مراجعة كتاب "وعي الحداثة" في تبيان مظاهر الشعر الحديث (الجزء الثاني)
كتاب >>>> الكتب الأدبية والفكرية
ينتقل الكاتب في الفصل الثالث ليسلط الضوء على جمالية الرمز الفني في شعر الحداثة.
إذ أخذ الرمز في هذا الشعر حيِّزًا كبيرًا معتمدًا على الأسطورة في طبيعة الحال، وقد قسَّم أنماط الرموز التي طرحها شعر الحداثة إلى: الرمز الأسطوري، والتاريخي، والاصطناعي، والطبيعي.
ولهذه الأنماط مستويات عدة تمثَّّلت في: المستوى التراكمي، والمستوى الاستعاري، والمستوى الإشاري المفهومي، والمستوى المحوري.
وقد بَدَتْ الأسطورة في المستوى التراكمي وكأنها الحامل للهاجس الشعري "حتى تراكمت الرموز بحيث لم تعد رمزًا بقدر كونها إشارات إلى الأسطورة من جهة وإلى الهاجس الشعري من جهة أخرى".
ثم وصف المستوى الاستعاري أنه من أسوأ المستويات تعاملًا مع الرموز؛ إذ إنه يختصر الشخصية الأسطورية أو التاريخية أو الواقعية بإشارة ثم يختصرها بمقولة قصيرة وحتى أنَّ الإشارة تكون معدومة التدفق الجمالي، ويمكن استبدالها في السياق أو حذفها دون أن يتأثر المعنى.
وبالنسبة إلى المستوى الإشاري المفهومي فيَعُدُّ الرمز مقولة فلسفية أو سياسية أو أخلاقية؛ وقد وصفها بأنها تنحرف عن مساقها الجمالي فيعُدُّها مقولات يمكن نقلها من حقلها المعرفي إلى الحقل الجمالي وهذا من الإشكالات الفنية.
ثم مَثَّل للرمز الطبيعي عن طريق مفهومَي الرمز والحجر وترك لهما بقية الفصل.
ويتوسَّع الفصل الرابع بشرح الأنموذح الفني وجماليته؛ إذ يرى أن الشعر الحداثي لم ينسلخ في واقع الحال عن الغنائية وإنما أصبح الشعر غنائيًّا يتصف بالدرامية، وبهذا ينفي أن تكون هذه النماذج تعبيرًا مباشرًا وصرفًا عن ذاتيته.
فكان الشاعر الحداثي يستوعب الواقع الإنساني استيعابًا دراميًّا، فيوازن بين العلاقة الجدلية بين الذاتي والموضوعي أي بين الأنا والآخر، وهذا لم يكن ممكنًا في الشكل الغنائي الصِّرف فقد وصفَه أنه أصبح عاجزًا عن ذلك.
يتمثَّل الفصل الخامس بالخطاب الشعري والأيديولوجية؛ إذ يقصد بالأيديولوجية -هنا- منظومة الأفكار التي تنظم مختلف العلاقات الاجتماعية التي تحدد السلوك والتَّوجُّه الفرديَّيْن والاجتماعيَّيْن.
وبما أن التجربة الجمالية تتصف بثلاث صفات أساسية هي: الحسية والانفعالية واللانفعية، فصفة اللانفعية تقتضي أن تتوجه الذات إلى موضوعها دون الحاجة إلى استخدامه واستهلاكه النفعي أو الخدمي.
فالشعر هو نتاج للتجربة الجمالية وهو بعيد عن النفعية ولا يمكن أن يكون تجريدًا مفهوميًّا أو ذهنيًّا أو منطقيًّا، فهو ليس انعكاسًا للأيديولوجية، "بل هو انعكاس لكل من التجربة الذاتية والوعي العام"
فهو بذلك يتقاطع مع الأيديولوجية لكنه لا يُمثلها ولا يتأسس على أطروحاتها السياسية والأخلاقية.
أخيرًا؛ إنَّ هذا الكتاب قد أوضح كثيرًا من المسائل المتشابكة من مسائل الحداثة الشعرية وبيَّن جوانبها المتعددة من حيث نشأتها وفروقها مع الكلاسيكية القديمة والمعاصرة.
فكانت لغة الكتاب بين التقريرية والتحليلية ففي كل قسم يورد بعض المقاطع من الشعر الحديث ويبين جوانبه بحسب الفكرة التي كان يشرحها.
اعتمد كثيرًا على علم الجمال بوصفه الركيزة الأساسية التي ارتكز عليها الشعر الحديث والنقاد الحداثيون لِما رأوه تلبية للحاجة الاجتماعية للوعي الثقافي.
معلومات الكتاب:
اسم الكتاب: وعي الحداثة.
اسم الكاتب: د. سعد الدين كُليب.
دار النشر: مطبعة اتحاد الكُتّاب العرب (دمشق).
تاريخ النشر: 1997 ط 1.
عدد الصفحات: 161 صفحة.