جين اللغة
التعليم واللغات >>>> اللغويات
لدى جين اللغة شريكٌ
قلَّةٌ من الجينات احتلت العناوين الرئيسة كما احتلها الجين FOXP2، فهو أول جين ارتبط باضطرابات النطق وأصبح لاحقًا جزءًا من عملية تطور لغة البشر. وتُنتِج أجسامُ الفتيات كمية أكبر من البروتين FOXP2، ما قد يفسِّر تعلم النطق المبكر لديهن، واكتشف علماء اللغة العصبية حاليًا كيف يساعد أحدُ الجزيئين المكونين لهذا البروتين على ظهور تأثيراته.
يقول (ريتشارد هوغانير)، اختصاصي البيولوجيا العصبية في كلية الطب في جامعة (جونز هوبكينز)، إن هذا الاكتشاف يمكن أن يساهم في إيجاد علاجات جديدة لاضطرابات النطق الموروثة. وقد لاحظ أن البروتين FOXP2 يتحكم بنشاط جين يدعى SRPX2، ويساعد هذا الجينُ بعضَ الخلايا العصبية في الدماغ على تقوية ارتباطاتها مع خلايا عصبية أخرى. وبتحديد ماهية عمل SRPX2 يمكن للباحثين أن يبحثوا عن نسخ معيوبة من هذا الجين لدى من يعانون مشكلاتٍ في النطق أو في تعلمه.
لم يكن العلماء واثقين من تأثير الجينات في اللغة حتى حلول عام 2001، ولكن لاحقًا تمكن (سيمون فيشر) مع زملائه في معهد (ماكس بلانك) لعلم اللغة النفسي في مدينة (نيميغن) في هولندا من تحديد جين FOXP2 المسؤول عن اضطراباتٍ في النطق وصياغة الجمل وفهم الكلام في عائلة يعاني عددٌ من أفرادها هذه المشكلات؛ إذ لا يستطيع هؤلاء تحريك ألسنتهم وشفاههم بما يكفي لنطق الكلام بوضوح، فحتى أفرادُ العائلة الآخرون كانوا غالبًا لا يفهمون مقصدهم. ويقول (فيشر) إن هذا الاكتشاف يفتح مجالًا لدراسة أساسِ النطق واللغة العصبيِّ على المستوى الجزيئي.
وبعد مرور عدة سنوات وجد باحثون آخرون أن الجين FOXP2 الموجود لدى البشر مختلف عنه في قردة الشمبانزي بأساسين فقط (الأُسس هي الوحدات التي تشكِّل الحمض النووي DNA)، وقد يكون لهذا الفرق الصغير أثرٌ في أداء الجين FOXP2، وهو الأمر الذي أدى إلى تحويل الأصوات التي تصدرها الحيوانات في النهاية إلى المقدرة الكلامية لدى البشر، ففي عام 2009 وضع فريقٌ من الباحثين النسخةَ المعدلة من الجين البشري في الفئران، ولاحظوا أن الفئران أصدرت أصواتًا أكثر تكرارًا وتعقيدًا، ما يشير إلى أن هذه الطفرات ربمًا أدت دورًا في تعقيد الأصوات، ولكن كيفية عمل هذا الجين ما زالت لغزًا كبيرًا.
لم يبدأ (هوغانير) بمحاولة البحث عن حل لهذا اللغز، فقد كان يجرب 400 بروتينًا ليرى فيما إذا كانوا يحفِّزون تطورَ روابط متخصصة بين الخلايا العصبية، تسمى المشابك العصبية، أم يعيقون هذه التطور، وتسمح هذه الروابط للعصبونات أن تتواصل بعضها مع بعض. يقول (هوغانير) إن الخلية العصبية الواحدة تحتوي على ما يقارب 10000 مشبك عصبي يربطها مع عصبونات أخرى. ومن بين البروتينات العشرة التي حددها، كان البروتين SRPX2 هو الذي أثر تأثيرًا كبيرًا في تشكُّل المشبك، وهو البروتين نفسه الذي ربطه باحثون آخرون بمرض الصرع ومشكلات اللغة.
أجرى (هوغانير) وزملاؤه بحثًا على نشاط SRPX2 في خلايا عصبية معزولة واستنتجوا أنه أثَّر في تشكيل روابط يمكن تسميتها "روابط استثارية" تنقل المعلومات إلى العصبون المُستقبِل، وحسب الباحثين فإن SRPX2 يعزِّز أيضًا من عدد الروابط الاستثارية في الجزء من دماغ الفئران الذي يُعادِل مركز اللغة عند الانسان. ولأن FOXP2 ينظم فعالية عدة جينات من ضمنها SRPX2 اهتم (هوغانير) وزملاؤه بإلقاء نظرة عن كثب على كيفية تأثير FOXP2 في هذا الجين، فعند وجود FOXP2 يَصنع SRPX2 مشابكَ عصبيةً استثاريةً أقل، وأشار (هوغانير) إلى أن التوازن الصحيح بين المشابك العصبية الاستثارية والروابط الأخرى مهمٌّ للنطق الأكثر تعقيدًا.
وقد أجرى الباحثون تجربة أخيرة ليثبتوا أن تغيير نشاط الجين SRPX2 يؤثر في الأصوات الصادرة عن صغار الفئران؛ إذ فصلوا صغار الفئران عن أمهاتهم، ما جعلهم يصدرون أصواتًا حادة من الصعب على الإنسان أن يسمعها، وعندما ثبَّط الباحثون نشاط SRPX2 أصدرت صغار الفئران أصواتًا أقل حدَّة، ولكنها عاودت إصدار الأصوات التي تصدرها عادة عند إعادة نشاط هذا الجين. أظهرت هذه التجربة أن FOXP2 يؤثر في تشكُّل مشبك عصبي بواسطة البروتين SRPX2، ويقول (سفانتيه بابو)، الاختصاصي في علم الوراثة الخاص بالأسلاف في معهد (ماكس بلانك) للأنثربولوجيا التطورية في مدينة (لايبزغ) في ألمانيا، الذي درس FOXP2 في الحيوانات الرئيسة وفي الفئران، إن الجين الأول من FOXP2 هو الذي يملك وظيفةً واضحةً في العمل العصبي.
يؤكد (هوغانير) إن فريقه لا يعلم فيما إذا كان البروتين FOXP2 يؤثر في الخلايا العصبية المؤثرة في عملية تعلم اللغة، أم في الخلايا العصبية المتحكمة بالعضلات التي تساعد على النطق، ومع ذلك فإن الرابط لشبك الخلايا العصبية بواسطة SRPX2 هو دليل مهم على تأثير الجين FOXP2 في تطور اللغة.
المصدر:
هنا
هنا