بعد غموض قرنٍ ونصف.. قياس قوة دفعِ الضوء
الهندسة والآليات >>>> التكنولوجيا
بالفعل؛ إنّها إحدى المعضلات التي حيّرت العلماء قرابة 150 عامًا، وربما نكون قد وجدنا الحل لها اليوم.
توصّل فريقٌ من الباحثين إلى طريقةٍ لقياس تأثير الفوتونات على المادّة، وعلى الرغم من عدم امتلاك الفوتونات كتلةً؛ لكنَّها ذات عزومٍ محدّدة؛ وهذا مُعرّفٌ في إطار النسبيّة الخاصّة، وينتج عن تلك العزوم تطبيقُ قوّة على المادّة المُضاءة؛ فما مقدارُ تلك القوّة؟ وكيف نقيسها؟
يعود التفكير في هذا المنحى إلى عام 1619؛ حين افترض الرّياضيّ والفلكيّ جوهانز كيبلر "Johannes Kepler" أنّ القوّة التي يُطبّقها ضوء الشمس تتسبب في توجه ذيل المذنّب في الاتجاه البعيد عن الشمس دومًا[1].
وفي عام 1873؛ وعلى غرار كيبلر، افترض الفيزيائيّ الشهير جيمس ماكسويل "James Maxwell"؛ في مقالته العلميّة عن الكهرباء والمغنطة، وجود ذلك الارتباط، فقد رجّح ماكسويل -الذي يشكّل عمله حجر زاويةٍ في عمل آينشتاين عن النسبيّة- أنّ الضوء ليس إلَّا شكلًا من أشكال الإشعاع الإلكترومغناطيسيّ، ويرافقه عزمٌ؛ وبذلك يطبق قوّة ضغط[2].
لكنّ عزم الفوتون -ومن ثَمَّ ضغطه الإشعاعيّ- متناهٍ في الصّغر؛ ما يجعل قياسه مباشرةً أمرًا شديد الصعوبة، ويقول المهندس كينيث تشاو "Kenneth Chau"؛ من جامعة بريتش كولومبيا، "لم نعلم إلى الآن كيف يتحوّل ذلك العزم إلى قوّةٍ أو حركةٍ"، ويضيف: "لأنّ مقدار العزم الذي يحمله الضوء صغيرٌ جدًّا؛ لم نكن نملك تجهيزاتٍ حسّاسةٍ كفايةً لأداء المهمّة"
وعلى الرغم من عدم كفاية التكنولوجيا الحاليّة لقياس عزوم الفوتونات مباشرةً، لكنَّ تشاو وزملاءه -من سلوفينيا والبرازيل- وجدوا طريقةً لقياس تأثير عزم الفوتون؛ فقد جهزوا نظامًا حول مرآة يحيطها درعٌ حراريٌّ لحماية التّجربة من التأثر بالوسط الخارجيّ، وجهزوه بحسّاساتٍ صوتية عالية الدقة، ثم أطلقوا نبضاتٍ ليزرية على المرآة سبّبت بدورها نشوء أمواجٍ اهتزازيّةٍ تنتشر سطحيًّا، ويفتح تسجيل تلك الاهتزازات البابَ أمام إمكانيّة حساب الضغط الإشعاعيّ المُطبّق من عزم الفوتونات[3].
يقول تشاو: "لا نستطيع قياس عزم الفوتونات مباشرةً، لذلك توجهنا إلى ملاحظة تأثيرها على تلك المرآة بالاستماع* للأمواج الاهتزازيّة التي تسبّبها"، وأضاف أيضًا: "أصبح بمقدورنا أن نتتبّع خصائص تلك الاهتزازات لربطها مع العزوم المُرافقة في موجات الضوء نفسها؛ ممّا يفتح الباب أخيرًا لتعريف وجود العزوم وقولبتها في تلك المواد"
وليست هذه النتيجة علميةً فحسب، لكنّها ذات أهميةٍ عمليةٍ أيضًا، فعلى سبيل المثال؛ تُمهّد القدرةُ على حساب الضغط الإشعاعيّ الطريقَ أمام تطوير تكنولوجيا الأشرعة الشمسيّة؛ وهي نظام دفعٍ حرٍّ للمركبات الفضائيّة يستخدم الضغط الإشعاعيّ في الملاحة كبديلٍ عن الرياح.
وقد تُمكّننا أيضًا من تطوير تكنولوجيا الملاقط البصرية؛ وهي طريقةٌ للإمساك بجزيئاتٍ شديدة الصغر -من رتبة الذرة- والتّحكم بها.
يقول تشاو: "لم ينتهِ الموضوعُ بعدُ، لكنَّ هذا الاكتشاف يعدّ خطوةً مهمّة، وأنا متحمسٌ لأرى أين سيقودنا ذلك لاحقًا"
* ليس المقصود هنا الاستماع فعليًّا، وإنّما قياس تواتر الأمواج الاهتزازيّة.
المصدر:
هنا
الدراسات المرجعية:
1- Kepler، J. De cometis. Libelli tres. Mylius: Augustae Vindelicorum، 1619. هنا
2- Maxwell، I. C.، & Electricity، A. T. O. (1873). Magnetism. Jeans، Electricity and Magnetism،، 327. هنا
3- Požar، T.، Laloš، J.، Babnik، A.، Bethune-Waddell، M.، Chau، K. J.، Lukasievicz، G. V.، & Astrath، N. G. (2018). Isolated detection of elastic waves driven by the momentum of light. Nature Communications، 9(1)، 3340. هنا