ليزر قوي جدًّا قادر على إرسال مسبار إلى المريخ في أيام معدودة!
الهندسة والآليات >>>> تكنولوجيا الفضاء
قد ينظر البعض إلى هذه المبادرة على أنَّها فكرةٌ لفيلم خيال علمي، ولكنَّها ليست كذلك؛ إذ يقول كبير مهندسي المشروع: "أُنجِز عمل بقيمة ملايين الدولارات دون وجود أيَّة عقبات كبيرة تُذكر؛ إذ اعتُمد على أكثر من 80 دراسة علمية عن السفر بين النجوم".
ويُعدُّ الراحل "ستيفن هوكينج" إضافةً إلى عالم الفلك "آفي لوب" في جامعة هارفارد، والملياردير الأمريكي الروسي "يوري ميلنر" من أهم المؤسسين والمساهمين في هذه المبادرة، فساهم "ميلنر" مع العديد من المستثمرين في وادي السيليكون بمبلغ (100 مليون دولار) لتغطية كلفة السنوات العشرة الأولى من البحث والتطوير.
وصرَّح "بيتر كلوبر" – المدير الهندسي لمؤسسة (Breakthrough) غير الربحية ومبادرة (Starshot) – في اجتماع قمة إيكونوميست للفضاء يوم 1 تشرين الثاني\نوفمبر: "أُتيح لنا -بفضل أموال المساهمين- دراسةُ مجموعة كاملة من الأساليب المختلفة لكيفية إرسال جسم مادي إلى نجم آخر، وتوَّصلنا إلى أنَّ الطريقة الوحيدة لفعل ذلك تتمثَّل في بناء جهاز ليزر كبير، والذي سيكون مقرَّه على الأرجح في تشيلي".
ويأمل المشروع إرسال ما يقارب 1000 مركبة فضائية صغيرة من نوع (StarChip) باتجاه "ألفا سنتوري" -وهو ثاني أقرب نظام نجمي إلى الأرض- وبسرعة تبلغ 20% من سرعة الضوء (أي قرابة 134 مليون ميل\ساعة)، وتزن كلُّ رقاقة غرامًا واحدًا أو أقل.
أمَّا الوجهة الثانية -والتي ما زالت قيد الدراسة- هي نظام "بروكسيما سنتوري" التي تُعدُّ الأقرب إلى الأرض، وقد تحوي كوكبًا صالحًا للحياة.
وبأيَّة حال؛ ستبدأ المركبات الفضائية الصغيرة بالانطلاق خارج النظام الشمسي في منتصف الثلاثينيات من القرن الحالي بحيث ستتسارع كلُّ مركبة وتصل إلى أقصى سرعة في عدِّة دقائق فقط؛ وذلك بفضل قوة الليزر الجبَّارة الذي سيُطلق المركبات من الأرض.
وأشار "كلوبر" إلى أنَّ جهاز إشعاع الليزر المطوَّر الذي تبلغ قوته (100 غيغاواط) سيكون قويًّا جدًّا، وقادرًا على إحراق مدينة بأكملها في دقائق معدودة إذا ما عُكِست أشعَّته من الفضاء بواسطة مرآة، ولكن إحراق المدن ليس هدفًا من أهداف المشروع بالطبع!
في الواقع، وإذا ما نجحت الخطة؛ سيكون بإمكان المركبات الفضائية الصغيرة -المزوَّدة بكاميرا- إرسالُ صور مقرَّبة لعوالم بحجم الأرض بحلول ستينيات القرن الحالي لتكون المرة الأولى (إذ ستستغرق الرحلة ما يقارب 25 سنة، إضافةً إلى 4 سنوات لتلقِّي البيانات حسب الوجهة).
ويضيف "كلوبر": "كُشِفَ النقاب عن (Starshot) في عام 2016م، وبدأ العلماء بالعمل الحثيث منذ ذلك الحين. قد يبدو الأمر مستحيلًا الوهلة الأولى -إلَّا أنَّ وجود أشخاص من معهد "كاليفورنيا" للتكنولوجيا وجامعتي "ساوثهامبتون" و"إكستر" يعملون على توقيع قرابة 50 عقد لجعل كلِّ هذه الأشياء ممكنة، وعدم كسر أيِّ عقد إلى حدِّ الآن- يجعل الأمر يبدو حقيقيًّا".
-عفاريت، وأشعة ليزرية، ودخان عاكس:
يعلم "كلوبر" وزملاؤه حجمَ العقبات التي قد تواجه المشروع بالفعل،حتى إنَّ الدراسات المجراة من قبلهم تعطي نسبةً للفشل دائمًا؛ إذ تناقش بعض الأبحاث التكلفةَ التي لا يمكن تحمُّلها لبناء منشأة ليزر، في حين تحلِّل أوراق أخرى مبدأ "شراع الضوء"؛ الجهاز الذي يلتقط شعاع الليزر ويحوِّل طاقته إلى حركة.
ويتساءل بعض الباحثين عن إمكانية تداعي هذا الشراع عند مواجهة الحرارة أو التعجيل الكبير (قرابة 60،000 ضعف قوة الجاذبية الأرضية)، ووجود إمكانية توجيه هذا الجهاز للمركبات بعيدًا عن مسارها أيضًا، وهنا يوضِّح كلوبر: "يمكن عدُّ هذا الشراع رقيقًا للغاية؛ إذ يبلغ سمكه 400 ذرة تقريبًا، ووزنه نصف غرام، أمَّا قطره فيبلغ 4 أمتار، ويمكن تشبيهه بدخان عاكس".
وتكمن المشكلة الأخرى في وجود الغاز والغبار بين النجوم القادرَين على تفجير أيَّة مركبة فضائية وتحويلها إلى جبنة سويسرية!
ومع ذلك، فإنَّ مهندسي وعلماء (Starshot) يحاولون التغلُّب على هذه المشكلات؛ عن طريق تقبُّل حقيقة أنَّ غالبية المركبات الفضائية المتوفِّرة حاليًّا غير قادرة على الاحتمال، وأنَّ التقدُّم التكنولوجي المستقبلي يمكن أن يحلَّ مشكلات كثيرة في غضون عقدين من الزمن.
وبوصفه مثالًا على التقدُّم الواضح؛ سلَّط كلوبر الضوء على الأقمار الصناعية التجريبية ذات الـ 4 غرامات، التي يُطلق عليها العفاريت (Sprites)، والتي قد بُنيت واختُبرت من قبل جامعة كورنيل.
وفي حزيران\يونيو من عام 2017م، أُطلق أسطول من ستة عفاريت إلى الفضاء على متن صاروخ ذي صناعية هندية، ويوضِّح كلوبر: "إنَّ هذه التجربة كانت لمعرفة ما إذا كانت هذه المركبات تعمل أو لا فقط"، وقد نجحت التجربة؛ إذ استخدمت العفاريت حسَّاسات الحرارة ونقلت البيانات إلى الأرض إلى جانب إشارة (Beep) الراديوية.
ويعتقد كلوبر أنَّ هذه المركبة الفضائية الصغيرة يمكن أن يُنظر إليها على أنَّها مقدِّمة لصنع مركبات دقيقة وأكثر كفاءة؛ فيقول: "شعورنا حاليًّا يشبه إلى حدٍّ بعيد شعور شركة (CubeSat) قبل 20 سنة"، مُشيرًا إلى صناعة سفينة فضائية بحجم حافظة الغداء المنتشرة حاليًّا.
ويضيف؛ كان الناس يقولون: "هذه مجرَّد ألعاب! ولن يتطوَّروا إلى أيِّ شيء أبدًا، ولا يوجد أيُّ أمل لنجاحها"، أمَّا الآن فبإمكاننا رؤية أنَّ مقدار الإنفاق على (CubeSats) قد بلغ مئات الملايين من الدولارات.
وتأمل مبادرة (Starshot) إطلاق المزيد من "العفاريت" ذات ال 4 غرامات في العام المقبل مع إضافة بعض التحسينات المهمَّة؛ يقول كلوبر: "سنزوَّدها بمختلف أنواع الأجهزة والكاميرات الضرورية".
-ستُختزل مدة الرحلة إلى المريخ إلى عدة أيام فقط:
حسب كلوبر، فإنَّ مبادرة (Starshot) ستكرِّس الخمس سنوات القادمة من أجل تعلُّم كيفية تجميع كلِّ الأنظمة معًا لكي تعمل بالطريقة المتوقَّعة منها بالفعل.
ولكن قبيل التوجُّه لأنظمة سنتوري النجمية، وضع المشروع هدفًا أقرب بالفعل؛ وهو نظامنا الشمسي. ويأمل القائمون على المشروع أن يتمكَّنوا من بناء محطة إطلاق الليزر بطاقة 1 غيغاواط في مكان ما من جبال "سييرا نيفادا" بحلول عام 2030م (على افتراض الحصول على مزيدٍ من التمويل)؛ إذ ستساعد هذه القاعدة العلماء في تطبيق أفكارهم من ناحية إطلاق مركبات فضائية صغيرة نحو الفضاء بقوة الليزر وبكلفة أقل ب 10 مرات.
فتكمن الفكرة في توجيه المسابير التي تسير بسرعة 1% من سرعة الضوء بين الكواكب والأقمار والكويكبات وغيرها من الأجرام.
ويقول كلوبر: "اتَّضح أنَّه باستخدام نظام الليزر ذي طاقة 1 غيغاواط وشراع بطول 10 أمتار؛ يمكن الوصول إلى المريخ في غضون أيام، أو إلى المشتري في غضون أسابيع، أو إلى بلوتو في غضون أشهر (مع العلم أنَّ مسبار "ناسا نيو هورايزون" استغرق قرابة تسع سنوات للوصول إلى بلوتو).
ويُقدِّر كلوبر تكلفة المشروع الإجمالية ب 1 مليار دولار تقريبًا، مع تخصيص معظم الأموال لبناء قاعدة إطلاق الليزر، التي بمجرِّد بنائها ستجعل من أمر استكشاف الفضاء المتكرِّر رخيصًا نسبيًّا.
ووفقًا لدراسة أولية أجراها باحث من مبادرة (Starshot)؛ فإنَّ كلَّ عملية إطلاق ستكلِّف بضعة آلاف أو عشرات آلاف الدولارات فقط، ويفترض هذا التقدير حدوثَ انخفاض في تكاليف الليزر والطاقة وتخزين الطاقة، ولكنَّه يبقى أرخص بكثير من مبلغ مليار دولار المطلوب -عادةً- لإرسال إنسان آلي إلى كوكب آخر.
ويقول كلوبر: "إن المركبة المصمَّمة للسفر عبر المجموعة الشمسية ستزن نحو 100 غرام؛ أي أكبر ب 100 مرة تقريبًا من المركبة المصمَّمة للسفر عبر النجوم، ولكن أيَّة عملية إطلاق ستتطلَّب موافقة العديد من الدول ومشاركتها".
ويعود ذلك إلى أنَّ إطلاق ليزر بقوة 1 غيغاواط إلى الفضاء ليس أمرًا مسبِّبًا للسطوع فحسب؛ بل قد يتسبَّب بإتلاف الأقمار الاصطناعية المارة في طريقه أيضًا؛ ما قد يسبِّب مشكلة وخصوصًا لمجموعات الأقمار الاصطناعية الخاصة بالإنترنت، مثل مشروع ستارلينك الخاص بشركة (Space X).
ومع الجهود الرامية إلى مبادرة (Starshot) لإطلاق المركبات بين النجوم؛ تزداد الحاجة إلى التعاون بين دول العالم.
وحسب قول كلوبر: "سيكون بالإمكان رؤية أشعة الليزر ذي طاقة ال100 غيغاواط في كلِّ مكان في المجرة بحيث سيكون أكثر سطوعًا من الشمس"؛ فإنَّ مثل هذا الانفجار القوي بالليزر سيحوِّل الأرض إلى منارة رائعة تذيع بصوت عالٍ: "الحياة الذكية موجودة هنا" إلى أيَّة حضارة غريبة يصادف أنَّها كانت شاهدةً على هذه الحادثة.
ويختم حديثه قائلًا: "نحن لا نفعل هذا لمجموعة معيَّنة من الناس فقط، وإنَّما من أجل الكوكب كلِّه".
المصادر:
هنا