الحربُ في سورية تضع بصماتها على صحّة الإنسان
الطب >>>> مقالات طبية
وقد وضعت سنوات الحرب في سورية بصمتها على الرعاية الصحية والأمراض المزمنة منها والمُعدية، فعلى سبيل المثال: أشارت منظمة (أطباء بلا حدود) أنّ مرضى التلاسيميا في شمال سورية واجهوا صعوباتٍ في تلقي العلاج ونقل الدم اللازم لهم.
إذ لا يخفى على أحد الآثار السلبيّة التي تتركها الحروب وخصوصاً في الأطفال والنساء؛ فالأطفال يملكون بِنيةً ضعيفةً غير قادرة على تحمّل تَبِعات الحرب من إصابات أو نزوح، وكذلك تحتاج النساء إلى رعايةٍ وعنايةٍ صحيّةٍ خاصّة ولا سيما في حالات الحمل والولادة.
وعلى الرغم من البيانات المحدودة فيما يخصُّ صحة الأطفال والنساء؛ فقد أُقيمت العديد من الدراسات؛ منها دراسةٌ تهدف إلى تقييم صحّة المرأة في سورية بعد عام (2011) م فيما يخصُّ الحمل والرعاية في فترة ما قبل الولادة والولادة، وتحديد العقبات والتحدّيات التي تواجه تقديم الرّعاية الصّحيّة في شمال غرب سورية.
شملت إحدى الدراسات الحالةَ الصحية لـ (7213) سيدة مع إجراء استبيانٍ على (134) سيدة أخريات يتناولُ فيها رعايتهن قبل الولادة، وقد أظهرت النتائج أن (24%) من النساء الحوامل في عام (2017) كُنَّ من المراهقات، منهن (0.44%) في عمر 14 عاماً!
وفيما يتعلّق بزيارات السّيّدات لطلب رعاية ما قبل الولادة؛ فإن (85%) من المشاركات بالدراسة لم يجرينَ أيّة زيارة في خلال الثّلث الأول من الحمل، و(82%) منهنّ لم يجرينَ أيّة زيارة في خلال الثّلث الثّاني، و(44%) لم يجرينَ أيّة زيارة في خلال الثّلث الأخير من الحمل.
ثم إن (31%) من المشاركات بالدراسة لم يجرينَ أيّة زيارة قبل الولادة طيلة فترة الحمل، وفي المقابل؛ حصلت (13%) فقط من المشارِكات على زيارة رعاية تالية للولادة.
وهنا تجدرُ الإشارة إلى أنّ عدد الزيارات الموصى بها من منظّمة الصّحّة العالميّة هي أربع زياراتٍ لتحقيق معايير المنظمة الخاصّة برعاية ما قبل الولادة المركّزة (FANC)، وهي المعايير التي اكتشفت الدراسة أنّ (14%) فقط يحققْنَها من النساء اللواتي يوجدن داخل مخيّمات اللجوء.
إذ قدّرت الدّراسة أنّ عدد أطباء النّسائيّة والتوليد لكل 1000 نسمة هو (0.02)؛ وبذك نجدُ أنّ هناك نقصاً حاداً في عدد أطبّاء النّسائيّة الرّاعينَ لهذه الفئة من السّكان، إضافة إلى أنّها أظهرت نقصاً في رعاية ما قبل الولادة وما بعدها، وارتفاع عدد المراهقات الولودات، وكذلك زيادة نسبة الولادة القيصرية إلى الولادة الطبيعية التي كانت أعلى ممّا أوصت به منظمة الصّحّة العالميّة.
وقد أفادت البيانات التي جمعتها منظمة أطباء بلا حدود -بين عامَي (2013 و2016)- تحديد الأمراض المنتشرة في بعض المناطق السّوريّة والأمراض التي يُمكِن السيطرة عليها عن طريق اللقاحات، ووجدت أنّ غالبية الاستشارات الطّبيّة للأطفال الذين لم يبلغوا سنّ الخامسة تعود إلى أمراضٍ معديةٍ مثل التهابات الجهاز التنفسي الحادّة والإسهال المائي، وارتفعت نسبة الاستشارات بالأمراض الوبائيّة لدى الأطفال: من (15%) عام 2013 إلى (51%) عام 2014، ثم (75%) عام 2015، ثم (70%) عام 2016.
أمّا فيما يخصّ مرض الرّبو؛ فمن المعروف أنّ ارتفاع معدل انتشاره يُسبّب أضراراً اجتماعيّة واقتصاديّة؛ إذ قَدَّر تقرير الشّبكة العالميّة للربو لعام (2018) أن هناك (339) مليون مريض بالرّبو في أنحاء العالم بمعدّل انتشار (14%)، وهو يؤدّي إلى الوفاة المبكّرة والإقامة في المشفى وانخفاض الإنتاجية وجُودة الحياة.
وقد ارتبطت مناطق النّزاعات بارتفاع معدّل الإصابة به؛ فقد أدّت النّزاعات إلى زيادة أعراض الرّبو وزيادة انتشاره في بيئاتٍ متعددّةٍ، وقد أشارت تقارير إلى أنّ (70%) من السّوريّين المصابين بالرّبو والمراجعين للعيادات الخارجية بلَّغوا عن بدء ظهور أعراض الرّبو لديهم بعد بداية الحرب، في حين أظهر استبيانٌ آخر أُجرِي على مهجّرينَ داخلياً في خلال الحرب في سورية أنّ (44%) من السّوريّين غير المشخّصِين سابقاً بالرّبو والمقيمين في ملاجئ إحدى المناطق عانوا نوباتٍ من الوزيز أو السّعال أو ضيق التنفّس في أثناء الليل؛ ممّا يشير إلى ربوٍ غير مشخص، أمّا لدى المصابين بالرّبو ضمن الملاجئ؛ فقد بلّغ (70%) منهم عن زيادة أعراض الربو سوءاً لديهم مع انخفاض نوعية الحياة لدى أغلبهم منذ دخولهم الملاجئ.
وعموماً؛ فإنّ تفاقم الربو يمكن أن يكون مرتبطاً بالعديد من العوامل المتعلّقة بالحروب، منها عدم استخدام العلاج على نحوٍ كافٍ؛ وقد يكون ذلك بسبب عدم القدرة على الحصول عليه أو نقص المدخول المادي، ففي الاستبيان السابق على سبيل المثال؛ كانت النسبة التي تستخدم الكورتيكوستيروئيدات الاستنشاقية يومياً (4.3%) فقط مقارنة ب (30.6%) في الماضي؛ مما يشير إلى استخدامٍ غير كافٍ للأدوية أدّى إلى تفاقم أعراض المرض لدى المقيمين في الملاجئ.
وهناك عاملٌ آخر محتمل وهو زيادة التّعرّض للمثيرات البيئيّة المختلفة، وكذلك ارتفاع معدّل التدخين على نحوٍ ملحوظٍ في الملاجئ (من 34.7% إلى 51.7%) على الرّغم من عواقب التدخين السّيئة على مرضى الرّبو.
وإضافة إلى ذلك؛ وفي كثير من الحالات يسهم الاضطراب النّفسيّ -وخاصّةً اضطراب ما بعد الصّدمة- في تفاقم مرض الربو؛ إذ بيّنَ أحد التحاليل التلوية (meta analysis) أنّ الاكتئاب يزيد من خطر الإصابة بالرّبو لدى البالغين بنسبة (43%).
ويسهم الاكتئاب في زيادة الإصابة بالرّبو بآلياتٍ متعدّدةٍ منها: ارتباط الاكتئاب بمستوياتٍ جهازيّةٍ عاليةٍ من الوسائط الالتهابيّة وخاصّةً (IL4 – IL6 –INF-a) والتي لها دورٌ أساسيٌّ في الإصابة بالربو، وكذلك التأثيرات العصبيّة الغدّيّة الصمّاويّة للاكتئاب التي قد تربطه بحدوث الربو، وأخيراً يميل الأفراد المصابون بالربو إلى زيادةٍ في التّدخين والسّمنة وهذه الحالات تزيد من خطر الإصابة بالربو.
وخلاصة القول: إنّ سنوات الحرب حملَتْ آثاراً سلبيةً كثيرةً على صحّة الإنسان إمّا من خلال مخلّفاتها أو عن طريق إنهاكِها لأُسس الرّعاية الصّحيّة مع شُحّ المعدات والأدوية، ناهيكَ عن تأثيراتها السّيّئة في الصّحّة النّفسيّة وهي التي تُؤثّر بذلك في الصّحّة الجسديّة، وما هذا المقال إلا دعوةً للسّلم لعلّنا نُنقِذ ما لا يمكن تعويضه... الإنسان!
المصادر:
1-هنا
2-هنا
3-هنا
4-هنا
5-هنا
6-هنا
7-هنا