هل الطب التجانسي "Homeopathy" علاج حقيقي أم وهمي؟
منوعات علمية >>>> العلم الزائف
ظهر الطب التجانسي منذ حوالي 200 سنة على يد الطبيب الألماني "صموئيل هانيمان" والذي بدأ حياته معدماً إلى أن توفي في باريس مليونيراً بفضل أفكاره عن الطب التجانسي. بدأت فكرة صموئيل حين قام بتناول جرعاتٍ صغيرةٍ من "الكينا" أو الكينين، مما سبب له ظهور أعراضٍ متقطعة ومشابهة لحمى الملاريا ولكن بدرجةٍ أخف، قام صموئيل بدمج هذه الفكرة مع فكرة الشفاء باللقاحات (جرعة صغيرة من جدري البقر ستقوم بحمايتك من الإصابة بالجدري) واعتبر أنه يمكننا استعمال أيّ مادةٍ ضارة (سم أو مادة ممرضة أو مسببة للحساسيّة أو لأي آثار غير مرغوبة) وبأخذ جرعة مخففةٍ جداً منها أن تشفي المرض الأساسيّ، مثال على ذلك هو: إن كنت تعاني من الأرق بسبب الاستهلاك المفرط للكافيين وشرب القهوة، فقد يكون علاج أرقك هو بأخذ الكافيين وتمديده لدرجةٍ كبيرة جداً وخلطه بطريقةٍ معينة فيتحوّل إلى علاج يساعدك على النوم!
إن كنت تعاني من حساسيةٍ من مادةٍ ما فبإمكانك تعاطي هذه المادة بتراكيز صغيرة جداً إلى أن تتخلص من حساسيتك، وهكذا..
يقوم "خبراء" الطب التجانسيّ بتحضير علاجات مبتكرة شخصيّة (لكلّ فردٍ علاجه الخاص وفقاً لأعراضه وحالته) مستخلصة من المواد الطبيعية وممددة لدرجةٍ كبيرة، الشكل الأشيع منها هو حبوبٌ صغيرة توضع تحت اللسان، كما يمكن أن توجد العلاجات المثلية على شكل مراهم وكريمات وشرابات الخ..
يجدر بنا الإشارة إلى أنّ موضوع الطب التجانسي لطالما كان مثار جدلٍ في الأوساط العلمية لعدّة أسباب، حيث أنه وبرغم أنّ تلك الأدوية ممددة فقد تحتوي على جزيئاتٍ كافيةٍ من المادة الفعالة لتسبّب آثاراً جانبية ممرضة أو داخلاتٍ دوائية، وفي أحيانٍ أخرى فإنّ التمديد المفرط للمواد الفعالة يجعل الجرعات خالية تماماً منها !
ما مدى انتشار هذا النوع من العلاج وما مدى تصديق الناس له؟ حسناً، وفقاً للهيئة القومية للمسح الصحي في أميركا، فقد قام 3.9 مليون بالغ و900 ألف طفلٍ باستخدام منتجات الطب التجانسيّ في سنةٍ واحدة، ووصل الإنفاق إلى 2.9 مليار دولار للأدوية و170 مليون دولار للزيارات إلى عيادات العلاج التماثلي! مما يجعلنا ندرك حجم المشكلة وأهمية توعية الناس لها.
كثيرٌ من الأطباء والصيادلة يعزون النجاح الذي قد يلاحظه المرضى أحياناً بعد تعاطيهم للعلاج التجانسي إلى ظاهرة البلاسيبو أي أنّ تأثيره يقتصر على الجانب النفسيّ، وآخرون لا يمانعون أن يتعاطاه المرضى باعتبار أنه (لا ضرر منه)، أما "خبراء" العلاج المثلي فيدعون أنّ العلم "لا يزال عاجزاً" عن إدراك الآلية التي تعمل بها علاجاتهم، ولكنهم يؤكدون بثقةٍ أنها تعمل، ولكنّ الدراسة التي سنتحدث عنها في هذا المقال جاءت أخيراً لكي تنسف هذه المزاعم!
فقد أصدرت هيئة البحوث الطبية والصحية الوطنية الأسترالية NHMRC تقريراً يتضمن بعدم وجود دليل موثوق على فعالية المعالجة المثلية، لكن لم تنشر هذه النتائج رسمياً وأعطيت الهيئات المروجة للمعالجة المثلية موعداً حتى 26 أيار لتقديم دليل ينفي ذلك.
بدأت هيئة NHMRC هذه الدراسة للإجابة على السؤال: " هل يعتبر اتباع المعالجة المثلية علاجاً فعالاً للحالات المرضية مقارنة بعدم اتباعها ومقارنة بالعلاجات الأخرى؟ "
شملت الدراسة 68 حالة مرضية يتم تسويق منتجات المعالجة المثلية لعلاجها، بدءاً من الربو والانفلونزا ووصولاً إلى الكوليرا وإدمان الهيروئين.
ذكر التقرير بعدم وجود دراسات ذات نوعية وتصميم جيد وبعدد مشاركين كاف للوصول إلى نتيجة أن المعالجة المثلية تسبب تحسن في الحالة الصحية مقارنة بالغفل ( وهو دواء لايحوي أي مادة فعالة)، أو أن المعالجة المثلية تسبب تحسن صحي مماثل للأنواع الأخرى من العلاجات.
وعلى الرغم من ذلك ميز التقرير بين نوعين من الحالات المرضية :
-حالات أجريت عليها دراسات شاملة وعالية الجودة وبالتالي يمكن أن تستبعد نهائياً فعالية المعالجة المثلية لهذه الحالات.
- وحالات مرضية أخرى لم تتم دراستها ولكنه لا يوجد دليل على فعالية المعالجة المثلية في علاجها.
رحبت بهذا التقرير رابطة الأطباء الاستراليين ومجموعة أصدقاء العلوم الطبية FSM التي تشن حملة ضد استخدام المنتجات غير المثبتة الفعالية.
يعامل من يمارس المعالجة المثلية المرضى عادة بشكل أفضل بكثير من الأطباء التقلييدين ويدّعون أن المعالجة المثلية تعالج " الشخص بأكمله"، أما المعالجة نفسها فتتضمن استخدام منتجات ممددة بشكل كبير( والتي تكون ضارة جداً بتراكيز أعلى) ممزوجة بنوع من المياه مرتفعة السعر أو بالسكر.
وصلت هيئة البحوث الأسترالية NHMRC إلى نتائجها هذه دون النظر إلى آلية التأُثير التي يدّعي بها مروجو هذه المنتجات والتي تنافي كلاً من المنطق وآليات التأثير الكيميائية القابلة للاختبار.
لكن لم يتم دراسة استخدام المعالجة المثلية من أجل الوقاية بما في ذلك استخدام اللقاحات المثلية. صرّح البروفيسور John Dwyer من جامعة New South Wales المختص في علم المناعة أن الأمر الأكثر خطورة هو انتشار مفهوم أن اللقاحات المثلية غير ضارة ولها فائدة اللقاحات التقليدية.
على الرغم أن دراسات كهذه قد تبدو ضعيفة التأثير على استخدام علاجات وهمية كالمعالجة المثلية، فإن مجلس العموم البريطاني قد صرح أنه على أثرها تم إغلاق واحدة من مستشفيات المعالجة المثلية الأربعة في الممكلة المتحدة، وانخفض الإنفاق على منتجات المعالجة المثلية.
المصادر:
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا