السبيل إلى التعافي من انتهاء علاقة عاطفية
علم النفس >>>> الصحة النفسية
خاض معظمنا تجربة الانفصال العاطفي مرةً على الأقل. ومما لا شكَّ فيه أنها تجربةٌ باعثةٌ على شعورٍ حزين، حتى إنها تُعدُّ إحدى أكثر التجارب المجهدة عاطفياً. قد يتجاوز بعضنا هذه المرحلة ويمضي قدماً، في حين تغدو حياة البعض الآخر معطّلة؛ فتُثار لديه مشاعرُ القلق الشديد، ويخنقه الحزن، وتعوده العزلة، ويؤرقه الخوفُ من المستقبل. وقد تصل آثارُ الانفصال العاطفيّ إلى درجة الصدمة أو الاكتئاب، وهنا تكمن ضرورةُ التعافي من الآثار النفسية السلبية المترتّبة على الانفصال للتخلّص منها بأسرع وقت وبأقلِّ الخسائر على المستوى النفسي.
حين تسوء شراكتنا العاطفية يغدو الانفصال هاجساً مؤلماً؛ فهو ما يمثّل فقدانَ الشراكة وانتهاء الحبِّ من جهة، ونهايةً مفزعةً للأحلام والالتزامات والخطط التي كنا نعوّل عليها من جهةٍ أخرى، ما يسبِّب خيبةَ أملٍ وإجهاداً نفسياً وحزناً. يجعلنا الانفصال كالغرباء وحيدين، ويصبح اعتيادُ الروتين الحياتي الجديد صعباً، وتراودنا أسئلةٌ كثيرة: كيف ستكون الحياة دون شريك؟ وهل سأجد شريكاً آخر أم سينتهي بي المطاف وحيداً؟ ولكن ثمّة أملٌ دائماً، فعلى الرغم من الوقع السلبي للانفصال، فإن انتهاء علاقةٍ عاطفيةٍ ليس أمراً سيئاً بالمطلق؛ فهو يتيح لنا فرصة اكتسابِ مهاراتِ تواصلٍ جديدةٍ مع محيطنا، ما يحفّز النموّ الشخصي والنضج العاطفي. وهنا لا بدّ من التأكيد على أن إستراتيجية المواجهة تُعدُّ أحد أفضل الحلول لمواجهة الانكسار العاطفي؛ فمواجهة المشكلة وعدم التهرّب منها يثبّت إيجابيات العلاقات السابقة في الذهن بدلاً من إغراق أنفسنا في حلقةٍ مفرغةٍ من الأفكار السلبية عن العلاقة السابقة، وهذا من شأنه أن يكون عاملاً مهماً في التعافي. وتبيّن أن استخدام ما يسمّى بالتنفيس العاطفي أمرٌ مهمٌّ جداً في مرحلة التعافي. وبحسب ما أُشير إليه فإن الكتابة التعبيرية لهي أفضلُ ممارسةٍ للتنفيس. وتماشياً مع ذلك أُجريَت تجربةٌ لقياس فعاليّة التدخّل عن طريق الكتابة التعبيرية لعلاج التفكّك العاطفي؛ فأُنشئت عيّنةٌ للدراسة مؤلّفةٌ من مائة شخصٍ ممن يخوضون حديثاً تجربةَ الانفصال عن شركائهم العاطفيين، وقُسّمت العيّنة التجريبية إلى ثلاث مجموعات. طُلب من الأولى أن تكتب عن الجوانب السلبية للعلاقة، وطُلب من الثانية الكتابة عن الجوانب الإيجابية، في حين أُوكل للمجموعة الثالثة الكتابة عن موضوعٍ سطحيٍّ لا علاقة له بالتفكّك العاطفي. استغرقت المجموعات حوالي 15 إلى 30 دقيقةً لإتمام المهمّة دون تلقّي أية ملاحظاتٍ من الباحث. وكانت خلاصةُ التجربة كالآتي: المجموعة التي ركّزت في كتابتها على الجوانب الايجابية للانفصال اختبرت مشاعرَ أكثرَ ايجابية، وفهماً أوضح للأمور، ولمست مشاعرَ أعمقَ من الراحة والثقة والطاقة والسعادة والتفاؤل والرضا. إذًا؛ يبدو أن الكتابة عن التجارب السلبية تساعد حقّاً على تنظيم عمليّة المعالجة الإدراكية للمشكلة، وتفضي إلى نتائج أكثر إيجابيةً على المستوى النفسي.
لا بدّ من الاعتراف بأنه من الطبيعي أن نشعر بفتراتٍ من الحزن؛ لكن ليست إلا مسألة وقتٍ حتى تزول. إلا أن هناك بعض السلوكيات التي من الممكن اتّباعها لتقليصِ الزمن اللازم للتعافي. فمن الضروري التخفيفُ من الإجهاد اليومي إلى حين استعادة التوازن والقدرة على معاودة الإنتاجية، وإن كان من المفضّل عدم التوجّه نحو العزلة والتزامها فترةً طويلة؛ إذ من الضروري مشاركة مشاعرك مع الأصدقاء، والتواصل معهم وجهاً لوجه. وأيضاً ينبغي عدم السماح للتطلّعات والأحلام بالانهيار، فهناك مستقبلٌ قيد البناء. ويجب التنبيه إلى ضرورة التمييز بين رد الفعل الطبيعي للانفصال وبين مشاعر القلق والاكتئاب؛ فمشاعر الحزن مؤقّتةٌ وآنيّةٌ يجب عدم السماح لها بسيادة المزاج العام.
وختاماً، فإن النصيحة الأفضل للمنفصلين حديثاً تكمن في قضاء بعض الوقت برفقة أشخاصٍ ودودين لا يوجّهون النقد اللاذع باستمرار، والاستعاضة عنهم بأشخاصٍ يوفّرون مزاجاً إيجابياً قدر الإمكان. وإن ممارسة هوايةٍ مفضّلةٍ يشتّت الذهن عن المشكلة، ويساعد على التخلّص من التفكير السلبي المستمر. وندعو المارّين بهذه التجربة لمعرفة الخيارات المتاحة دون أن يقسوا على أنفسهم. وفي حال عدم القدرة على تجاوز الأمر بمفردهم، فليطلبوا المساعدة من اختصاصيٍّ أو طبيبٍ نفسيّ، فهم جاهزون لسماعهم دون الحكم عليهم.
المصادر:
1- هنا
2- هنا
3- هنا