ليس كلُّ ما يلمع ذهبًا. مُوجَزٌ عن تاريخ العلم الزائف في أمريكا.
منوعات علمية >>>> العلم الزائف
يعتقد آخرون بأنَّ الضوء الملوَّن لديه قدرات علاجية خارقة، ويمكن لأشعة الضوء من اللون المناسب شفاء الأمراض المختلفة؛ مثل الأصفر والأُرجواني لمرض السُّكري، والأزرق والأخضر لأمراض السَّيلان وما إلى ذلك.
أمَّا آخرون فيرَون أنَّ خطايانا هي نتيجة "المَغنَطة الخبيثة" القادمة من أعماق الأرض.
ربما ستضحك للوهلة الأولى عند سماعك هذه المُعتقدات الغريبة، ولكنك ستنذهل عند معرفتك أنَّ هذه المُعتقدات عبارة عن أفكار تُتوارَثُ في مجتمع يُعدُّ من بين أكثر المجتمعات تقدُّمًا في مجال العلم؛ ألا وهو المجتمع الأمريكي.
ربما كانت مثل هذه الأفكار الغريبة مُعتَمَدةً منذ 150 عامًا في جمهورية شابَّة تمتلك حماسًا للعلم أكثر منه للخبرة الفعلية، لكنَّ السؤال الحقيقي هنا هو: كيف استمرَّت هذه المُعتقدات في بلدٍ مُتقدِّمٍ للغاية، وفي عصرٍ يكتسب فيه العلم أهمية كبيرة؟ من أجل ذلك يجب أن ندرس حماسَهم الغريب في الماضي؛ لفهمِ استمراريَّتهم في الحاضر.
يُطلق عادةً على مثل هذه المُعتقدات والمُمارسات مصطلح (العلوم الزائفة pseudosciences)، وعلى الرغم من أنَّ العديد من الأشخاص يستهزئون بهذه المُعتقدات اليوم؛ لكنَّها كانت مُعتنَقةً من قِبَل الأمريكيين؛ إذ يُفسِّرون بها الظواهر المختلفة في جميع نواحي الحياة، ولنذكر بعضًا من تلك العلوم الزائفة..
فَراسَة الدِّماغ:
من المُعتقدات التي انتشرت بقوَّة سابقًا نذكر فَرَاسة الدِّماغ؛ وهي تحليل الشخصية عن طريق خطوط الجمجمة؛ إذ يقول ديفيد روثمان David Rothman أستاذ التاريخ والطب الاجتماعي ومدير مركز كولومبيا لدراسة العلوم والطب: "كان لفَرَاسة الدِّماغ أو الـ phrenology أتباعٌ وداعمون محترمون جدًّا، ومن الجماجم القيَّمة التي مسحت من أجل التنبُّؤ نذكر: (توماس أديسون، وأندرو كارنيجي، ووالت ويتمان)".
الرُّوحانيَّة:
أمَا الرُّوحانيَّة (وهي التواصل مع الأموات عن طريق وسيط روحاني) فقد استولت على خيال المتعلِّمين والأُمِّيين على حَدٍّ سواء، وكان ويليام لويد جاريسون وهوراس غريلي وجيمس فينيمور كوبر من بين آلاف الأمريكيين الذين يتردَّدون إلى جلسات استحضار الأرواح ليشهدوا على قرع الطاولة table rapping والإيكتوبلازما المرتشحة ectoplasm oozing.
العلاج بالماء:
ومن الأمثلة أيضًا عن هذه المُعتقدات نذكر العلاج بالماء، فمثلما ذُكر في كتاب (العلم الزائف والمجتمع في أمريكا القرن التاسع عشر) للكاتب آرثر وربيل: "لقد احتلَّت مبادئ العلاج المائي موقعًا قديمًا في تَرْسانة الإنسان ضدَّ المرض والضعف؛ إذ تواردت العلاجاتُ المائية باستمرار في سجلَّات المُمارسة الطبية منذ العصور القديمة وحتى الوقت الحاضر. ولكن لم يركِّزوا كثيرًا على قيمة العلاج المائي مثل تركيزهم في الفترة ما بين 1820 و1860، وذلك عندما طوَّر المُمارسون النظامَ الفريدَ الخاصّ بهم، والمعروف باسم (العلاج المائي) أو (معالجة المياه)؛ من أجل إقناعٍ غير مسبوق بصحَّة اكتشافهم الجديد وشرعيّته".
المَغنَطة الخبيثة:
فيما يتعلَّق بـ (المغنطة الخبيثة)؛ فقد أعلن المُحبُّ للطب -الكهربائيُّ المُسمَّى فريدريك أوغستوس بيكر Frederick Augustus Baker- أنه إذا وَضعَ المغناطيسَ الكهربائيَّ العملاقَ بطريقة صحيحة؛ فقد يقضي على "الطاقات الخبيثة" المُنبعثة من مركز الأرض، والتي تسبَّبت في خطيئة الإنسان على الرغم من أنَّ هذا الطرح ليس موجودًا في الكتب السماوية بوضوحٍ أصلًا.
الأرض المُسطَّحة:
في أواخر القرن التاسع عشر؛ استلهم علماء الفلك الزِيتّيُّون -نسبةً إلى الحرف اليوناني زيتا Zetetic Astronomers- قضيةَ الأرض المُسطَّحة من قراءةٍ حرفيةٍ للكتاب المُقدَّس، وأصرُّوا على أنَّ الأرض لم تكن كروية؛ بل قرصًا مُسطَّحًا مع سماءٍ في الأعلى وجحيمٍ في الأسفل. وقد ظهرت العشرات من الجمعيات الزِيتّيَّة ما بين 1880s و90s.
بعد ذكرنا لعدد من تلك المُعتقدات والدلائل على انتشارها الكبير في وقت مضى، يجب علينا الآن أن نتساءل؛ لماذا كان يُرحَّب بهذه المُعتقدات في القرن التاسع عشر في أمريكا؟
حسنًا؛ للجواب عن هذا السؤال يجب النظر في الظروف التاريخية التي توفِّر كلًّا من الحافز والفرصة للعلم الزائف كي يزدهر، والتي كانت راهنةً في ذلك الوقت، فعبرها قد نجد التفسير المناسب لذلك.
وبالعودة إلى تلك الظروف يمكن أن نفهم بأنَّ العديد من التخصُّصات العلمية الزائفة استُلهمَت من الرغبة في الدفاع عن انسجام العلم والدين. ولعلَّ المثال الأوضح على ذلك هو صراع الخلقيّين مع نظرية التطور الخاصة بدارون، الذي يستمرُّ إلى وقتنا هذا.
والخلقيُّون هم الأشخاص الذين يؤمنون بالمُعتقد المشترك بين جميع الديانات الإبراهيمية، وهو ذاته التصوُّر الفلسفي القديم الذي يقول بأن نشأة الإنسان والحياة والأرض والكون أيضًا كانت نتيجةَ تدخُّلٍ وإبداعٍ ربَّانيٍّ إلهيٍّ من قِبَل الخالق.
وكان الجميع يعتقد في وقت من الأوقات أنَّ الدين والعلم مُتَّفقان، وكان من المُفترض أن يتناغم كلامُ العلماء مع ما تقوله الكتبُ المُقدَّسة؛ لكن طرأت بعض التطوُّرات العلمية التي دمَّرت هذا الانسجام؛ وأكبر مثالٍ هو انتشار كتاب أصل الأنواع لدارون، الذي جاء بمثابة ضربة هائلة لهذا الانسجام.
وقد حارب أتباعُ الدين بشراسة عن معتقداتهم بدايةً من منتصف التسعينيات، وكلُّ من يريد أن يتمسَّك بالحقيقة العلمية المُتعلِّقة بأصل الإنسان وكيفية التكوين كان عليه أن ينخرط في معاركَ مع العلم الزائف.
من هذا نجد أنَّ كلَّ أمَّة قد مرَّت بعصورٍ سادت فيها الكثير المُعتقدات الغريبة التي أثَّرت في مسارها على نحوٍ أو آخر؛ ولكن في عصرنا هذا الذي يقوم على العلم والبراهين؛ لا بُدَّ لنا من أن نتجنَّب التسليم المُطْلق بالأمور، وأن نبحث عن الأساس العلمي والمُبرهِن لها؛ لكي نخطوَ بخطوات ثابتة في حاضرٍ يُؤسِّس لمستقبلٍ واعٍ.
المصدر:
هنا
هنا