إن القراءة وسماع الموسيقا في آن معًا يؤثران في كيفية سماعك للموسيقا. هذا ما توصل إليه علماء اللغة وعلماء الأعصاب في جامعة (رادبود) ومؤسسة (ماكس بلانك) للغويات النفسية في مقال نشروه في مجلة Royal Society Open Science.

يقول (ريتشارد كونرت): "يتقاطع الطريق العصبي لكل من اللغة والموسيقا في منطقة من الدماغ. ظهرت هذه النتائج في أبحاث سابقة، ولكن الدراسات الحالية تركز على تأثير القراءة وسماع الموسيقا في الوقت نفسه في المعالجة اللغوية، فما زال تأثير تعدد المهام هذا في المعالجة العصبية الموسيقية مطروحًا نظريًّا فقط حتى الآن".

وبناء على ذلك، طلب (كونرت) من الأشخاص المشاركين في التجربة أن يقرؤوا عددًا من الجمل البسيطة والمعقدة وهم يستمعون لمقطوعة قصيرة من الموسيقا ألّفها بنفسه، ومن ثمّ طلب منهم أن يُبدوا رأيهم في اكتمال سلسلة من النغمات المتآلفة chords؛ بمعنى هل توقفت قبل انتهائها أم إنّهم سمعوها من البداية إلى النهاية؟

مثال على هذه التجربة التي تنطوي على معرفة ما مدى اكتمال هذه النغمات المتآلفة. أولًا: استمع للمقطع 1 وثمّ 2، ستشعر أن سلسلة النغمات لم تنته بعد، وينتابك الشعور بالغرابة أيضًا، في حين ينتهي المقطع الثاني نهايةً أفضل، أمَّا المقطع الثالث فهو مثير للاهتمام، فعندما تستمع له عند قراءة جملة بسيطة ستشعر أنه أكثر اكتمالًا من سماعك له وأنت تقرأ جملة معقدة.

الجملة البسيطة:
The | surgeon | consoled | the | man | and | the | woman | because | the | surgery | had | not | been | successful.

"واسى الجراحُ الرجلَ والمرأة لأن العملية الجراحية لم تنجح"

الجملة المعقدة:
The | surgeon | consoled | the | man | and | the | woman | put | her | hand | on | his | forehead.

"واسى الجراحُ الرجل، ووضعت المرأة يدها على جبينه"
 
وقد أظهرت النتائج أن الأشخاص الذين خضعوا للتجربة شعروا أن سلسلة النغمات المتآلفة غير مكتملة عند قراءة الجملة ذات القواعد المعقدة؛ أي إن المنطقة في الدماغ التي يتقاطع فيها طريقا الموسيقا واللغة لها علاقة بالقواعد. وقد وجد باحثون سابقًا أننا لا نتملك الانتباه الكافي عندما نؤدِّي مهمَّتين في الوقت نفسه (مثل سماع الموسيقا والقراءة). فسَّر (كونرت) ذلك قائلًا: "بخصوص الموسيقا واللغة، لا يتعلق الأمر بالانتباه العام وإنَّما بالنشاط في منطقة الدماغ التي تتشاركها اللغة والموسيقا".

على ما يبدو أن اللغة والموسيقا متشابهتان إلى حدٍ أكبر مما نعتقد؛ إذ تشتق الكلمة معناها من سياق النص والأمر نفسه ينطبق على النغمة في المقطوعة الموسيقية، تتشارك اللغة والموسيقا المنطقة نفسها في الدماغ لخلق ترتيب العمليتين كلتيهما: ترتيب الكلمات في الجملة والنغمات في المقطوعة الموسيقية. عند القراءة والاستماع للموسيقا في آن معًا، يشكِّل ذلك ضغطًا على مقدرة تلك المنطقة في الدماغ المعروفة بمنطقة broca الواقعة أسفل الصدغ اليساري.

وتوصَّل الباحثون سابقًا إلى أن الأطفال الذين تدربوا على آلة موسيقية يُعدُّون أفضل في المهارات اللغوية ممن لم يتدربوا على أية آلة، وقد أظهرت نتائج تجارب (كونرت) وزملائه أن البحوث السابقة لا وزن لها، فممارسة العزف تعزِّز من المقدرات اللغوية ومن الممكن أن يعزِّز تعلُّمُ اللغة من معالجة الموسيقا عصبيًا بالطريقة نفسها، وتبقى ممارسة الموسيقا واللغة في الوقت ذاته أمرًا صعبًا على الجميع سواء أكنت عازف غيتار محترف أم لا تمتلك أية موهبة موسيقية على الإطلاق.

المصدر: 
هنا
هنا
هنا