دراسة تطبيقية على أغنية “رقّ الحبيب” 1944م
مقدمة
إن الموسيقار الخالد محمد القصبجي، كان ولا زال أحد عظماء الملحنين في الموسيقى
العربية الشرقية في مصر وفي العالم. لقد طرق القصبجي من خلال أعماله ابواباً
موسيقية لم يسبقه إليها سواه من الملحنين. نوّع تنويعاً كبيراً في المقامات
واستخدمها بطواعية منقطعة النظير. في أعماله تجد كمّاً كبيراً من المقامات التي قد
يبدو للوهلة الأولى أن تحقيق انسجامها ليس بالأمر السهل.
كان القصبجي بالفعل “مهندساً” موسيقياً مخضرماً، عميق الإحساس، جاءت ألحانه منسجمة
انسجاماً كاملاً مع الكلمات، حتى تخال أنه هو الشاعر والملحن والمغني في آنٍ واحد!
وهذا ماجعل ألحانه تدخل قلوب السامعين من مختصين أو غير مختصين بسهولة بالغة رغم
صعوبة الجمل اللحنية في عدد كبير من أعماله. ما أريد تقديمه في هذا المقال، هو
تحليل وتوضيح لما سبق ذكره من خلال أعماله الخالدة، ولقد اخترت كمثال تطبيقي أغنيته
“رق الحبيب” التي لحنها عام 1944م وغنتها السيدة أم كلثوم.
القصبجي والمقامات الشرقية:
مما لاشك فيه، أن محمد القصبجي كان غزير الاستخدام للمقامات المحتلفة في أغانية
والحانه، والملفت للاهتمام، هو أن انتقاله بين المقامات كان انتقالاً ناعماً
انسيابياً، لايشعر المستمع بأي اختلاف او تحوّل قد يؤدي إلى استغراب مستهجن. وذلك
يتضح من خلال مقارنة أعماله بأعمال الموسيقار الكبير رياض السنباطي الذي برع في
تلحين القصيدة. لم يكن السنباطي ميالاً كما القصبجي إلى التنويع والمزج بين
المقامات، بل اعتمد على اللعب على الجمل اللحنية للمقام الواحد ويمكننا لاحقاً أن
نقدّم تصوراً لذلك من خلال لحنه لقصيدة “الأطلال”. أما القصبجي فقد برع في تنويعه
للمقامات الأصيلة والمعدّلة، ليس هذا فحسب، بل برع في طريقة دخوله للمقام وخروجه
منه، كما أنه لوّن بعض الجمل بإدخاله مقاماً فيها أدخالاً خاطفاً إذا صح التعبير.
إن أعنية “رق الحبيب” التي كتبها الشاعر الراحل أحمد رامي، هي اغنية اشواق بسيطة
الكلمات. ألبسها القصبجي حلّة عظيمة، فكان استخدامه لمقام النهوند في مطلعها خير
تعبير عن الأشواق التي تعتمر قلب الشاعر في حديثه عن حبيبه.
بداية يمكنني أن ألخص في الجدول التالي جملة المقامات التي استخدمها القصبجي في
أغنيته “رق الحبيب”، ولاحقاً سنقوم بتقديم تفاصيل على هذه الاستخدامات. إن نظرة
سريعة على هذا الجدول توضح تماماً الغنى المقامي الكبير في هذه الأغنية.
اسم
المقام |
التحليل المبسّط للمقام |
تعديلات وملاحظات |
نهاوند الـ Do |
صعوداً : نهوند يرتكز على Do ونهوند يرتكز على Fa، ونزولاً حجاز على
Sol ونهوند على Do | |
راست
صافي |
صعوداً: راست Do ،
راست Sol،
ونزولاً: نهاوند Sol،
راست Do |
|
راست
معدّل |
|
مع
إدخال بعض التعديلات على الـ La،
فيجعلها نص بيمول او بيمول في عدة مواضع. |
سوزناك |
في
الصعود، راست Do،
حجاز على Sol
وسلم
نزوله هو نفس سلم الماهور في النزول: بوساليك Sol،
راست Do |
|
نكريز |
صعوداً: نوى أثر على Do،
بوساليك على Sol ،
ونزولاً راست على Sol
، نوى أثر على Do |
|
حجاز
كار كرد |
يسمى
في بعض المراجع بمقام كرديللي، وهو صعوداً: كرد Do
، بوساليك Fa،
ونزولاً بوساليك Fa،
كرد Do |
هو
في الواقع كرد الـ Do |
بياتي |
بياتي Re ،بياتي La
، ونزولاً: كرد La
وبياتي Re |
|
عجم |
وهو
بالطبع معروف أنه مقام طبيعي يأخذ السلم الطبيعي دون أي رفع أو خفض. |
|
ماهور |
صعوداً: جهاركاه Do،
جهاركاه Sol،
ونزولاً بوساليك Sol،
راست Do |
|
وفيما يلي أستعرض السلالم الموسيقية للمقامات
السابقة
المقام |
السلم الموسيقي |
نهاوند |
|
راست |
|
بياتي |
|
ماهور |
|
سوزناك |
|
نكريز |
|
حجاز كار كرد
( أو مقام كرديللي) |
|
التوزيع المقامي لكلمات الأغنية:
تبدأ الأعنية بمقدمة موسيقية طبعاً بمقام نهوند الـDo، وقد اقتبس فيها القصبجي
استخدام عبد الوهاب للسلم الخروماتيكي.
مذهب الأغنية:
يتوزع على مقامين هما: نهوند الـDo والراست، وقد خلق هذا التداخل بين المقامين
انطباعاً رائعاً، فكان أن لحّن القصبجي الجملتين الأولتين من المذهب على مقام
النهوند، أي: “رق الحبيب وواعدني وكان لو مدة غايب عني، حرمت عيني النوم لأجل
النهار ميطمنّي” ويتحول القصبجي إلى الراست للمرة الأولى على جملة “ صعب علي أنام
أحسن أشوف في المنام”، ويعود ليعبر عن الأماني والأحلام بمقام النهوند “غير اللي
يتمناه قلبي”. ثم تأتي الجملة التي هزت مشاعر الناس، من خلال تحول المقام إلى
الراست، ويصعد القصبجي على سلم الراست صعوداً وكأنه يقفز قفزاً سريعاً عليه “سهرت
أستناه، واسمع كلامي معاه” و “واشوف خياله قاعد جمبي”. لازمة موسيقية طبعاً على
مقام نهاوند الـDo.
المقطع الأول
من كتر شوقي سبقت عمري، وشفت بكرا والوقت بدري |
نهاوند |
وإيه يفيد الزمن، مع اللي عاش في الخيال |
راست معدّل |
واللي في قلبه شجن، أنعم عليه بالوصال |
عند كلمة الوصال يعتمد على نمط الموال الحر، ويختم في المرتين ختماً
مختلفاً: في المرة الأولى على الـFa وفي المرة الثانية على الـ Sol التي
يتابع المقطع الموسيقي عليها |
معزوفة العود:
يبدع هنا القصبجي بأنامله في العزف على سلم خلق جدلاً في تحليله، فالبعض اعتبره
مقام ماهور، والبعض اعتبره من مقام العجم المطعم بالراست في نهايته.
المقطع الثاني
طلع علي النهار سهران في نور الأمل، وغنت الأطيار
لحن الهوا والغزل |
على مقام السوزناك |
وافضلت افكر في ميعادي واحسب لقربه ألف حساب |
على مقام النكريز |
وكان كلامي مع صحابي عن المحبة والأحباب |
أيضاً على مقام النكريز |
من فرحتي بدي أتكلم وقول حبيبي بيواعدني |
يعود هنا لينثر مشاعر التعزية والفرح من خلال مقام
الراست |
لكن أخاف لايكون بينهم مظلوم بحبو يحسدني |
راست |
لازمة موسيقية على مقام الراست.
المقطع الثالث
هجرت كل خليل ليا وفضلت عايش مع روحي |
على مقام السوزناك |
هجرت كل خـــــــــــليل ليا وفضلت عايش مع روحي
لحسن يبان شيئ في عينا من كتر خوفي على روحي |
أيضاً مع اللازمة الموسيقية السابقة لها كلهم على مقام السوزناك |
يدخل بعدها بلازمة موسيقية على مقام حجاز كار كرد (الموضحة نوتته في جدول
المقامات أعلاه)
المقطع الرابع
ولما قرب معاد حبيـــــبي ورحت أقابلـــــه
هنيت فؤادي على نصيبي من قرب وصله |
حجاز كار كرد |
ولما قرب معاد حبيبي |
حجاز كار كرد |
لازمة موسيقية قصيرة |
حجاز الـ Sol |
ورحت أقابله |
كرد الـDo |
هنيت فؤادي على نصيبي |
مرتين: في المرة الأولى كرد الـ Do، وفي الثانية
على مقام البياتي |
من قرب وصله |
كرد الـDo |
ولقيتني طايل من الدنيا كل اللي اهواه
بس اللي كان فاضل ليا أسعد بلقــــــاه |
مرتين، في المرة الأولى على كرد الـDo وفي الثانية
على البياتي |
لازمة موسيقية على مقام العجم.
المقطع الأخير
لما خطر ده على فكري حير أمري-والقرب سبب تعذيبي |
في المرة الأولى على مقام العجم، وفي الثانية يعتمد
على التحول إلى مقام النكريز. |
ولاقيتني خايف على عمري لايروح مني-من غير ما اشوف
حسن حبيبي |
يعود هنا إلى مقام الأغنية الأساسي وهو نهوند الـDo،
إلا انه في المرة الثانية يختم على البياتي |
خلاصة:
إن أعمال القصبجي كانت ولا زالت حتى وقتنا الحالي موطناً للعديد من الحوارات
والتحليلات الموسيقية لأعمال هذا المبدع، ماقدمته في هذا المقال هو نظرة سريعة
وتحليلية لأغنيته “رق الحبيب” آملاً في أن يساعد هذا المقال المهتمين والموسيقيين
بعامة على تذوق هذه الأغنية والإحساس بعظمة المحلن القصبجي رحمه الله... ولا يسعنا
أن ننسى أن نذكر أن أغنيته الشهيرة “ياطيور” التي غنتها أسمهان في مطلع الأربعينيات
تعتبر أيضاً ثورة موسيقية في حد ذاتها وتستحق دراسة تفصيلية توفيها حقها.
للاستمتاع بالاغنية:
مراجع للاستزادة:
1. Sami Abu Shumays www.maqamlessons.com/analysis/primer.html
Fall, 2013 Music Theory Spectrum, Volume 35, No. 2 – Fall 2013 Large
Print Version for Web
2. M. Andreatta (2004), Methodes algebriques en musique et musicologie
du XXe siecle : aspects th´eoriques, analytiques et compositionnels ,
These, EHESS.
3. Une systematique contemporaine en theories des musiques orientales :
les genres système (article pour le CongrŁs International dedie Safi-ed-Din
Ormavi devant se tenir Tehran, janvier 2005) AUTEUR : AMINE BEYHO
|