فقدان الذاكرة... بعيداً عن عدسات هوليوود
علم النفس >>>> المنوعات وعلم النفس الحديث
العديد من الناس تنسى تفاصيل حياتها الماضية في أوضاع معينة: من أنا؟ أين أنا؟ من أكثر الأسئلة شيوعاً التي تتوارد لأذهان معظم الناس في اللحظة الأولى بعد الاستيقاظ من الغيبوبة.
معظم مشاهد فقدان الذاكرة لديها قواسم مشتركة في ذكريات الماضي على سبيل المثال:
- أولا : إيجاد صعوبة في تعلم أشياء جديدة
- ثانيا: إذا كان فاقدا للوعي لفترة طويلة لعدة (أسابيع أو أشهر) فإن هؤلاء قد يفقدون ذاكرتهم الماضية التي عاشوها طوال حياتهم، وتصبح "عقولهم كلوحة بيضاء نظيفة" ينسون سنوات حياتهم الماضية كلها... بمن تزوجو! كم عاشو... كيف حصلو على لقمة عيشهم... أو حتى من هم!
ويظهر ذلك في كثير من الأمثلة من العالم السينمائي، كعروس تزوجت مؤخراً لتنسى بعد حادث سيارة كل شيء عن نفسها، وأن يقع سانتا كلوز عن زلاجته ويفقد هويته وينسى كل ذكرياته السابقة، وغير ذلك الكثير الكثير. إلا أن الواقع يختلف بعض الشيء في هذا الموضوع عن تلك الأمور الشائعة في أفلام "هوليود"، إلا أن هذا التصوير السينمائي لفقدان الذاكرة هو انعكاس لوجهات نظر الكثير من الأمريكين: على سبيل المثال في إحدى الدراسات وجدت أن 51% من الأمريكيين يعتقدون أن الذين يعانون من إصابات في الرأس لديهم صعوبة في تذكر أحداث حياتهم قبل الإصابة، 48% من الأمريكيين يعتقدون أن تذكر أشياء من الماضي عقب إصابة الرأس أصعب من تعلم أشياء جديدة. وتلك نسبة كبيرة من الأمريكيين يعتقدون بأن إصابة الرأس تنسي الناس بصورة روتينية من هم، وحتى أنّهم قد لا يستطيعون التعرف على أشخاص يعرفونهم من قبل.
إلا أن المشكلة الحقيقية لدى الناس الذي يعانون من إصابات في الرأس أو سكتات دماغية تختلف عن هذه النظرة الشعبية السائدة، فالمشكلة ليست فقدان ذاكرة رجعي (للذكريات السابقة)، إنما فقدان ذاكرة تقدمي (للمستقبل)، فهؤلاء الناس عادة تظهر لديهم مشكلة في تشكيل ذكريات جديدة على الرغم من فقدان البعض منهم لذكريات الماضي أيضاً.
من الحالات المعروفة في فقدان الذاكرة التقدمي في الأدب النفسي: هو H.M وهو رجل وحيد خضع لعملية جراحية في الدماغ لإيقاف حالة صرع شديدة حيث استئصل الحصين "الذي يعد كهيكل رئيسي في الدماغ في تشكيل الذاكرة طويلة الأمد". H.M أصبح عاجزا عن تكوين ذكريات جديدة أو ما يسميه علماء النفس بـ "الذكريات العرضية" حيث أنه يقرأ الصحف مراراً وتكراراً مُعتقداً بأنّه لم يقرأها من قبل، يعاني من كآبة شديدة في كل مرّة يخبره أطبّاؤه بوفاة عمّه، بالرّغم من أنّ H.M عانى من فقدان الذّاكرة الرّجعي إلى جانب فقدان الذّاكرة التّقدمي.
في وسائل الإعلام أيضاً لا يزال هناك طريقة أخرى للحصول على مفهوم خاطئ آخر لفقدان الذاكرة والذي يدعى بـ "فقدان الذاكرة المعمّم" حيث ينسون تفاصيل حياتهم الماضية أو حتّى هويتهم. في الحالات الغير عادية يحدث فقدان الذاكرة المعمم الّذي قد يترافق مع أسباب نفسيّة كالتوتّر بدلاً من الأسباب العصبيّة الأخرى وإصابات الرّأس ومع ذلك يشك علماء النّفس أن فقدان الذّاكرة المعمّم يعود لأسباب نفسيّة. ربما يكونون على حق لأنه في تلك الحالات من الصعب أن نستبعد احتمال فقدان الذاكرة الواضح ويرجع ذلك إلى التمارض لتحقيق هدف خارجي، كالإعفاء من خدمة العلم أو للحصول على مكاسب ماديّة.
هناك اثنان من المفاهيم الخاطئة الأخرى المستوحاة من فقدان الذاكرة وفقاً لإصدارات هوليوود، وهي أوّلاً: العديد من الناس يعتقدون أنّه بعد الاستيقاظ من غيبوبة طويلة قد يواجهون فقدان ذاكرة كامل لماضيهم ولكن يمكن لهؤلاء الأشخاص الاستجابة للأسئلة والتحدّث بجمل كاملة حتى ولو كان باعتقادهم أنهم مايزالون في عام 1989عندما فقدو وعيهم بدلا 2009. ففي أحد الاستطلاعات التي أجريت وُجِدَ أن 93% من المستطلعين يقولون أنّ: من يعانون من فقدان الذاكرة الشديد يكونون طبيعين في مجالات الحياة الأخرى، ولكن للأسف فقد كشفت البحوث أن ّ الّذين يستيقظون من الغيبوبة مع فقدان ذاكرة شديد يعانون من عجز معرفي دائم قد يسبّب لهم مشاكل في التعلم والإدراك.
أما المفهوم الثّاني الذي يعتبر أكثر غرابة فهو الاعتقاد أن بعد إصابة الرأس وفقدان الذاكرة بأنّ إصابة الرأس مرة ثانية كفيلة باستعادة الذاكرة.
ففي المرة القادمة عندما تتابعون فلماً ما يجري في أحداثه فقدان للذاكرة من هذه الأنواع، تذكروا النقطة الهامة، أن النوع الوحيد الصحيح من فقدان الذاكرة في هذا الفلم هو فقدان هوليوود لذاكرتها العلمية.
المصدر
هنا
مصدر الصورة
هنا