أنت تشهد صراعًا حادًا على الصعيد الخلوي!
البيولوجيا والتطوّر >>>> بيولوجي
راودَ هذا التساؤل الباحث ياسووكي فوجيتا (Yasuyuki Fujita) من جامعة هوكايدو اليابانية (Hokkaido University)، فقرَّر أن يحاكي حالة المجتمع الخلوي بزرع خلايا كلوية في طبق بتري، وطفَّر جينات راس المُؤهَّبة للتسرطن (Ras) في جزء منها. وعن طريق عدسة مجهرِه راقب عواقب الطفرات التي أدرجها متوقِّعًا تضاعف الخلية المسرطنة وتمدُّدها لتشكِّل بدايات الورم، ولكنَّه فوجئ بردِّ الخلايا السليمة المجاورة التي تغلَّفت بخيوط بروتينية، وثابرت على "وخز" الخلايا المحوَّرة على حدِّ تعبيره، ونجحت آلية الخلايا السليمة في إقصاء مجاوراتها المحوَّرة.
وحازت ملاحظة (فوجيتا) على اهتمام المجتمع العلمي؛ كونها الإشارة الأولى لتنافس خلايا الثدييات.
وتوجه فريق (فوجيتا) إلى إجراء دراسةٍ لدى الجنين، فجهَّزوا خلايا جذعية جنينية بطفرة عاليةِ التنافسية تُقلِّل من إنتاج بروتين P53، وعندما حقنوا هذه الخلايا في جنين فأر، استولت على النسيج الجنيني.
وعدَّ توماس زاوكا (Thomas Zawka) -الباحث في حقل الخلايا الجذعية- هذه الملاحظات دليلًا دامغًا على أنَّ الخلايا لا تلتزم بقوانين صارمة في أثناء وجودها ضمن النسيج.
والأبحاث الموسَّعة في هذا المجال تخبرنا بأنَّ الخلايا تعتمد على آليات متنوعة لاستبعاد منافسيها، فقد تلجأ إلى دفعهم خارج النسيج ميكانيكيًّا، وتحرضهم على الانتحار الخلوي، وتبتلعُهم أو تفكِّكهم بآليات جزيئية دقيقة للغاية!
إذًا، نحن معرَّضون لأن نشهد صراعات على الصعيد الخلوي!
وتقدِّم الأنسجة -كأي مجتمع آخر- مبرِّرات لنزاعاتها تحت مسمَّى "التنافس الخلوي" “cell competition”. وقد اكتُشِفت هذه الظاهرة قبل أربعة عقود في ظهارة ذبابة الفاكهة (drosophila melanogaster).
إنَّ التغييرات في التمثيل الاستقلابي الخلوي أو في القطبية التوجُّهية (القمِّية-القاعدية) قادرة على تحريض الحالة التنافسية.
ويمكننا تقريب مفهوم التنافس الخلوي إلى نظرية الاصطفاء الطبيعي في تجمُّعين خلويَّين متغايرين نسبيًّا، وتتمتَّع الخلايا ذات الخصائص التكيُّفية الأعلى بأفضلية تسمح لها بالتفوق والازدهار على حساب الخلايا الأقل قدرة على التكيُّف.
وتؤدي هذه الظاهرة دورًا مهمًّا في تطور الكائن الحي والمحافظة على حيوية أعضاءه كالجلد والأمعاء، وتُشير الأبحاث إلى أنَّ رُبع الخلايا الشاغلة للجلد تحمل جينات مؤهَّبة للتسرطن، ولكنَّها نادرًا ما تشكِّل سرطانًا، ولربما تعتمد هذه الأنسجة التنافسية الخلوية آليةً دفاعية حامية.
وينشغل بعض العلماء -حاليًا- بدراسة آليات الخلية السرطانية لتحتلَّ عرش التنافس وتتقدَّم على ندِّها من الخلايا السليمة، مُحقِّقةً أفضليةً ساحقة تسمح لها بكسح النسيج.
ويهتمُّ بعض العلماء بتقوية الخلايا الجذعية وإعطائها مزيدًا من الخصائص التنافسية أيضًا؛ ممَّا يؤهِّلها لتعويض الخلايا الهرمة أو المريضة، وقد بدأ الأطباء بالبحث عن آليات تعزيزية للخلايا الجذعية القلبية المشتقة من المرضى فعلًا؛ لتستبدل الخلايا القلبية المتأذية نتيجة المرض أو السكتات القلبية.
وتضعنا هذه الأبحاث أمام تساؤلات مشروعة: كيف تميِّز الخلايا تغايرها عن بعضها؟ وكيف تقرر الشكل الأكثر تكيُّفًا؟ وما هي واسمات أو مؤشرات التكيُّف؟
وستساعدنا الإجابات في تطوير آليات لكبح أو تدعيم هذه الآلية؛ ومنه إلى استقصاء الخلايا في حالات التسرطن أو الشيخوخة ضمن مفهوم الطب التجديدي.
المصادر:
1- هنا
2- هنا
3- هنا
4- هنا
5- هنا