الصدمة: اضطراب ما بعد الصدمة وفقدان الذاكرة
علم النفس >>>> القاعدة المعرفية
وعندما تذهب إلى الطبيب فإن أول كلمة تتوارد إلى مسمعك؛ الصدمة.
إن الصدمة هي استجابة عاطفية لحدث رهيب مثل حادث أو اغتصاب أو كارثة طبيعية، وقد تحدث نتيجة التعرض المفاجئ للحدث أو نتيجة التعرض لضغوط مستمرة لا هوادة فيها كمقاساة العنف المنزلي أو مشاهد القتل المتكررة في فترة الحرب.
وتوجد أيضًا أسباب أخرى تُتجاهَل عادةً؛ مثل الموت المفاجئ لشخص مقرب أو تفكك علاقة مهمة أو المرور بتجربة مخيبة للآمال.
وينبغي لك -عزيزي القارئ- معرفة أنّ شعورك بالخوف والحزن والقلق والتشتت أمرٌ طبيعي بعد مرورك بتجربة مؤلمة، ولكن؛ قد يشير استمرار هذه الأعراض -مثل الشعور المستمر بالخطر وتدفق الذكريات المؤلمة- إلى أنك تعاني اضطراب ما بعد الصدمة.
الأعراض:
يختلف تطور اضطراب ما بعد الصدمة من شخص إلى آخر باختلاف النظام العصبي والمرونة في التعامل مع التوتر؛ فقد يعاني بعض الناس أعراضَ الاضطراب بعد بضع ساعات أو أيام من تاريخ الصدمة، في حين قد يستغرق آخرون أسابيع أو شهور أو حتى سنوات قبل ظهورها.
وعلى الرغم من هذه الاختلافات؛ هناك أعراض رئيسة يعانيها مرضى هذا الاضطراب جميعُهم:
- المقاساة المتكررة للتجربة المريرة عن طريق الذكريات أو الكوابيس أو ردود الفعل الجسدية والنفسية الشديدة عند تذكر الصدمة.
- تجنب كل ما يمكن أن يذكّر بالصدمة، وعدم القدرة على تذكر جوانب المحنة.
- فقدان الاهتمام والدافع عمومًا، والشعور بالخدر العاطفي.
- تغيُّر الفكر وغلبة المشاعر السلبية عليه كالغربة والوحدة والاكتئاب واليأس.
- الشعور بعدم الثقة وبالخيانة والشعور بالذنب.
- فرط الحركة واليقظة المفرطة، إضافةً إلى مشكلات في النوم.
- التهيُّج والغضب المفاجئ والسلوك العدواني والتهور.
- صعوبات في التركيز والتذكر.
وفي حالات أخرى نادرة الحدوث، قد يؤدي التعرض لصدمة نفسية إلى فقدان الذاكرة الانشقاقي.
إن فقدان الذاكرة الانشقاقي هو نوعٌ من الاضطرابات التفارقية، ويحدث نتيجة التعرض لصدمة أو إجهاد ويتضمن عدم القدرة على استدعاء المعلومات الشخصية المهمة التي لا يمكن نسيانها في الأحوال العادية.
ولفقدان الذاكرة الانشقاقي عدة أنواع:
فقدان الذاكرة الموضعي: لا يتمكن المريض من تذكر فترة زمنية كاملة محددة تضمنت أحداث مسببة للصدمة.
فقدان الذاكرة الانتقائي: ينسى المريض بعض الأحداث المرتبطة بفترة زمنية معينة فقط، أو ينسى جزءًا من حدث صادم مع تذكره بقيّة تفاصيل الحدث.
فقدان الذاكرة العام: ينسى المريض هويته وتاريخ حياته، وفي بعض الحالات النادرة الحدوث لا يعود المريض قادرًا على الوصول إلى المهارات المكتسبة والمعارف العامة التي كان يمتلكها قبل التعرض للصدمة.
فقدان الذاكرة الممنهَج: ينسى المريض المعلومات جميعها المرتبطة بموضوع أو شخص محدد.
فقدان الذاكرة المستمر: ينسى المريض كل حدث جديد فورَ حدوثه.
وعلى الرغم من أنه يتعذّر على المريض الوصول إلى المعلومات المنسية؛ لكنها تستمر أحيانًا في التأثير في سلوكه، فعلى سبيل المثال؛ ترفض المرأة التي تعرضت للاغتصاب في المصعد ركوبَ المصاعد على الرغم من عدم قدرتها على تذكر حادثة الاغتصاب.
ومن الجدير بالذكر أنه قد يصاب بعض مرضى فقدان الذاكرة الانشقاقي باضطراب ما بعد الصدمة لاحقًا، ولا سيما بعد أن يدركوا الأحداث التي سببت فقدان ذاكرتهم.
أعراض فقدان الذاكرة الانشقاقي:
فقدان الذاكرة بنمط غير مشابه لحالات النسيان الاعتيادية.
- ضعف الأداء المهني.
- إيجاد صعوبة في تكوين علاقات جديدة والحفاظ عليها.
- ظهور الأعراض الاكتئابية والسلوكيات الانتحارية، وقد تزداد مخاطر السلوكيات الانتحارية عند استعادة الذكريات المفقودة على نحو مفاجئ وعند استرجاع ذكريات الصدمة.
وقد يبدو المرضى الذين يُرَوا بعد فترة قصيرة من إصابتهم بفقدان الذاكرة في حيرة من أمرهم؛ إذ يكون بعضهم على هيئة محزنة للغاية وبعضهم الآخر غير مبالٍ.
فضلًا عن ذلك؛ لا يعلم معظم المرضى وجودَ ثغرات في ذاكرتهم، ولا يدركوا هذه الثغرات إلا في حال نسيان الهوية أو عندما يسألهم الآخرون أو يخبرونهم عن الأحداث التي لا يمكنهم تذكرها.
العلاج: توفير البيئة الآمنة والداعمة للمرضى.
وفي بعض الحالات المتطورة؛ يمكن استجواب المرضى في أثناء تعريضهم للتنويم المغناطيسي أو لحالة مشابهة له باستخدام المخدرات (barbiturate or benzodiazepine)، ويجب طرح الأسئلة بعناية وانتظار الإجابة من المريض مع الحرص على عدم الإشارة إلى حدث معين من أجل تجنب خطر توهُّم المريض وتكوين ذاكرة خاطئة لديه.
علمًا أنه لا يمكن تحديد دقة الذكريات المستعادة، ولكنها تفيد في الناحية العلاجية من أجل استعادة استمرارية هوية المريض وشعوره بالذات وخلق قصة حياة متماسكة له على نحو سريع.
وأخيرًا؛ لا ننسى أنّ فقدان الذاكرة الانشقاقي هو محاولة للتعامل مع الصدمة وآثارها النفسية.
كذلك لا يتعافى المريض بمجرد استعادة ذاكرته، بل بتطوير استجابة أفضل للتعامل مع تلك الصدمة، ويأتي هنا دور العلاج النفسي من أجل إعطاء معنى للصدمة أو الصراع واستكشاف كيفية التعامل مع أنواع المواقف والصراعات والعواطف التي سببت فقدان الذاكرة، ومن ثم تطوير استجابات أفضل.
المصادر:
1-هنا
2-هنا
3-هنا
4.هنا