تحذير:الإعلام قد يضر بالصحة
الطب >>>> مقالات طبية
و قد شاهدنا هذه المبالغة في علاج داء باركنسون الذي تواقَتَ ظهورُه مع الاستهلاك الهائل للأخبار المنقولة عبر شبكات الإنترنت؛ إذ أدَّت الضجّة الإعلاميّة التي تسوُّقُ لهذا العلاج -مثل بعض العلاجات الحيوية الحديثة والماريجوانا والخلايا الجذعيّة وغيرها من العلاجات المثيرة للجدل- (أدّت) إلى انقطاعِ التواصل بين الأطباء ومرضاهم وكانت نتيجتُها أضرارًا جسيمة على المرضى.
وقد وُجد أيضًا في دراسةٍ عن مواقع الويب التي تحتوي على معلومات عن المنتجات العشبيّة الشعبيّة أنَّ ربعَ هذه المواقع تُقدِّمُ توصياتٍ -إذا اتُّبِعَت- ستؤدّي مباشرةً إلى أضرارٍ كبيرة.
و في دراسة أُجريت على وسائل الإعلام المطبوعة التي تناقش أسبابًا معيّنةً من الوفيات؛ لوحظ أنَّ هذه الأسباب غيرُ متناسبةٍ مع العدد الفعليّ للوفيّات التي تُعزى إلى تلك الأسباب؛ إذ وُجِدَ أنَّ بعضَ عوامل الخطر (كالكحول والانتحار) قد أُبلِغَ عنها بتواتر يتناسب مع حدوثها. ولكنَّ السببَ الأوَّلَ للوفيات في العالم -وهو أمراض القلب- لم يأخذ مكانًا يتناسب مع مُعدَّل حدوثه في التغطية الإعلامية، ونجدُ هذا النقص النسبيَّ للأخبار في تعاطي التبغ أيضًا؛ إذ تميلُ وسائلُ الإعلام إلى تخطي التركيز على التدخين بوصفه سببًا رئيسًا للوفاة، وقد عُزِيت قلّةُ التغطيةِ هذه إلى التأثير الذي تتركه شركات التبغ مع ميزانيّاتها الإعلانيّة الضخمة على المؤسّسات الإعلاميّة.
وبازديادِ المبالغة في تقديم المعلومة الطبية يزدادُ الترويجُ لمداخلاتٍ طبيةٍ غير موثوقةٍ؛ فعلى مَن يقع عاتقُ مسؤوليّةِ هذه المبالغة؟
ببساطة هي مسؤوليّةُ لا أحد وكلُّ الناس في الوقت عينه، فالمعلوماتُ الطبيّة التي يقدمها الباحثون الأكاديميّون لتنشرَ في المجلات الكبرى قد تتعرض للتحريف و المبالغة؛ إذ إنَّ هذه المجلاتِ تريد نشر أحدث التطوّرات في مجال العمل بحيث يرفع ذلك من مكانة المجلة، وقد تبيّن أنّ ذلك في النهاية يقودُ إلى نشر الأبحاث التي تبالغ في النتائج النهائيّة وقيمة تلك النتائج، ويمكن للمؤسسات العلميّة أيضًا؛ كالجامعات والمجلات؛ أن تؤدّي دورًا في خلق الضجّة الإعلاميّة عبر استخدام أدوات الدعاية والبيانات الصحفية، لحشد التغطية الإخبارية ولفت الانتباه إلى تلك المؤسّسات، وذلك يسوقُ بعض الباحثين إلى مواكبة هذه الأساليب للأسف، لذلك نجد بعض العلماء ينظرون إلى أنَّ الفعاليات العامّة كانت من نصيب أولئك الذين لم يكونوا جيّدين بما فيه الكفاية للعمل في المجال الأكاديميّ.
أمَّا كُتَّابُ العناوين الرئيسيّة في وسائل الإعلام فقد أصبح عليهم الآن أن يتنافسوا مع مُجمِّعي الأخبار المستندين إلى وسائل التواصل الاجتماعيّ، ونتيجةً لذلك؛ توجّهوا إلى تصميم العناوين للحصول على استجابةٍ عاطفيّةٍ عند القرّاء لتوليد مزيدٍ من الجذب، فعند وصول هذه العناوين بشكلها المزخرف إلى مستهلكي المعلومات الطبيّة يسلّمون أمرهم وينهلون من تلك المعلومات دون الرجوع إلى مصادر موثوقة، الأمر الذي يؤدّي إلى آثارٍ سلبيّةٍ على صحتهم في ظلّ زمنٍ أصبح فيه الخطّ الفاصل بين المعلومات والإعلانات غيرَ واضح.
وقد تبدو مشكلةً بلا حلّ في نظرك كقارئٍ نهمٍ مُتعطّشٍ للمعلومات، لكن ما عليك إلّا أن تبدأ بنفسك و تعود للجذور و المصادر عند قراءتك لأيَّة معلومة وذلك لتقطعَ الشكّ باليقين، وإذا كنت إعلاميًّا فعليك التدريبَ على التعرُّف إلى أضرار المحتوى المُبالَغ فيه أو المضلِّل، وفَهمِ أهمية تأطير الأبحاث الصحيّة بعباراتٍ غير جذّابة وملائمة للطبيعة، وإذا كنت باحثًا فعليك إعادةُ التفكير في الحوافز الأساسيّة لتقديمك المعلومةَ الطبيّة؛ وذلك في تطوير حوافز مضادّة أقوى.
و في النهاية؛ علينا أن نعلم أنَّ الخطّة المثاليّة لا تعني أن يمشيَ كلُّ شيءٍ حسبَ توقعاتنا، فالخطّة المثاليّة هي الخطّة المرنة القابلة للتعديل عند حصول المشكلات، فعلى وسائل الإعلام التركيز على استطلاعات الرأي والإحصائيات المقدّمة بصدقٍ فهي الحقيقة التي تعلو فوق كلّ إعلان وتسويقٍ مُبهرَج، وهذا ما يجعلها تعيش في تناغُمٍ تامٍّ مع الشعب، وذلك لكسب قلوبهم وصحتهم!
المصدر:
هنا
هنا
هنا