا عن اضطراب المزاج، ويَزدادُ المرضُ مع التَّقدّم في السّن؛ ولكنَّه يتسارعُ بسببِ كلٍّ من ارتفاع ضغطِ الدم والسّكري.
وفي الوقت الرّاهن؛ يُشخّصُ الأطبّاء حالة مرض الأوعية الدَّمويَّة الصَّغيرة عبرَ البحث عن تغييراتٍ في المادَّة البيضاء في المخّ في أثناءِ التَّصوير بالرّنين المغناطيسيّ (MRI) أو التَّصوير المقطعيّ المحوسب (CT)، ومع ذلك؛ يَعتمدُ هذا التَّشخيصُ على طبيبٍ يقيسُ مدى انتشار المرض، وفي عملياتِ التَّصوير المقطعي المحوسب (CT)؛ يوضّحُ Dr.Bentley أنّه يكونُ من الصّعب تحديد موقع حواف المرض على الأغلب؛ ما يجعلُ من تقديرُ شدّته أمرًا صعبًا.
وعلى الرّغم من أنَّ التّصوير بالرّنين المغناطيسيّ يُمكِن أنْ يكتشفَ المرضَ ويقيسه عل نحوٍ أكثر حساسية؛ إلّا أنَّه لا يُعدُّ أكثر الطّرق استخدامًا، وذلكَ بسببِ قلَّة توافرِ الماسح الضوئي،وهوَ غير ملائمٍ - على الدّوام - للمرضى المُسنّين، أو في حالات الطوارئ.
وأضافَ الدّكتور بنتلي Dr Bentley: "يُمكن أن تكون الطّرق الحاليَّة لتشخيصِ المرض من خلال الأشعّة المقطعيَّة أو التّصوير بالرّنين المغناطيسيّ فعَّالة، ولكنْ قدْ يكون من الصَّعب على الأطبَّاء تشخيصُ شدّة المرض بالعين المجردة، وأهميَّة أسلوبنا الجديد؛ هي أنَّه يسمحُ بتشخيصٍ دقيقٍ وآليّ للمرض، وله تطبيقات واسعةُ النّطاق لتشخيصِ الخرف ومراقبته، بالإضافةِ إلى اتّخاذ القرارِ في حالاتِ الطّوارئ في السَّكتة الدّماغيّة."
ويشرح الدّكتور بنتلي Dr Bentley أنَّ هذا البرنامجَ يمكن أن يُساعدَ في التَّأثير على أخذِ القرار من قبل الأطبَّاء في الحالاتِ العصبيَّة الطَّارئة، فعلى سبيل المثال؛ في حالاتِ السَّكتة الدّماغيّة؛ يُمكن إعطاءُ العلاجاتِ مثل الأدويةِ الحالّة للخثرات، ومع ذلك؛ يُمكن أن تكونَ هذه العلاجاتُ خطرةً لأنّها تُسبّب النّزيف، والذي يُصبح أكثرَ احتمالًا بزيادةِ نسبةِ المرض، ويُمكن تطبيقُ البرنامجِ في المُستقبل لتقديرِ الخطرِ المُحتمل للنّزيف عندَ المرضى، ويُمكن للأطبَّاء أن يُقرّروا على أساسٍ شخصيّ إلى جانبِ عواملَ أخرى، سواءٌ أكانَ عليهم استخدام أدويةٍ حالّةٍ للخثراتِ أو لا.
ويقترحُ أيضًا أنَّ البرنامج يُمكِن أنْ يُساعدَ في تحديدِ احتماليَّةِ إصابةِ المرضى بالخرفِ أو فقدانِ الحركة؛ وذلكَ نظرًا إلى ظهورِ أعراضِ المرض ببطء، وهذا من شأنه أن ينبّه الأطبَّاء إلى أسبابٍ يُمكن عكسُها كارتفاعِ ضغط الدّم أو السّكري.
واستخدمتِ الدّراسة بياناتٍ قديمةً تصلُ إلى الـ 1082 من الأشعّة المقطعيّة لمرضى السّكتة الدّماغية عبرَ 70 مستشفى في المملكة المتحدة بين عامي 2000 و 2014؛ إذْ حدَّد البرنامجُ وقاسَ علامةً محدَّدة من المرض، ثمَّ أعطى درجةً تُشير إلى مدى شدّته الّتي تتراوحُ من معتدلٍ إلى شديد، ثمَّ قارن الباحثون النَّتائج مع لجنةٍ من الأطبَّاء المختصّين الّذين قدَّروا شدَّة الـمرض من عملياتِ المسحِ نفسها، وكان مستوى توافقِ نتيجةِ البرنامج مع رأي الخبراء جيدًا؛ مثل التَّوافق بين خبيرٍ وآخر.
بالإضافة إلى ذلك؛ صوّر الباحثون 60 حالة باستخدام الرّنين المغناطيسيّ والتصوير المقطعيّ المحوسب (CT)، وكانَ الهدفُ الرّئيسيّ من التّصوير بالرّنين المغناطيسيّ هو تقديرُ النّسبة الدّقيقة للمرض، وأظهر ذلك أنَّ البرنامج دقيقٌ بنسبة 85% عندما يتعلّقُ الأمرَ بالتّنبؤ بمدى تطوّر حالة المريض.
ويستخدمُ الفريق الآنَ أساليبَ مشابهة لقياس أمراض أخرى، كضمورِ الدماغ، والّتي تُشخّصُ على نحوٍ كبير باستخدام التّصوير المقطعيّ المحوسب (CT).
ومُوّلت هذه الدّراسةُ من قبلِ جائزة NIHR i4i للابتكار، ومنحةِ مشروعِ مركز أبحاث الطبّ البيولوجيّ الإمبراطوريّ لمعهد NIHR.
المصادر: