الآلة تجد طريقها إلى العيادة النفسية..
المعلوماتية >>>> الذكاء الصنعي
وتُعدُّ هذه النماذج دقيقةً للغاية لكنَّها تعتمد على نوع معيّن من الأسئلة يضع حدودًا عن كيفيةِ استخدامها والمجالات التي يمكن توظيفها بها.
نُشرت مؤخّرًا ورقةٌِ بحثية يعرض فيها باحثون من معهدِ ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT نموذجًا لشبكة عصبونية صنعية يمكن تزويدها بمعلومات نصّية أو صوتية من معاينات طبية؛ لاكتشافِ أنماط معينة من حديثِ الشخص أو المريض تدلّ على الاكتئاب، فهي قادرة على التنبُّؤ فيما إذا كان الفرد مُكتئبًا أو لا، وبدقّة كبيرة دون ارتباطها بنوع معيّن من الأسئلة والأجوبة.
وتقول Tuka Al Hanai الباحثة في مجالِ علوم الحاسب ومخبر الذكاء الصنعي CSAIL:
إذا أردنا استخدامَ نموذج تحديد الاكتئاب depression-detection على نطاق أوسع؛ يجب علينا تقليل عدد القيود المستخدمة على البيانات؛ إذ يجب على الأنموذج أن يراقب محادثاتِ الشخص اليومية (العادية) ومن ثمّ تحديد حالته النفسية، ويضيف James Glass -وهو باحث وكاتب مشارك في هذا البحث أيضًا- أنّه في كلِّ لقاء يتحدّث المريض بطريقة مختلفة؛ أي إن ملاحظة الأنموذج لأيِّ اختلاف ستكون علامةً تساعد الطبيبَ على التشخيص.
يكمن مفتاح هذه الشبكة في قدرتِها على تحديدِ أعراض الاكتئاب عند بعض الأفراد، ومن ثمَّ ربطها مع أفراد آخرين؛ ندعو هذا "النمذجة خارج السياق"؛ وذلك لعدمِ وجود قيود على البيانات التي يتعامل معها الأنموذج، ففي نماذج أخرى مزوَّدة بنوع خاص من الأسئلة تستطيع تحديد ما إذا كان الشخص مصابًا بالاكتئاب أو لا؛ مثل الاستفسار المباشر: "هل عانيتَ من الاكتئاب مسبقًا؟"، ويستعمل هذا النموذج الإجابات عن هكذا أسئلة لتحديدِ ما إذا كان الفرد مكتئبًا أو لا، لكن هذا النوع من الأسئلة لا يمثِّل لغةَ الحوار الطبيعية لدى الأفراد.
ومن ناحية أخرى؛ استعمل الباحثون تقنيةً تدعى النمذجة المتسلسلة؛ والتي تُستعمل غالبًا لمعالجةِ الكلام ومساعدة الأنموذج على فهمِ سلاسل النصوص والأصوات المُستخرَجة من أسئلةِ وأجوبةِ أشخاص مكتئبين وغير مكتئبين، وبما أنَّ هذه السلاسل متراكمة؛ يعمد الأنموذج إلى استخراجِ أنماط الكلام التي تدلُّ على التعاسة والحزن، وقد تكون مقترنةً مع إشارات صوتية تعطيها نسقًا معيّنًا، والأفراد مع وجودِ الاكتئاب قد يتكلّمون على نحو أبطأ ويتوقّفون كثيرًا بين الكلمات؛ هذه النصوص والأصوات مؤشِّرات على الاضطراب الذهني. وتساعد هذه التقنية المتسلسلة الأنموذجَ كي ينظر إلى المحادثة بأكملِها، وتلاحظ أيضًا الفرقَ بين كيف يتحدَّث المكتئبون وغير المكتئبين بين الفينة والأخرى.
كيف يُنفَّذ ذلك؟
عمد الباحثون إلى تدريبِ أنموذجهم واختباره على مجموعة من البيانات مؤلَّفة من 142 عيّنة من مجموعةِ تحاليل تحوي مقابلات صوتية ونصية وفيديو للمرضى الذين يعانون من عوزِ في الصحّة الذهنية، يكون تقييم الأشخاص من حيث الاكتئاب على مقياس من 0 إلى 27 باستخدامِ استبانة الصحّة الشخصية Personal Health Questionnaire، وتُعدُّ النتائج بين 10-14 متوسّطة، وبين 15-19 شديدةً معتدلة، وكلُّ ما هو أعلى من ذلك يُعدُّ شديدًا، بينما يُعدُّ كلُّ من هو أقلُّ من هذا المستوى غيرَ مكتئب، وصُنِّف جميعُ الأشخاص في العينة ٢٨ (٢٠٪) على أنَّهم مكتئبون.
طُوِّر الأنموذج في التجارب باستعمالِ مقياسَي الدقّة precision والاستذكار recall؛ إذ يحدِّد مقياس الدقّة الأشخاص المكتئبين والذين شُخِّصوا على أنَّهم مكتئبون في العيادة النفسية، أمَّا الاستذكار فيقيس دقّةَ الأنموذج في تحديدِ الأشخاص المكتئبين في مجموعات البيانات كلّها.
في الدقّة؛ سجَّل الأنموذج 71%، وفي الاستذكار؛ سجَّل 83%، وبلغ متوسِّط مجموع النقاط مجتمعةً لتلك المقاييس 77% مع أخذ الأخطاء بعين النظر. وفي غالبيةِ الاختبارات؛ تفوَّق أنموذجُ فريق الباحثين على النماذج الأخرى كلّها.
وهناك ملاحظة واحدة رئيسية من الباحثة Tuka Al Hani؛ وهي أنَّه في أثناءِ التجارب احتاج الأنموذج إلى المزيد من البيانات للتنبُّؤ بالاكتئاب من الصوت مقارنةً مع النص؛ ذلك أنَّه باستخدامِ النص يستطيع الأنموذج اكتشاف الاكتئاب اعتمادًا على متوسِّط 7 سلاسل من الأسئلة والأجوبة، بينما يحتاج الأنموذج مع الصوت إلى قرابة 30 سلسلة؛ ما يعني أنَّ الأنماط التي يستخدمها الناس في الكلمات -والتي تُنبِّئ بالاكتئاب- تحدث في فترةٍ زمنية أقصر في النص مقارنةً مع الصوت، ومثل هذه الأفكار يمكن أن تساعد الباحثين في MIT وغيرهم على تحسينِ نماذجهم وتطويرها كي تصبح قادرةً على التعامل مع البيانات الخام (غير المعالَجة).
ويهدف الباحثون أيضًا إلى اختبارِ هذه الطرائق على بيانات إضافية من العديد من الموضوعات الأخرى مع الحالات المعرفية الأخرى مثل الخرف dementia، ويأملون أن تساعد هذه الطريقة على تطويرِ أدوات للكشف عن وجودِ أعراض الاكتئاب والأمراض الذهنية في مختلفِ المحادثات اليومية التي يجريها الأشخاص؛ مثل تسخير نماذج من هذا النوع في المستقبل في تطبيقاتِ الهاتف الخلوي لمراقبةِ النصوص والتسجيلات للفرد، ومن ثمَّ تحديد ما إذا كان هناك أعراض مرتبطة بأمراض ذهنية والتنبيه إليها، هذه الطريقة ستكون مفيدةً جدًّا من أجلِ الذين لا يستطيعون الذهاب إلى العيادات المختصّة بسببِ التكلفة أو قلّة الوعي في هذه الأمور.
المصادر:
هنا