مراجعة كتاب (لماذا العلم؟): العلم والأمية ومفاتيح فهم العالم
كتاب >>>> الكتب العلمية
كما أنَّ دراسة العلم مهمَّةٌ أيضاً كي يستطيع الإنسان المساهمة في التّقدُّم والتّطوُّر.. فقد اعتمد "جيمس وات" على ما درسَهُ في علوم الفيزياء والرّياضيات ليستطيع تطوير المحرّك البخّاريّ الّذي كان يستهلكُ الكثيرَ من الفحم ويبدّدُ الكثير من الطّاقة.
ومن ثمَّ يتطرَّق إلى مصطلحِ "المنهجِ العلمي" والّذي يتضمَّن خاصّيتي الملاحظة والاختبار، فالملاحظة تعتمد على المشاهدة، كما فعل (تايكو براهي) بجمعه بياناتٍ دقيقةً عن مواقع الكواكب في السّماء.
أمّا الاختبارُ -كما يصفه الكاتب- فيتضمَّن مقارنةً بين تنبؤات الإنسان الّتي يستنتجها من النّظريات الّتي يعرفها، وبين ما يحدث فعلاً في الطّبيعة.. وما فعله (إدموند هالي) هو مثالٌ على ذلك بتطبيقه لقوانينِ نيوتن على المذنبّات، ليتمكَّن من تحديد مدارات أربعٍ و عشرين مذنباً من بينهم ثلاثةُ مذنباتٍ ذاتُ مداراتٍ متطابقةٍ، ليكتشف بعدها بأنّها مذنَّبٌ واحدٌ يعودُ ثلاث مرّات، وأُطلِقَ على هذا المذنَّب لاحقاً "مذنّب هالي" تكريماً له.
كما ذكر الكاتب صفةً أخرى للمنهجِ العلمي ألا وهي قدرته على كشفِ الأخطاء والخداع المتعمَّد، ويذكر مثالاً عن اثنين من العلماء اللذين أعلنا أنهما نجحا في عمل انصهارٍ نووي بارد في معملهما، واستغرق المجتمع العلمي شهراً من الزمن ليعلن بدوره رفضه لهذه المزاعم بسبب عيوبٍ فنية في التجربة الأصلية وفشل الباحثين الآخرين في التوصل إلى نفس النتائج وفق ظروفٍ مضبوطةٍ ومحكمة.
ولنجاحِ العلم دورٌ في نشوء نوعٍ من "المحاكاة الفكرية التنكرية" ويقصد بها أحداثٌ متتابعةٌ تحاول أن تظهر في صورة العلم وتزعم بأنها علم، ولكنها ليست كذلك، وتحمل جميعها اسم "العلم الزائف". وتتضمَّن هذه الأحداثُ التنجيمَ ومثلث برمودا والأجسام الطائرة المجهولة وزواراً من خارج الأرض لكوكبنا والصور المختلفة للنشوء من العدم، كأمثلة لا أكثر.
أما القسم الأكبر من هذا الكتاب فيتضمَّن محو الأميةِ العلميةِ وأفضلَ السبلِ لتحقيقِ ذلك. ويعرِّفه الكاتب بأنَّ توافر المعارف التي يفترض أهل العلم في زمان ومكان محدَّدين أنها متوافرة لدى غيرهم من الناس. فيمكن أن تتضمَّن أحد الصحف مقالاً عن مكسيكو سيتي دون ذكرِ الكاتبِ أو المحرِّر بأنَّها عاصمة المكسيك، إذ يفترضُ كُلٌّ منهما بأنَّ القراء على علمٍ مسبقٍ بهذه المعارف.
ومن ثُمَّ يذكر الكاتب نوعين من المعارفِ الأوليةِ التي تتضمَّن كلاً من المعارفِ العلميةِ والمعارفِ الثقافية، وتتضمَّن المعارفُ الثقافيةُ فكرةً مفادها بأنَّ المواطنين بحاجةٍ إلى معرفةِ أشياءَ معينةٍ لأنَّ آخرين سيقولون بأنهم على علمٍ بها، بينما تتضمَّن المعارفُ العلميةُ المعارفَ التي يحتاج إليها الناس لكي يتمكنوا من المشاركة في مختلف أشكالِ الحواراتِ التي سوف تشملهم كمواطنين، وهي لا تتعلَّقُ بالرياضيات، فأفكار العلم الأساسية هي أفكارٌ شديدة البساطة ويمكن لأي امرئ أن يفهمها دون الرجوع إلى عباراتٍ رياضيةٍ طنَّانة، كما لا تتعلَّق بالممارسة العلمية للعلم إذ يعتبرُ الكاتب أنَّ الفكرة القائلة بأنَّ "الهدف من تعلم العلم هو إنجاز التعليم على مستوى ما" هي فكرةٌ مضلِّلةٌ، وكذلك لا تتعلَّق بالكفاءة التقنية فإيقاع التغيير في مجال الإلكترونيات سريعٌ جداً بحيث أن أيَّ شيءٍ يتعلمه الطلاب (كبرمجة جهاز تسجيل الفيديو) سيغدو أمراً عقيماً بالياً حالَ تخرُّجهم.
كما يذكر الكاتب برهاناً من حياة المواطنين حول حاجتهم إلى المعارف الأولية العلمية، فحتى يساهم المواطن في نقاشٍ حولَ موضوعٍ كالاستنساخ يجب أن يكون على علمِ بأنَّ الاستنساخ يتضمَّن نزع المادة الوراثية (DNA) من بيضةٍ ملقحةٍ واستبدالها بمادةٍ وراثيةٍ لكائنٍ حيٍّ آخر كامل النضج لكي تنمو الخلية الجديدة وتصبح كائنًا مكتملاً تماماً.
ومن ثُمَّ برهانٌ من الثقافة، فالشخصُ الذي لم يسمع بحياته عن شكسبير أو موتزارت سوف يعتبره المجتمع غير مثقف. وأخيراً برهانٌ من عالمِ الجمال، فعندما تعشق رياضة كرة القدم سوف تلاحظ جمالَ اللعب والصراع على الكرة بين لاعبي قلب الهجوم بينما لن يلقَ ذلك اهتماماً كبيراً من هاوٍ جديدٍ لهذه الرياضة، ويتخذُ الإحساس بالجمال في الاشتغال بالعلم المنوال ذاته، إذ يستلزم خلفيةً من المعارف لكي يدركه المرء ويقدره.
ولكن كي نستطيع تحقيق هذا الهدف، ألا وهو محو الأمية العلمية، يجب أن نعرف حالة المعارف الأولية العلمية لدى المواطنين ومدى انتشار المعرفة الصحيحة للعلم بينهم، فالمعارف الأولية العلمية هي المعارف التي يحتفظ بها الشخص لا المعارف المكتسبة (مثالٌ على ذلك المعارف التي يحتفظ بها طالب المدرسة بعد الامتحانات النهائية). ولتحقيق هذا الهدف قام جون ميللر بإجراء اختبارٍ يتضمَّن عدداً من الأسئلة المحدَّدة، كما تمَّ وضع برامجَ محدَّدة لتقييم المعارف الأولية العلمية اعتمدت على مبدأ مماثلٍ للامتحان النهائي (فسيحتفظ الشخص بمقدارٍ كبيرٍ من المعرفة في فترة تاليةٍ من حياته). وقد تمَّ أيضاً وضع نظرية الإجابة عن المفردات لتحليل نتائج اختبارٍ ما بمقارنة الإجابات على الأسئلة المطروحة وذلك لمعرفة مدى انتشار المعارف الأولية العلمية بين المواطنين.
ثمَّ يأتي الكاتب على ذكر الفارق بين هدف العلم لدى كُلٍّ من الناس العاديين أو رجال الأعمال وبين العلماء. فالعلم لدى المجموعة الأولى هو ذو قيمةٍ كبيرةٍ لتحقيق مكاسب اقتصادية، بينما لدى المجموعة الثانية فهو شيءٌ ندرسه لذاته وليس لتحقيقِ أي مكسبٍ اقتصادي. فغاية العلماء هي إجراء البحوث الأساسية، وهي بحوثٌ هدفها معرفة المزيد عن الطبيعة، ودفع حدود المعرفة إلى نطاقٍ أبعد في مجال المجهول.
أما بالنسبة لقوانين الطبيعة فنادراً ما يمكن تطبيقها على حاجاتٍ بشريةٍ محددة، إذ يتعين بذل بعض الجهد لنقل شيءٍ ما من المعمل إلى الموضع المحدد الذي يمكن استخدامه فيه، وهذه هي مهمة البحوث التطبيقية، فقد ساهمت هذه البحوث في تطوير الحواسيب من أجهزةٍ ضخمة الحجم بحيث تشغل غرفاً عديدةً إلى اللاب توب الذي يزن كيلوغرامًا واحد أو أكثر بقليلٍ فقط.
كما يتحدث الكاتب عن التطوير، فوظيفة التطوير هي استبيان أنَّ التطبيقَ النهائي لنتائج المبادئِ العلمية يتمثل في منتجٍ يؤدي الوظيفةَ التي يتوقعها الناس. ولنأخذ مثلاً الأصباغ، فعندما يدهن أي شخصٍ منزله ينتقي لوناً يُكسب البيت جمالاً، ولكنه يتوقع أيضاً أن يؤدي الدِّهان إلى حماية البيت من الطقس، ويلتصقَ جيداً بالجدران الخارجية، فالمتطلبات الجديدة لما يريده المرء من الدِّهان مثلاً تشيرُ إلى ما يدعى بالتطوير.
وتنبع أهمية معرفة تاريخ تعلُّم العلم من وجودِ أفكارٍ كثيرةٍ في مجالِ تعليمِ العلمِ لها عملياً تاريخٌ طويلٌ، وإنَّ معرفتنا بتاريخ هذه الأفكار تهيئ لنا منظوراً يفيدنا كثيراً في التعامل معها اليوم.
ولكن يتبادر إلى ذهننا دوماً سؤالٌ حولَ أسباب انتشار الأمية العلمية أو عدم توافر المعارف الأولية العلمية، وحول المسؤولِ عن ذلك. ويذكرُ الكاتب بالتفصيلِ بأنَّ أحدَ هذه الأسباب يعود إلى موقف المجتمع من العلم، وكذلك عدم استجابة المؤسسات التعليمية لهذه المشكلة، إذ يجب حثُّ هذه المؤسسات على العمل بجدٍّ ونشاط كي لا يتحوَّل الجيل التالي إلى جيلٍ أميٍّ علمياً أيضاً.
وبينما لتعليم العلم هدفٌ أساسيٌّ ألا وهو تلقينُ الإنسان المعارف الأولية العلمية إلَّا أنَّ هنالك أهدافاً أخرى بديلة، وذلك حسب وجهة نظر بعض العلماء مثل موريس شايموس، إذ إنَّ امتلاك الشخص لخلفيةٍ أساسيةٍ تمكنه من قراءة مقالٍ في صحيفةٍ ليس كافياً في نظرهم، ولا يكون مثقفاً علمياً إلَّا إن كانَ قادراً على الوصول إلى نتائجَ مستقلَّة بشأن القضايا العلمية مستخدماً نوع الاستدلال العقلي ذاته الذي يستخدمه العالم المهني.
ومع ميلادِ الحاسوبِ الرقمي أصبح هنالك نوعٌ من العلم الجديد، فكان العام 2000 م عاماً ملحمياً، ولم يكد الناس ينتهون من الاحتفال بالعام الجديد حتى تمَّ إعلان اكتمال مشروعٍ علمي مذهل استمرَّ لعدة سنوات ألا وهو تحديد تسلسل الجينوم البشري. والجينوم البشري بالتعريف هو مجموعُ المعلومات التي تنتقل من جيلٍ إلى جيلٍ لأيٍّ من الكائنات الحية إلى ذريتها، وتحتوي على كل المعلومات اللازمة لأداء كيمياء الكائن العضوي الحي. لكنَّ هذا المشروع كان سيستغرقُ وقتاً طويلاً وكان ليكلِّفَ تكاليفَ باهظةً لولا أن ظهر كريغ فنتر واستخدم تقنيةً تدعى بالهجمة الخاطفة "Shotgun"، واعتمد في تقنيته هذه على تقسيم الجينوم البشري إلى أقسامٍ صغيرةٍ ليتولَّى بعدها حاسوبٌ تنسيق القطع المتماثلة وجمع كامل الجينوم الأصلي.
وأخيراً يذكر الكاتب مفهوم "الأفكار الكبرى" والتي يسميها أيضاً المبادئ الكونية الأساسية، وهي عددٌ من المبادئ العامة التي إن أخذتها معاً تفسر لكَ عمل الكون بأكمله، فهي اللُّب والهيكل العام لأسلوب العلماء في النظر إلى العالم، وهي التي تعطي نظرتنا إلى الكون شكلها وصورتها. ويذكر الكاتب بعضاً من هذه الأفكار الكبرى ويناقشها بالترتيب.
وختاماً يقتبس الكاتب قول كارل ساغان:
"خططنا لحضارةٍ كوكبيةٍ تعتمد أكثر عناصرها حسماً على العلم والتكنولوجيا، وخططنا كذلك لأمورٍ بحيث لا أحد يفهم العلم والتكنولوجيا، وهذه وصفةٌ لكارثة."
معلومات الكتاب:
الكتاب: لماذا العلم؟
تأليف: جيمس تريفيل
ترجمة: شوقي جلال
طباعة: منشورات عالم المعرفة
الترقيم الدولي: 9-301-0-99906-978