الاختناقات المرورية الوهمية
الرياضيات >>>> الرياضيات
يمكنك بناء أنموذج استنادًا إلى افتراضٍ بسيط بأن سائقي المركبات يغيرون سرعاتهم تبعًا للمسافة بين المركبة والأخرى التي تتقدمها، فإذا قلّت المسافة بين مركبتين، يضغط السائق المكابح بدايةً، مسببًا تباطؤ المركبة التي تليه. أما إن زادت تلك المسافة، فسيتسارع السائق في المقدمة بالغًا سرعةً ضمن الحدود المسموحة، وهذا ما يحصل في الواقع تمامًا.
لتلافي أي تعقيد في الأمر، فلنفترض أن عددًا من السيارات تنتقل ضمن مسار واحد حول دوّار، يبدو الأمر أقل واقعية مما سبق، لكنه يمكّننا من افتراض أن عدد المركبات لن يتغير، الأمر الذي يسهل تطبيق الرياضيات في هذه المسألة.
من السهل نسبيًّا وصف موقف كهذا باستخدام معادلات تعبر عن تسارع كل مركبة استنادًا إلى سرعتها الحالية والمسافة التي تفصلها عما يتقدمها من مركبات، فحل هذه المعادلات باعتبار قيم محددة للسرعة الابتدائية وتوزيع السيارات، يمكّننا من تحديد سرعة كل سيارة في أي وقت معطى.
يعد أنموذجنا هذا بسيطًا، فمن المتوقع أن تنتظم حركة المرور ضمن تدفق دائري حول الدوّار المفترض، إذ إن النماذج كهذا تتنبأ بتوازن منتظم في التدفق، مستقرًا إلى حد لن تؤثر فيه أية تغييرات طفيفة، الأمر الذي نريده تمامًا في حياتنا الواقعية، لكننا نعلم أنه في الحقيقة تجري الأمور بما لا نشتهي.
تفاعل السلسلة
أحد الاعتبارات نافذة الأهمية والتي ينقصها هذا الأنموذج هي حقيقة أن السائقين ليسوا بآلات؛ فقد يشغل الراديو انتباههم في أثناء القيادة، ولربما حادَثوا أطفالهم في المقعد الخلفي. في المجمل، لا يستجيب السائقون فورًا لأي تغيير في المسافة مع المركبات في المقدمة، وأي تأخير في الاستجابة سيحدث فرقًا كبيرًا في قوة كبح الفرامل، ومن ثم يمكننا إضافة "مقياس مدة تأخر رد الفعل" لافتراضنا السابق، الأمر الذي يغير بالفعل في الطبيعة العامة لهذا النظام الديناميكي.
تنبأت نماذج رياضية لحركة المرور بالازدحام المروري المنتشر خلفًا، إذ لوحظت ضمن تجربة واقعية أعادت بناء التركيب البسيط المذكور سابقًا، 22 مركبة تتحرك حول دوّار، بسرعة ثابتة تبلغ 30 كيلو مترًا في الساعة، وعلى الرغم من أن حركة المرور بدأت متدفقة بسلاسة، فإن ازدحامًا لا بد من أنه ناشئ من تباين طفيف في السرعات.
لا تقتصر أهمية النماذج الرياضية على كونها تفسر الظواهر المُربِكة وحسب، بل تساعدنا لتجنبها أيضًا. فبالعودة إلى الأنموذج السابق، يُمْكِنُنَا -بتقليص مدة رد الفعل إلى أدناها- أن نتفادى الاختناق المروري. تفيدنا هذه النماذج أيضًا في تخمين أهمية بضعة الأمور (كحدود السرعة المتباينة والسماح بمسافة آمنة بين المركبات)؛ التي تساهم في توجيه حركة المرور خارج الازدحام، منظمة إياها ضمن تدفق منتظم، على أمل أن تنشَئ الطرق مستقبلًا استنادًا إلى الرياضيات.
أنموذج مروريّ
هب أن لدينا العدد n من السيارات، التي يرمز لإحداها (i) بالرمز، ولسرعتها vi(t) في اللحظة الزمنية t، أما المسافة بين أي مركبتين (i) و(i+1) فيمثلها الرمز hi(t) الذي يمكن التعبير عنها بالصيغة الآتية، برصدِ التغيير في تقدم إحدى السيارتين على الأخرى، والناجم على نحوٍ رئيسٍ عن التغيير في السرعات.
dhi(t) / dt = vi+1(t) - vi(t)
في أنموذج السرعة المثلى، يوصف التسارع dhi(t) / dt للمركبة (i) بالمعادلة التفاضلية الآتية:
إذ إن المعامل α هو رمز يعبّر عن درجة الحساسية (عمليًّا هو يعبر عن سرعة الاستجابة للتغييرات)، أما الرمز V(hi(t)) فيسمّى (Optimal velocity) أو (السرعة المثلى) وهو أنموذج يعبر عن تدفق حركة المرور اقترحه العالم Bando [2].
قد يكون التابع V(hi(t)) أي نوع من التوابع التي تحقق ظروفًا واقعية، فعلى سبيل المثال، بازدياد المسافة بين مركبة وأخرى، تزداد السرعة المثلى حتى تصل إلى حد السرعة المسموح، مما يعكس رغبة السائقين في الإفراط سرعةً متى استطاعوا.
تبين المعادلة أعلاه أن السائق سيعجّل سرعةً إذا لم تتجاوز سرعة المركبة الأولى القيمةَ المثلى، وإن حصل العكس، سيسحب السائق الفرامل. أما في حال تساوت السرعتان، فلن يتطلب الأمر استجابةً.
نستنتج من المعادلة الثانية أن سائقي المركبات يستجيبون لأي تغيير في المسافة الفاصلة بين المركبة والتي تسبقها، بالتحكم في سرعتهم زيادةً أو نقصانًا، ومن الممكن تضمين عامل "مدة رد الفعل" في صياغة المعادلة لنحصل على الآتي:
وقد تفيد السيارات الذاتية القيادة في هذا السياق بدرجة أكبر مما نتخيل؛ نظرًا لإمكانية ضبط السرعة بدرجة عالية من الدقة، ورصد بيانات حركة المرور عن بعد، لاتخاذ قرار بالغ الفاعلية بالتباطؤ أو التعجيل حسب ما تقتضيه حركة المرور.
المصادر:
1- هنا
2- هنا
3- هنا