بصرى... 2500 عاما من الحضارة
الفنون البصرية >>>> مواقع سورية على لائحة التراث العالمي
بعد ما تسجّلت دمشق على لائحة التّراث العالمي بسنة وحدة، تمّ تسجيل كلّ من بصرى و تدمر على لائحة التّراث العالميّ عام 1980، و بهالمقالة اليوم رح نحكي عن بصرى .
يرتبط اسم بصرى مع أهم الأحداث في تاريخ المعتقدات و الأفكار. حيث ارتبط تاريخ و تقاليد أسقفيتها بمجلس أنطاكية، كما زارها الرّسول الكريم مرتين وسمع الكثير عن تعاليم المسيحية من راهب نسطوري يدعى الرّاهب بحيرى خلال زيارته الأولى. و قد ظهر اسم بصرى لأوّل مرّة على الألواح المكتشفة في تنقيبات تلّ العمارنة في مصر لأوّل مرة، و الّتي تعود إلى القرن الرّابع عشر قبل الميلاد. تمثّل هذه الألواح المراسلات الملكيّة بين الفراعنة و الملوك الفينيقيين و العمّورييّن.
ذكرت بصرى في الكتاب المقدّس على أنها عاصمة المملكة النّبطيّة الشّماليّة للمقاطعة الرّومانيّة العربيّة، ثمّ في عام 106 م احتلّت بصرى أهميّة دينية كبيرة كاحدى أكبر المدن في الإمبراطوريّة الرّومانيّة و مركز هام للقوافل على طريق الحج إلى مكّة أيضا. حتّى أنّ المآذن المربذّعة الموجودة في بصرى هي بلا شكّ أقدم المآذن من هذا النّوع و الّتي لا تزال قائمة في تاريخ الإسلام. هذا الازدهار استمرّ حتّى القرن السّابع عشر الميلاديّ، بحلول ذاك الوقت أًصبحت المنطقة غير آمنة، و بدأ الحجّاج باتّخاذ طرق أكثر أمانا إلى الغرب من بصرى.
المباني و المعالم الأُثرية و الّتي بنيت على مدى فترات مختلفة من الزمن أكسبت بصرى ندرة شديدة و أهميّة عالمية و قيمة جماليّة فريدة من نوعها. و لم يبق اليوم من المدينة الّتي وصل تعداد سكّانها مرة إلى 80.000 نسمة ،سوى قرية جميلة جدّا وسط الأطلال، المسرح الرّوماني الّذي يعود إلى القرن الثّاني الميلاديّ، و المرجّح أنّه قد بني في عهد الامبراطور تراجان، يعدّ تحفة معماريّة مميّزة ، و هو لحسن الحظّ المسرح الرّوماني الوحيد المحفوظ حتى الآن و الّذي يحتوي على شرفة علويّة تسقف رواق الأعمدة القائم تحتها. هذا المعلم الفريد المحاط بأسوار و أبراج القلعة المحصّنة (481-1231) لوحده شاهد على عظمة و بهاء بصرى.
تبدو قلعة بصرى من الخارج كحصن عربيّ مشابه لغيره من الحصون، على واجهة نصف دائرية ترتفع أبراج مربّعة، مبنيّة من كتل ضخمة من الحجر( بعض الأحجار في الزّوايا يصل ارتفاعها إلى أكثر من 5 أمتار) ، القلعة محاطة بخندق عميق يشكّل الخطّ الأوّل للدفاع عن القلعة. يمتدّ جسر فوق الخندق مرفوع على 6 أقواس، تليه بوابة حديدية محصّنة، تتوالى وراءها مجموعات الغرف المقببة و الممرات الملتوية و المحاطة بسواتر إضافة إلى كثير من الدّفاعات االأخرى، و الّتي توّلد انطباعا قويا عن النوعية الحربية الدفاعية للقلعة.
بالطّبع لا شيء يضاهي المسرح الرّوماني الموجود في قلب القلعة ، و المحفوظ بشكل جيّد جدّا كما ذكر من قبل. يتداخل كلٌّ من البنائين ببعضهما. حيث تحيط الأسوار العائدة إلى القرن الثّالث عشر بالمسرح من جميع جهاته.
ربّما يتساءل الكثيرون ماذا يفعل المسرح الرّوماني ضمن القلعة ، لكن ما يعرفه كلّ مطلع على تاريخ بصرى أن المبنيان هما بالأصل مبنى واحد. عندما دخل العرب إلى بصرى ، قاموا فوراً بسدّ كلّ الأبواب و الفتحات الخارجيّة الأصليّة للمسرح من خلال أسوار منيعة ، محوّلين بذلك المسرح إلى قلعة حصينة يسهل الدّفاع عنها. لكن التّهديدات الجديدة منتصف القرن الحادي عشر متمثّلة بالزّحف الصّليبي إلى المشرق، قادت إلى تدعيم الدفاعات أكثر فأكثر، حيث تمّ بناء ثلاث أبراج دفاعيّة إضافيّة منتصف القرن الحادي عشر، تلاها تسع أبراج إضافيّة لاحقة بين ال 1202 و ال 1251. أدّى تجمّع الرّكام و الإضافات المتتالية إلى تغطية المسرح الرّوماني من الدّاخل و على صفوف المدرّجات المحيطة بالمسرح، ممّا أدّى إلى حفظها بحالة شبه ممتازة ، حيث تمّ الكشف الكامل عنها و استعادة مجمل المشهد المهيب الكامل.
يتّسع المدرّج إلى حوالي 15000 متفرّج، يتوزّعون على مدرّجات تحيط بمنصّة عرض، بعمق 8.5 متر و 45 متر بالعرض . في هذا المبنى الّذي يعود إلى القرن الثّاني الميلاديّ تمّ الاهتمام بالكثير من التّفاصيل المعماريّة الدّقيقة كالأعمدة الكورنثية ، و الرّايات المعلّقة الّتي حمت الجمهور من الشّمس في فصل الصّيف.
تجتمع في بصرى الآثار النبطية و الرّومانيّة مع الكنائس المسيحيّة و المساجد ،و يمكن العثور على معظمها في الجزء الباقي من المدينة القديمة.كاتدرائيّة الشهيدين سرجيووس و باخوس و الّتي تمّ الانتهاء من بنائها عام 513 م من قبل المطران يوليانوس، كان لها تأثير ملحوظ على تطوّر العمارة الكنسيّة لاحقا، بمسقطها المركزي المحاط برواقين جانبيين و محرابها الشّرقيّ. يلعب المسجد العمريّ دورا مشابها بالنّسبة لعمارة المساجد في سورية ، و هو المبني في القرن الأول الهجري و الّذي أعيد ترميمه عام 1950.
كما ذكر من قبل انضمّت بصرى إلى لائحة التّراث العالمي عام 1980 لتوافقها مع المعايير المعتمدة من قبل الأونسكو:
المعيار 1: الحالة المعماريّة الفريدة الّتي جمعت بين المسرح الرّوماني الكامل مع شرفته العلوية، و القلعة العربية الّتي حرست الطّريق إلى دمشق ممّا مثّل حالة معماريّة فريدة جدا. إضافة إلى ذلك تتمثّل الفرادة المعماريّة أيضا في بقايا البازيكيليكا الّتي تعود إلى أوائل القرن السّادس الميلاديّ، (كاتدرائيّة بصرى ) و في بناء المسجد العمري و الّذي يعدّ من أقدم المساجد في الإسلام ( القرن الأوّل الهجريّ) إضافة إلى مدرسة جامع مبرك النّاقة و الّذي يعدّ بالطّبع من أكثر الأماكن تقديسا في الإسلام.
المعيار 2: تقدّم بصرى شهادة استثنائيّة للحضارات الّتي مرّت عليها و تتالت على أرضها ، تاركة أطلالا واسعة من المباني النبطيّة و الرّومانيّة انتهاء بالبيزنطينيّة و العربيّة .
المعيار 3: ترتبط بصرى بحادثة ذات دلالة رمزيّة هامّة جدّا في تاريخ الإسلام ، عندما زار الرّسول الكريم بصرى ، و تنبّأ له الرّاهب النّسطوري بحيرى بأنّه سيصبح نبيّا.
متطلبات الحماية والإدارة2009:
تعدّ مدينة بصرى القديمة من المدن الأثريّة المأهولة و الّتي عانت كثيرا في أواخر القرن التّاسع عشر، على الرّغم من ذلك و بسبب الكميّة الكبيرة المحفوظة و الحيّة من النّسيج الأًصلي و الّتي تعود إلى الفترة النّبطيّة انتهاءاً بالأمويّة، يكتسب الموقع أهميّة خاصّة و مرجعيّة علميّة عالية ، لذا يجب تحديد المنطقة الأثريّة و منع الاستيطان فيها و نقله خارج المدينة القديمة إلى القرية النّاشئة خارج منطقة الحماية الأثريّة. كما يجب حماية المنطقة الأًثريّة و انشاء منطقة عازلة محيطة بها يمكن إدارتها و منها إدارة كلّ من الموقع الأٌثريّ و المكان المحيط به. و الهدف المثالي الّذي يراد تحقيقه هو نقل جميع مباني القرية إلى خارج منطقة الحماية و تحويل مدينة بصرى إلى متحف في الهواء الطّلق .
تحت قانون الآثار رقم 222 بصيغته المعدّلة عام 1999، تحمى الممتلكات الأثريّة في بصرى، و حتّى الآن لا توجد هناك خطّة لإدارة الموقع، كما أنّ هناك الكثير من المشاكل العائدة إلى نقص الأموال و الموارد التّقنيّة، إضافة إلى المشاكل الاجتماعيّة و العمرانيّة الممثّلة في نقل القريةـ و لهذا أنشئت عام 2007 لجنة حماية لتوجيه مشروع الخطة الرّئيسيّة لموقع و مدينة بصرى.
بالمرّة القادمة أكيد رح نحكي عن تدمر ، بس برأيكون شو الشّي المشترك المهمّ بين تدمر و بصرى ؟
مصدر