علاقة أخرى بين الجنون والإبداع... انخفاض التثبيط الكامن
علم النفس >>>> المنوعات وعلم النفس الحديث
لشرح "انخفاض التثبيط الكامن"، لابد أن نعرف ما هو "التثبيط الكامن" بداية. التثبيط الكامن هو مصطلح ذو صلة مباشرة بطريقة ملاحظة الدماغ للمؤثرات الحسية المألوفة، إذ تاخذ الأخيرة وقتا أطول من المعتاد حتى يعتبرها الدماغ كإشارات أو سيالات عصبية، مقارنة مع المؤثرات الجديدة.
فعلى سبيل المثال عندما تذهب لتفتح باباً ما في منزلك، ستمسك بمقبض الباب، وبما أنك معتاد على مقابض الأبواب وطريقة عملها مسبقاً، فإنك لن تفكر في ذلك، بل ستقوم به لا إرادياً، دون النظر إلى التفاصيل الدقيقة المتعلقة بهذه القبضة بالذات، فالدماغ يثبط مثل تلك السيالات العصبية تلقائيا تجنباً للحمل الزائد الناتج عن معالجة مثل تلكم المعلومات.
وبشكل عام فإن الدماغ بالحالة العامة لا يتطرق للتفاصيل الدقيقة إلا عندما يتعرف على الشيء للمرة الأولى، ففي مثالنا السابق، فإن الدماغ سيتطرق للتفاصيل فقط في حالة مقبض باب من نوع جديد، مثلاً عندما يصعد شخص ما للقطار أو الطائرة للمرة الأولى، سيتعرف على نوع جديد ربما من مقابض الأبواب، وعندئذ فقط فإن الدماغ سيعالج التفاصيل الجديدة المتعلقة بالنوع الجديد من المقابض الذي لم يألفه سابقاً.
انخفاض التثبيط الكامن :
في حالة انخفاض التثبيط الكامن، سيقوم الدماغ بالتعامل مع جميع المؤثرات الحسية الجديدة بنفس الطريقة، بغض النظر إن كانت مألوفة من قبل أم لا، وسيطرح الدماغ سلسلة من الأسئلة من جديد في كل مرة تتعامل معه مع مقبض الباب مثلاً، أسئلة من قبيل ما هذا ومما يتكوّن؟ وما وظيفة كل جزء؟ وكيف يعمل؟ هذه الأسئلة سيطرحها الدماغ في حالة انخفاض التثبيط الكامن في كل مرة يتعامل فيها مع هذا الشيء بغض النظر إن كان مألوفاً أم لا، الدماغ سيطرحها حتى ولو كان يعرف الإجابات، وسيبحث من جديد عن الإجابة، وهذا يؤدي إلى فهم تراكمي متزايد للشيء، ففي كل مرة يجيب الدماغ عن تلك الأسئلة، ستتحسن الإجابة بشكل تدريجي، وستتعمق بالتالي القدرة على الربط بين مختلف التفاصيل الدقيقة بشكل مستمر.
لنأخذ مثالاً لشخص لديه انخفاض التثبيط الكامن وليكن اسمه سمير برفقة شخص آخر ليس لديه انخفاض في التثبيط الكامن ليكن اسمه أحمد، يخرجان لملاقاه صديق لهما وليكن اسمه صالح، عندما يقابلان صالح، يلاحظ أحمد انه قد ارتدى نظاراته الشمسية المعتادة مثلاً، لكن سمير يدرك خلافاً لأحمد أن صالح يرتدي نظارات جديدة متطابقة في الشكل مع نظاراته السابقة، لكن من ماركة مختلفة، إذ أن سمير قرأ شعار الشركة على النظارات الشمسية من جديد، ولاحظ أن صالح قد ابتاع نظارات شمسية من جديد، وأن النظارات لها نفس شكل نظاراته السابقة لكن من ماركة مختلفة، وهنا يبدأ دماغ سمير في طرح الأسئلة، متى آخر مرة رأينا فيها صالح؟ منذ يومين، إذاً صالح تسوق خلال اليومين الأخيرين، إذاً صالح ربما قد اكتسب بعض المال، واعتمادا على معرفة سمير بمكان سكن صالح والمحلات التجارية القريبة منه، سيستنتج ربما المكان الذي ابتاع صالح منه نظاراته الجديدة، ولم َ قام صالح بالتخلي عن نظاراته القديمة؟ أكسرت مثلاً؟ أم أنها لم تكن بالجودة التي كان يتمناها؟
إن عملية مماثلة يجريها الدماغ الحامل لـ LLI مع جميع المؤثرات الحسية التي يتلقاها، ومن الثابت أنه لا علاقة بين مستوى الذكاء IQ وبين LLI ، ولكن إن صدف أن للشخص الحامل لـ LLI معدل ذكاء عالي، فإن ذلك سيُحسن طريقة تعامل الدماغ مع المشاكل التي تعترضه، وكذلك الأمر كفاءة تحليل المعلومات التي يجريها، وينعكس ذلك في تحسن ملحوظ للقدرات الإبداعية للشخص، فمثلاً سيكون لأولئك الأشخاص فرص بقاء أكبر من غيرهم لو تركوا في جزيرة نائية من دون أي أدوات أو وسائل اتصال، إذ أن دماغهم سيستفيد من كل الأشياء المحيطة بهم ويربط بينها، بهدف إيجاد سبل للبقاء على قيد الحياة.
ومن الجدير بالذكر أن الأشخاص الحاملين لـ LLI لا يعرفون ذلك، ولا يعرفون أن أدمغتهم تتعامل بطريقة مختلفة في تعاملها مع المؤثرات الحسية، لكنهم موجودون هنا وهناك، وقد تبدو أفكارهم غريبة للأشخاص العاديين، أو حتى أنها قد تكون مثار سخرية للأشخاص العاديين، وهذا مردّه إلى عجز الأشخاص العاديين عن فهم ورؤية الروابط المنطقية بين الأشياء التي كونها الأشخاص الحاملين للـ LLI، وفي المقابل قد يبدو الأشخاص الحاملين للـ LLI مغرورين بعض الشيء، إذ أن الأشياء التي تبدو بديهية لهم (نتيجة الروابط المنطقية الغير مألوفة التي تكونها أدمغتهم) تكون غير مرئية للأشخاص العاديين.
ما علاقة الـ LLI مع العبقرية والإبداع؟
لا علاقة بين مستوى الذكاء IQ وبين LLI كما ذكرنا، ولكن إن صدف وجود الـ LLI لدى شخص ذو معدل ذكاء مرتفع ، فإن ذلك سيؤدي إلى العبقرية، ونشير هنا إلى ندرة الحالات التي يؤدي الـ LLI فيها إلى العبقرية بدلاً من التوحُّد أو القلق المفرض، فوجد الـ LLI لدى شخص ما لا يعني قدرة دماغه على تحمل أعراضه.
ما هي السلبيات الـ LLI ؟
إن لم يكن مستوى ذكاء الشخص الحامل للـ LLI بالمستوى الكافي ليعالج دماغهم كل تلك المعلومات بشكل مستمر، سيقود ذلك إلى أشكال مختلفة من التوحد، ومن الجدير بالذكر هنا وجود علاقة ما بين التوحد والـ LLI، إذ ثبت أن معدل التأخير في التثبيط الكامن لدى المتوحدين أقل من نظيره لدى الأشخاص العاديين، كما أن الـ LLI ليس مرضاً نادراً ولكن هناك صعوبة تشخيص الـ LLI، إذ أن حالات كثيرة من الـ LLI، قد تشخص خطأً على أنها متلازمة اسبرجر أو توحد أو وسواس قهري أو حتى قصور انتباه وفرط حركة، وهي أمراض وحالات نفسية تشترك في بعض أعراضها مع الـ LLI، ويزيد من الطين بلة عدم وجود فحص او اختبار معتمد عالمياً للـ LLI حتى الأن.
المصادر:
هنا
هنا
مصدر الصورة:
هنا