العملاق الكهرومائي الصِّيني "سدُّ الممرات الثلاثة"
العمارة والتشييد >>>> جوائز ومسابقات معمارية
وهو سدٌّ بيتوني يبلغ طوله 2.3 كم بارتفاعٍ أقصى 185م، ويوجد في مدينة "ييتشانغ Yichang" في مقاطعة "هوبي Hubei province" في جنوب/ وسط الصين، وسُمِّي السَّدُّ بهذا الاسم (سدُّ الممرَّات الثَّلاثة) لأنَّه بُني في أحد أطوال نهر اليانغتسي والذي يشكُّل ثلاثة خوانق (والخانق وادٍ ضيِّق جدًّا وعميق)، وهي Qutang وWu وXiling، والتي تعدُّ أحد أكثر المناظر الطبيعيَّة الساحرة في العالم.
Image: https://www.mtholyoke.edu/~lpohara/Pol%20116/Images/map3.jpg
اكتملَ بناء جسم السَّد في العام 2006، باستطاعةٍ كهربائيَّةٍ كليَّةٍ تبلغ قرابة 18.2 غيغا وات.
حقَّق السَّد فوائد عديدة للصين على صعيد التَّحكُّم بالفيضانات على نهر اليانغتسي عدا عن توليد الطاقة الكهربائيَّة باستطاعاتٍ كبيرة.
Image: http://large.stanford.edu/courses/2010/ph240/ma2/images/f1big.jpg
الصورة (2): يتَّضح في هذه الصورة مفيض السَّد مع منشآت التَّحكم ببوابات الهدَّار ويظهر جزءٌ من التربة (اليابسة) المجاورة للمفيض
لمحةٌ تاريخيَّة:
يقع السَّد في الجزء الأوسط من نهر اليانغتسي، وتُعدُّ هذه المنطقة واحدةً من أشهر المقاصد السياحيَّة في الصين.
إلى جانب المنحدرات الجميلة على ضفَّتي النهر، فإنَّ غزارة نهر اليانغتسي الكبيرة تتسبَّب بفيضاناتٍ سنويَّة، ممَّا يجعله أحد أهم مصادر الطاقة المائيَّة، للسيطرة على الفيضانات والاستفادة من الطاقة المائيَّة للنهر، واقتُرِحَ بناء سدِّ الممرَّات الثَّلاثة بمحطَّته الكهرومائيَّة منذ منتصف أربعينيات القرن الماضي بالتَّعاون بين الحكومة الصينيَّة ومكتب الاستصلاح الأمريكي.
وقد اقتُرِحَ بناءُ السَّد في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي من قِبَل مكتب تخطيط وادي اليانغتسي، وجاءت الموافقة على الخطَّة المقدَّمة على أعلى المستويات في العام 1958، لكن لسوء الحظ لم يبدأ التَّنفيذ بسبب كلفته العالية، وحال ذلك دون إدراجه على قائمة مشاريع الحكومة الصينيَّة.
وفي عام 1986 قرَّرت الحكومة الصينيَّة أخيرًا إطلاق المشروع "TGD 617" على الرغم من بعض المشكلات التي لم تُحَل، وفي العام نفسه بدأت دراسة الجدوى لتمويل المشروع من قِبل الوكالة الكنديَّة للتنمية الدوليَّة "CIDA"؛ إذ درست 14 وكالةً صينيَّةً جوانب محدَّدة بهدف تطوير المشروع والتَّقليل من آثاره السلبيَّة، دون التَّطرُّق لناحية إمكانيَّة البناء من عدمها؛ إذ أصبح البناء من المسلَّمات.
بدأ بناء جسم السَّد في شهر كانون الأول/ ديسمبر من عام 1994، وبدأت تحضيرات الموقع للبناء في العام 1993.
البرنامج الزمني لإنشاء السَّد:
في الفترة من 1993 وحتى 1997: حُوِّل نهر اليانغستي إلى المجرى الرئيسي، بعد أربع سنوات من البناء وذلك في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1997.
في الفترة من 1998 وحتى 2003: في أيار/ مايو من عام 1998، افتُتحَ ممرٌّ مؤقَّتٌ لعبور السفن ("هويس" وهو منشأةٌ ملاحيَّة لتَأمين عبور السفن تُلاحظ في كثيرٍ من العقد المائيَّة التي تحوي سد أو جسر مائي أو قناطر... إلخ)، وفي تموز/ يوليو عام 2003 أُنشئ ممرٌّ دائمٌ لعبور السفن الصغيرة، وبدأت العنفات في الجانب الشمالي من السَّد بالعمل وتوليد الطاقة في العام 2003.
في الفترة من 2004 وحتى 2009: استُكمِلَ الجزء الأخير من السَّد في أيار/ مايو عام 2006، وفي حزيران/ يونيو عام 2006 أُزيلَت الحواجز المؤقَّتة خلف السَّد (سدود تحويليَّة لتحويل المياه ريثما يُبنى السَّد)، ثمَّ بدأت عملية ملء خزَّان السَّد المائي الضخم، وبلغت قدرة توليد الطاقة في تشرين الأول/ أكتوبر من عام 2006 قرابة 9.8 غيغا وات عن طريق 14 عنفةً مركبةً في الجانب الشمالي، وذلك بعد أن وصل منسوب الماء في خزَّان السَّد إلى 156 م، وانتهى المشروع بأكمله عام 2009؛ إذ بلغت الطاقة الكهربائيَّة للعنفات الست والعشرين (14 باتجاه الضفة الشماليَّة و12 باتجاه الجنوبيَّة) قرابة 84.7 تيرا وات ساعي سنويًّا.
Image: http://large.stanford.edu/courses/2010/ph240/ma2/images/f3big.gif
الشكل (3): مسقط توضيحي للسَّد يوضح أماكن توضُّع عنفات التَّوليد والمفيض والأجزاء التُّرابيَّة
عملاق توليد الطاقة:
مع وجود 14 عنفةً في الجانب الشمالي من السَّد، و12 عنفةً في الجانب الجنوبي منه وباستطاعة 700 ميغا وات لكلِّ عنفة، تصل الاستطاعة الكلية لتوليد الطاقة إلى 18.2 غيغا واط، والتي وصلت إليها فعليًّا في تموز/ يوليو عام 2010 في موسم فيضان نهر يانغتسي.
ما يزال هناك 6 عنفات تحت أرضيَّة قيد الإنشاء حاليًّا ممَّا سيزيد إجمالي إنتاجيَّة السَّد من الطاقة إلى 22.4 غيغا واط لتستفيد تسع مقاطعاتٍ ومدينتان من الطاقة الكهربائيَّة المولَّدة بما في ذلك شنغهاي.
الأثر البيئي والاجتماعي:
من أهم الآثار البيئيَّة الإيجابيَّة الناتجة عن بناء سد الممرَّات الثلاثة هو تقليل كمية المصادر غير النظيفة المُستخدمة (الفحم) في توليد الطاقة عن طريق الاعتماد على الطاقة الكهرومائيَّة النظيفة، ووفقًا للَّجنة الوطنيَّة للتنمية والإصلاح في الصين فإنَّ 366 غرام من الفحم تنتج 1 كيلو واط ساعي من الكهرباء، فالطاقة التي ينتجها السد تقلِّل من استهلاك الفحم بمقدار 31 مليون طن سنويًّا؛ أي تُجَنِّب 100 مليون طن من انبعاثات غازات الدفيئة وملايين الأطنان من الغبار والمواد الكيميائيَّة الخطرة الأخرى، عدا عن توفير الطاقة والكلفة اللازمتين لنقل الفحم من شمال الصين (مقاطعة شانشي) إلى جنوب الصين.
ومن جهةٍ أخرى فقد كان لبناء السَّد العديد من الآثار السلبية بيئيًّا واجتماعيًّا، وحتى من ناحية جيولوجيَّة المنطقة التي بُني فيها السَّد.
فمن الناحية البيئيَّة أثَّر منسوب الماء المرتفع في بحيرة تخزين السَّد الذي يزيد عن 175 م -أي حجم التخزين الكبير- كثيرًا في التنوع البيولوجي في نهر اليانغتسي؛ إذ فقدت العديد من الكائنات المائية موائلها، وعُزل بعضها الآخر نظرًا لوجود الحاجز الذي يمثِّله السد.
وأدَّى ذلك إلى انخفاض تعداد الأسماك التي حدَّ السَّد من قدرتها على الهجرة إلى أماكن تكاثرها (في الحوز السفلي خلف السَّد)، ووصلت بعض الأنواع إلى الانقراض فعليًّا.
وربَّما يحتاج النظام البيئي في منطقة السد عقودًا أو قرونًا من الزمن للتَّكيف مع التغيُّرات التي جلبها بناء السد.
ومن ناحية التأثير في جيولوجية منطقة السد، وعلى الرغم من أنَّ هذا النوع من السدود يُنشأ على الأنهار بهدف درء الفيضانات وتطويعها لخدمة الإنسان؛ لكنَّ هناك أخطارًا جيولوجيةً تنشأ نتيجةً للحجم المائي الكبير في خزَّان السد، والذي يبلغ في بحيرة سد البوابات الثلاث 39.3 مليار متر م3.
وأدَّى هذا الحجم الهائل إلى التأثير في استقرار منحدرات الضفاف، ممَّا أدَّى إلى تعرُّض المنطقة لخطر الانهيارات الأرضيَّة، حتَّى إنَّ بعض الباحثين يعتقد باحتمالية وجود صلةٍ بين وجود السدود الكبيرة المنشأة على نهر اليانغستي والزلزال الكبير الذي وقع في مقاطعة سيتشوان الصينية في عام 2008، والذي نَتج عنه خسارةٌ بشريَّةٌ تُقدَّر بـ 80000 ضحية.
وأمَّا من الناحية الاجتماعيَّة فقد ظهر جليًّا تأثير درء الفيضانات في منطقة خزَّان السَّد في ازدهار المناطق أسفل (خلف) السد، بالإضافة إلى تحسين عمليَّات النقل المائي نظرًا لارتفاع منسوب الماء أمام السد، ولكن من وجهة نظرٍ أخرى تسبَّب هذا المشروع بنزوح أكثر من مليون شخص (1.3 مليون شخص تقريبًا)، وغَمر مناطق واسعة احتلَّتها مياه البحيرة ذات السطح الذي تبلغ مساحته 1080 كم2، ومن المتوقَّع أن يرحل أكثر من 4 ملايين آخرين من أصل 16 مليون يعيشون في منطقة السَّد في المستقبل القريب.
وقد غُمِرت بعض مناطق الجذب السياحي في المنطقة التي ذُكِرت بكثرةٍ في الأعمال الأدبيَّة منذ آلاف السنين بمياه بحيرة التَّخزين، وهي خسارةٌ لا تُقدَّر بثمنٍ مادي؛ ولكنَّها لازمةٌ لبناء السَّد.
ويمكنك تصَّور هول حجم السَّد وخزَّانه المائي ذي الحجم الذي يقارب 40 مليار م3، إذا علمت أنَّه يتسبب بإبطاء حركة الأرض وزيادةِ مدَّة اليوم الواحد بمقدار 0.06 ميكروثانية وجعل الأرض مفلطحةً أكثر عند المنتصف ومسطَّحةً أكثر عند القطب (وفق وكالة ناسا).
Image: http://large.stanford.edu/courses/2010/ph240/ma2/images/f4big.jpg
الصورة (4): صورة جوية توضِّح المناطق التي غمرتها المياه
فما رأيكم بمثل هذه المشاريع؟ هل تستطيع فوائدها جعلنا نغضُّ النظر عن آثارها الجانبيَّة؟
المصدر:
Yue Ma (2010) “Three Gorges Dam” Stanford University. California(USA)
هنا
Chinese National Committee on Larg Dams Publications
هنا
هنا
هنا
هنا;