دراسة جينية حديثة تكشف النقاب عن علاج الداء المعوي الالتهابي
الطب >>>> مقالات طبية
إذ يعاني أكثر من مليون شخص في الولايات المتّحدة الأمريكيّة الداءَ المعويّ الالتهابيّ؛ والذي يشمل داء كرون والتهاب القولون القرحيّ. وهما من الأمراض الالتهابية المناعيّة المجهولة السبب التي تصيب الأنبوب الهضمي، و لكلِّ منهما أماكن الإصابة المفضّلة. فالإصابة في التهاب القولون القرحيّ تبقى محدودة ضمن القولون أو الأمعاء الغليظة، في حين يصيب داء كرون أيَّ جزءٍ من السبيل الهضميّ من الفم وحتّى الشرج، ولكن تُعَدُّ الأمعاءُ الدقيقة -وخاصةً الجزء النهائيّ منها (اللفائفيّ)- أكثرَ عرضةً للإصابة.
يعيش المريض في خلالها هجمات بائسة متكرّرة من آلام البطن والإسهال، وفي الحالات الشديدة تترافق الهجمة مع نزيف هضمي سفلي.
وتهدف العلاجات المعياريّة إلى تثبيط الالتهاب مباشرةً. فعادة ما تُعالَج أوّلاً بالأدوية المضادة للالتهابات العامة كالستيروئيدات القشرية، وقد يصل العلاج في الحالات الشديدة إلى إعطاء المريض مثبطات قويّة للجهاز المناعي كمثبطات العامل المُنخِّر للورم (TNF) التي تعمل على إبطال فعالية بروتين مهم مناعيًّا، ومع فعاليّة المثبطات المناعيّة القويّة؛ فإنَّ لها آثارًا جانبيّة عديدة منها زيادة خطر الإصابة بالالتهابات والسرطانات.
وبذلك؛ فنحن بحاجة ماسّة إلى إستراتيجيات تحسّن القدرة على تحمّل أعراض هذه الهجمات الجامحة، وتحسّن نمط حياة هؤلاء المرضى أيضًا.
وانطلاقاً من ذلك؛ وجد باحثون في كلية الطبّ بجامعة واشنطن مُركَّبًا قد يعالج مرضى الداء المعوي الالتهابي من دون استهداف الالتهاب مباشرة؛ وإنمّا عن طريق دور هذا المُركَّب بإبطال فعاليّة الجين المرتبط بتخثّر الدم، بعد أن اكتشفوا تفعيل هذا الجين في مواقع الالتهاب المعويّ، وأنَّ عرقلة نشاطه يقلّل من أعراض التهاب الأمعاء.
والجدير بالذكر؛ أنّ هذا الجين نشط خاصّةً لدى مرضى المراحل المتقدّمة، وكذلك لدى أولئك الذين لايستجيبون للأدوية المثبّطة للجهاز المناعيّ.
وللعثور على الجينات التي تؤدّي دورًا في الداء المعويّ الالتهابيّ بطرائق غير التهابيّة؛ حلَّل الباحث Stappenbeck (دكتوراه في الطب وأستاذ كونان للطب المخبري والجينومي) وزملاؤه 1800 خزعة معويّة من 14 مجموعة مستقلّة وعامّة من مرضى الداء المعويّ الالتهابيّ؛ إذ جاءت الخزعات من دراسات مختلفة، قارنت الأشخاص الذين يعانون الداء المعويّ الالتهابيّ بالأشخاص الأصحاء من خلال عيّنات مأخوذة من أجزاء ملتهبة وأجزاء غير متأثّرة من الأمعاء؛ أو الأشخاص الذين يعانون حالاتٍ خفيفة ومعتدلة وكذلك الشديدة من الداء المعويّ الالتهابيّ.
وكانت النتيجة بكشف هذا التحليل أنَّ مجموعة من الجينات المرتبطة بتخثر الدم تُفعَّلُ أيضًا في الداء المعويّ الالتهابيّ، وبذلك يمكن لهذا الاكتشاف أن يوضّح مع الملاحظة الطويلة الأمد أنّ المصابين بالداء المعويّ الالتهابيّ هم الأكثر عرضة بضعفين إلى ثلاثة أضعاف من عامّة الناس للإصابة بمشكلات الجلطات الدموية، وخاصّةً خلال فترة الهجمة.
وبمزيد من البحث والتحليل؛ خصَّص الباحثون قائمة الجينات التي لها دورٌ في كل من الخلايا الالتهابية والخلايا الظهارية؛ وبرزت واحدة على وجه الخصوص جين يسمى سيربين ١ SERPIN1 حيث عُثِرَ على هذا الجين والبروتين المقابل له بمستويات عالية في الأجزاء الملتهبة من أمعاء مرضى الداء المعوي الالتهابي.
وللتحقق من دور الجين وبروتينه في الداء المعوي الالتهابي؛ أعطى الباحثون للفئران الخاضعة للتجربة مادة كيميائيّة تسببّ التهابًا في الأمعاء مشابهًا للداء المعويّ الالتهابّي ومادة كيميائية أخرى غير ضارة للمقارنة. وكانت النتيجة أنّ الفئران التي تلقّت المادة الكيميائية الضارة فقدت وزنها وبدت علامات الالتهاب في الأمعاء بوجود العديد من الخلايا والبروتينات الالتهابيّة، والأهم من ذلك كلّه أنّ الجين SERPINE1 عُبِّر عنه بأنه أعلى بستة أضعاف من الفئران التي تلقّت المادة الكيميائية غير الضارة.
وأخيرًا؛ بعد اكتشاف هذا الجين لا بدَّ من البحث عن المركّب القادر على تثبيطه؛ إذ عولجت الفئران المصابة بأعراض شبيهة بالداء المعوي الالتهابي بمركّب يسمى MDI2268 الذي ثبّط نشاط البروتين. وكان الحال أفضل بكثير، لقد فقدوا وزنًا أقل وأظهرت الأمعاء لديهم قدرًا أقل من التخريب والالتهاب من الفئران التي عولجت بالدواء الغفل.
عبّر الدكتور ستابينبيك عن فرحه بنتائج هذه التجربة "وأكثر الأمور إثارة هنا هو أنَّ الجين SERPINE1 وبروتينه المقابل يبدو بأنهما قد عُبّرَ عنهما بدرجة عالية لدى الأشخاص المصابين بالمراحل المتقدمة من المرض وأولئك الذين لايستجيبون للمثبطات المناعية.
ونحن هنا وجدنا مركّبًا قد يساعد كثيرًا من الأشخاص المصابين بالداء المعويّ الالتهابّي، وخاصَّة أولئك الذين لايستجيبون كثيرًا للعلاجات الحالية."
وتبقى هذه التجربة بحاجة إلى دراسة أكثر وتقييمٍ في تجارب مستقبلية أخرى، لكن لا شك في أنَّها بارقة أمل للمرضى الذين يعانون تلك الأمراض، لعلّها تفتح أبوابًا جديدة لعلاج أسرع وأكثر فعاليّة.
المصادر:
هنا
هنا
هنا
هنا