حساس جديد للكشف عن الطعام الفاسد
الهندسة والآليات >>>> التكنولوجيا
الكثيرُ من الأشخاص يُعانون وقد يفقدون حياتهم نتيجة تسمُّم الغذاء، لذلك قامَ بعض الخبراء بأبحاثٍ حول تكنولوجيا تُساعدنا في الكشفِ عن مدى صحةِ وسلامةِ الطعام. دعونا نتابع في هذا المقال عدداً من الطُّرق التي توصَّلت إليها الأبحاث في هذا المجال:
تُعتبَر الأمراضُ المنتقلة عن طريق الأغذية، والمعروفةُ باسم التسمُّم الغذائي أمراً شائعاً جداً. وتبعاً لإحصائيات مركزِ مراقبةِ الأمراضِ والوقاية منها (CDC)، فإن نحو 48 مليون شخصٍ في الولايات المتحدَّة يمرضون سنوياً، يموت منهم ثلاثةُ آلافِ شخص نتيجةَ هذه الأمراض التي تنتقلُ عن طريقِ الطعام، قام هذا الأمر بدفع الباحثين للعملِ على تطويرِ تكنولوجيات تُمكِّن المُستخدِم من معرفة الحالة الصحية للغذاء قبل شرائه.
تم تطويُر أولى الطُّرُق من قبل فريقٍ من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، وهو عبارةٌ عن حسَّاسٍ للغاز الذي يَصدرُ عن الطعام الفاسد، حيث عَمِل الفريق على تطويرِ نُسخةٍ رخيصةٍ منه، صغيرِ الحجم و قابلٍ للحمل والتنقُّل، يُمكنه اكتشاف التعفُّن عن طريق استشعارِ الغازات التي تخرجُ من الطعام المُتَعفِّن، وإطلاقِ إنذارٍ ضوئي لإشعار المستخدم بأن هذا الطَّعام غيرُ صالحٍ للاستهلاك البشري.
و قد حرصَ الفريق على جَعْل هذا الحسَّاس سهلَ الاستخدامِ من قِبَل الناس العاديين غيرِ المُلمِّين بالتكنولوجيا، حيث تمَّ تركيبُه على بطاقاتٍ مُمغنطة تستعملُ بروتوكول مُعيَّن للاتصال بالهاتفِ الذكي "near-field communication NFC"، يتمُّ إلصاقُ البطاقة على الأطعمةِ المعروضةِ للبيع وعن طريق بروتوكولات NFC تقومُ البطاقة بالتَّواصل مع التطبيقِ الموجودِ على الجهاز الذي يستعملُه المستخدم. لذلك يُمكن للمستخدم تقريبَ هاتفه الذَّكي من الطعامِ الّذي ينوي شراءَه وتظهُر إشارةٌ على شاشته توضحُ مدى صلاحية الطعامِ أو الغذاء للاستهلاك.
يقوم الهاتفُ بإرسال إشاراتٍ كهرومغناطيسية للبطاقة المُلصقة على الغذاء، وتحصُل البطاقةُ بدورها على المعلومات من الحسَّاس وتُعيد إرسالها مرةً أُخرى للهاتف الذي يقومُ بتحليل البيانات وإظهارِها بشكلٍ مفهومٍ للمستهلك.
تم تصنيعُ هذا الحسَّاس باستخدام أنابيبِ الكربون النانوية المسماة ميتالوبورفيرينس (Metalloporphyrins)، وهي تقومُ بالعمل كمقاومةٍ كيميائية، ما يعني أنَّ هذه المقاومةَ تتغيَّر قيمتُها بتَغيُّر المحيط الكيميائي حولها. إن مادة الميتالوبورفيرينس ترتبطُ بسرعةٍ مع الأحماض الأَمينية التي تُفرِزُها اللحوم عندما تبدأُ بالتعفُّن، وهذا الترابط يؤدِّي الى زيادة قيمةِ المقاومة الكيميائية مما يؤدي إلى تغيير قيمة التردُّدِ الكهرومغناطيسي الصادرِ من البطاقةِ إلى الهاتف الذكي، وبالتالي الإشارة إلى أن الطعامَ غيرُ صالحٍ للاستهلاك.
Image: MIT
تستخدم طريقةٌ أُخرى حسَّاساتٍ تعتمد على مِقدار الضوء لكشف المُركَّبات المُتطايرة من الطعام الفاسد، تعتمدُ هذه الحسَّاسات على الإضاءةِ لاستشعار الغازات المُتطايرةِ من الطعام الفاسد. حيث اجتمعت ثلاثُ فِرَقٍ بحثيةٍ من جامعاتٍ أوروبيةٍ مختلفة منها جامعة جينت البلجيكية وجامعة رادبود، وعملوا لمدةِ أربعِ سنواتٍ على تطوير هذا الحسَّاس، حيث أن الأبخِرة المُتَصاعِدةَ من الطعام المُتَعفِّن تُغيِّر نِسبة سطوعِ الضوء وتُسبِّب إزاحةَ طولِ موجةِ الأشعة تحت الحمراء المُتجهةِ نحو الحسَّاس. ويتمُّ التمييزُ بين حالات الطعام سواءً كان فاسداً أو صالحاً للاستهلاك بالاعتماد على مِقدار هذه الإزاحة ومِقدار تركيز الضوء.
Image: CheckPack
نُكمِل الحديث عن طريقةٍ أُخرى من الحسَّاسات طوَّرها الباحثون، وهي عبارةٌ عن بوليمراتٍ اصطناعية تمَّ تطويرُها في جامعة جون هوبكنز بمختبراتِ الفيزياءِ التطبيقية. ما يُميُّز هذه الحسَّاسات أنَّ لديها القدرةَ على اختيارِ الموادِّ التي تستطيع تحسُّسها، فمثلاً يُمكنها اكتشافَ تعفُّن لحم البقر أو تعفُّنِ فاكهة الموز فقط، أي يتمُّ تصميمُها لاكتشافِ تعفُّن موادَّ معينةٍ دون الأُخرى. ويعتمد مبدأُ هذا الحسَّاسِ على أن البوليمرات ترتبطُ بالأحماض الأَمينية الناجمةِ عن التعفُّن، وتبعاً لكمية البوليمرات التي ارتبطت بالأحماضِ يتغيَّر لونُ البوليمر، وبالتالي يُعطي تغيُّر لونِ البوليمر انطباعاً عن حالة الطعام الصحيِّة.
في النهاية، تُعتَبَر هذه البحوث المرتبطةُ بصحةِ الإنسان ذاتَ أثرٍ إيجابيٍّ رائع على تطوُّر المستوى المعيشيِّ للبشرية، وذلك من خلالِ تسخير تكنولوجيا النانو والنظريةِ الكهرومغناطيسية والميِّزات التي تُضيفُها شركات الهواتف الذكية كلَّ يومٍ من أجلِ خدمةِ الإنسان وجعلِ حياتِه أكثرَ سهولةً ويُسْر.
ولكن ما يُثير التساؤل حول هذه الاختراعات، هل سيُعاني أمثالُ هؤلاء العلماء من الانتقادات والهجمات الموجهَّة إليهم من قِبَل الجشعينَ أصحابِ المتاجر الذين لا يُهمُّهم سوى جني الأموال؟ ربَّما.
المصدر:
هنا