لعنة الثروات الوطنية - المرض الهولندي
الاقتصاد والعلوم الإدارية >>>> تمويل وتنمية
بدأ الحديث عن "المرض الهولندي" في صحيفة The Economist عام 1977 بعد اكتشاف حقلٍ كبيرٍ للغاز سنة 1959 في بحر الشمال ضمن مياه "هولندا"، مما زاد عوائد الصادرات وتدفقات رؤوس الأموال من الخارج لقطاع الغاز على نحوٍ كبير؛ الأمر الذي أدّى إلى ارتفاع قيمة العملة الوطنية كثيرًا في خلال مدة زمنية قصيرة، مما زاد لاحقًا في ارتفاع معدلات البطالة وانخفاض في حجم التصنيع.
فارتفاع قيمة العملة الوطنية على نحوٍ كبير قد جعل السلع غير النفطية المُنتَجة محليًا ذات تنافسيةٍ أقل على المستوى المحلي والدولي نتيجة ارتفاع أسعارها مقارنة بالسلع المنافسة فزادت أحجام المستوردات، وهو ما أدى بدوره إلى انخفاض حجم الإنتاج ومستوى التشغيل، وفي النهاية زادت معدلات البطالة من 1.1% إلى 5.1%.
بذلك أصبح مصطلح "المرض الهولندي" ذا استخدامٍ واسع في الأوساط الاقتصادية لوصف متناقضة (الأثر المزدوج) الناتجة عن الأخبار التي قد تبدو جيدة مثل الاكتشافات الجديدة للثروات الوطنية، ونتائجها ذات الأثر السلبي على الاقتصاد، وهو ما حدث لاحقًا في "بريطانيا" في السبعينيات عندما تضاعف سعر النفط أربع مرات؛ مما دفعها للتنقيب في بحر الشمال للاستفادة من الأسعار المرتفعة، فتحولت "بريطانيا" من مستوردٍ كامل للنفط إلى مصدِّرٍ كامل؛ أي أنَّ قيمة الصادرات زادت على نحوٍ كبير، وهذا ما أدى إلى انخفاض تنافسية السلع المحلية وارتفاع معدلات البطالة تمامًا كما حدث في "هولندا".
تلك الظاهرة حُدِّثَ عنها في بلدان كُبرى أيضًا مثل "روسيا الاتحادية" و"أستراليا" و"كندا".
تعددت الأدبيات الاقتصادية التي تتحدث عن هذه الظاهرة، وكان من أوائلها Corden and Neary عام 1982؛ اللذان شرحا آلية حدوث "المرض الهولندي"؛ إذ أنَّ تأثير فقاعة قطاع الطاقة يتكون من الجزئين الآتيين:
1- تأثير انتقال الموارد، مثل انتقال العمالة من قطاع التصنيع إلى قطاع الطاقة نتيجة الفروقات في الأجور، وهو ما سبب التراجع الصناعي على نحوٍ مباشر.
2- تأثير الإنفاق؛ إذ تؤدي فقاعة قطاع الطاقة في البداية إلى زيادة حجم الدخل القومي -وهو حجم الدخل الكلي المتحقق في بلد ما؛ ويشمل الأجور، والأرباح، والفوائد، والريع- مما يؤدي إلى زيادة الطلب الكلي نتيجة زيادة دخل الأفراد، وبالتالي القوة الشرائية؛ خاصة في قطاع الخدمات من كلا القطاعين العام والخاص. وتلك الزيادة تؤدي إلى زيادة مخرجات ذلك القطاع (مدفوعةً بزيادة الطلب) التي تدفع إلى زيادة المستوى العام للأجور في الاقتصاد، وهذه الزيادة في النهاية تُقلِّصُ أرباح قطاع التصنيع لأنَّ أسعار منتجاته محكومة بالمنافسة الدولية.
للتخفيف من آثار الاكتشافات الجديدة للموارد، يجب على الحكومات تبنّي سياساتٍ تحدُّ من تلك الآثار.
أجرى الباحثانKhinsamone و Taguchi عام 2017؛ بحثهما حول أثر "المرض الهولندي" في اقتصادات بعض الدول الأعضاء في رابطة دول جنوب شرق آسيا “ASEAN” الغنية بالموارد.
وجدا أنه يجب على الحكومات تبني آليةٍ تمويلية لتخصيص عائدات الثروات المُكتشفة إلى الإنفاق الاستثماري وليس الاستهلاكي (للتخفيف من أثر الإنفاق). مثلًا قد تضع الحكومات محفزات لتشجيع الاستثمار كالمحفزات الضريبية والتسهيلات والإعانات، أو التحفيز على خفض الاستهلاك؛ مثل فرض ضرائب الاستهلاك والقيود الجمركية، فضلًا عن توسيع قاعدة الصناعات المحلية وتنويعها؛ أي تخفيف الاعتماد على القطاع المُتسبب بالفقاعة وتحسين بيئة الأعمال لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر، إضافةً إلى تحسين الجودة المؤسسيَّة (مثل القوانين والتشريعات ومُختلف القواعد السائدة في المجتمع) وذلك لدعم حوكمة استخدام الموارد المُكتشفة -استخدامٌ كفء للموارد-، وكل ذلك بغرض تحويل تلك الموارد من نقمة بسبب تأثير المرض إلى نعمة.
تحدث أيضاً Van Wijnbergen عام 2008 عن منهج السياسة المالية الجيدة في هذا الخصوص ويُسمى "منهج الدخل الدائم" (permanent income approach)، ويطبَّقُ في حالة الموارد الاستخراجية فقط.
يتضمن هذا المنهج حسابَ صافي القيمة الحالية للإيرادات المتوقعة من الموارد المُكتشفة كافة وهو ما يُعطي القيمة الحقيقة للإيرادات المستقبلية؛ والتي تُحسب بوصفها دفعاتٍ سنوية ثابتة، ويوصي هذا المنهج بأن يُقَّيد الإنفاق الحكومي بقيمة تلك الدفعات المتوقعة، وتوفير الفائض للمستقبل؛ أي موازنة الإنفاق مع الإيرادات المتوقعة. ذلك من شأنه تخفيف التقلبات الشديدة التي قد تحصل في أسعار السلع نتيجةَ زيادة الطلب الكبير عليها، إضافةً إلى إمكانية الحكومة الحصول على التمويل اللازم للإنفاق العام عند نفاد الثروات المُكتشفة نتيجة ترشيد الإنفاق؛ وهو ما يُسمى بصقل الإنفاق spending smoothing؛ أي جعل منحنى الإنفاق عبر الزمن مُمَهدًا وقليل التقلبات.
المصادر:
1- هنا
2- هنا
3- هنا
الدراسات المرجعية:
1- هنا
2- هنا
3- هنا