إستراتيجيات جديدة لعلاج مرض القرص التنكسي
البيولوجيا والتطوّر >>>> بيولوجي
فعلى الرغم من أنَّ لإستراتيجيات المعالجة الطبية والجراحية الحالية عيوبها، ولكن؛ مع التقدُّم الذي أحرزه العلم في فهم بيولوجيا الخلية وخصائص القرص بين الفقرات على المستوى الجزيئي والخلوي، تَوصَّل العلماء إلى إستراتيجيات بديلة للمعالجة ما تزال قيد الدراسة.
ولكي نتمكَّن من تحديد إستراتيجيات علاجية جديدة وفهمها، علينا أن نتعرَّف إلى البنية الجزيئية للقرص بين الفقرات أولًا.
القرص بين الفقرات (IVD):
بنية غير وعائية تعتمد في غذائها على انتقال المغذيات والأكسجين إليها عن طريق آلية الانتشار من الأوعية الدموية المجاورة (الانتشار: أي انتقال المواد من مكان أعلى تركيزًا إلى الأقل تركيزًا)، وتتكوَّن من مركَّبات سكرية أساسًا؛ مثل الكولاجين والبروتيوغليكانات (لبٌّ بروتيني تحيط به سكاكر متعددة)، وهي ما تعطيه مرونته؛ فتُسهل حركةَ العمود الفقري وتمنحه القدرة على امتصاص الصدمات.
ويُقسم القرص إلى ثلاثة أقسام رئيسة عمومًا، وهي مرتبة من المركز للمحيط كالآتي: نواة اللب المركزي (NP)، الحلقة الليفية الخارجية (AF)، وغضروف اللوحات النهاية الزجاجية (CUPs) التي تفصل بين الأجسام الفقرية (انظر الصورة المرفقة).
هنا;
وتَكمُن المشكلة عند التقدُّم في السن؛ إذ يتغير شكل القرص ويؤدي إلى انخفاض سماكته في النهاية، وهذا يجعل العمود الفقري أقل استقرارًا ويتسبَّب ذلك في تضيُّقه لاحقًا، ثم تضيق القناة الشوكية ويُلحق الضرر بالنخاع الشوكي.
وفي المراحل المبكرة من المرض تهدف خيارات العلاج؛ مثل العلاج الطبيعي والمسكِّنات ومضادات الالتهاب إلى معالجة الأعراض.
وقد يكون إِجراء العلاج الجراحي بدمج العمود الفقري هو الخيار لتخفيف الألم في نهاية المطاف، ولكن ستصبح حركة العمود الفقري مقيَّدة؛ لذلك -ونظرًا إلى حاجة علاج المشكلة- تستمر الأبحاث في محاولة استعادة البيئة الخلوية الطبيعية للقرص، والمساعدة في منع تنكُّسه.
ومن هنا تتمثَّل الإستراتيجيات الجديدة للعلاج في عوامل النمو (زرع/حقن) خلايا القرص داخل القرص المتنكس وهو ما يُعرَف بالعلاج الخلوي، والعلاج الجيني الذي يكون عن طريق تعديل عمل أحد الجينات أو بعضها، والتي يسبِّب الخلل في وظيفتها تدهور القرص وتنكُّسه.
أولًا، عوامل النمو:
يمتلك القرص بين الفقرات بنيةً جزيئية معقَّدة تخضع إلى تنظيم عديدٍ من عوامل النمو، ونذكر منها: عامل النمو المحول بيتا (TGF-β) والبروتين المورفولوجي العظمي-7 (BMP-7).
فعندما حُقِن (TGF-β) في قرص متنكس لفأر، ازداد المحتوى الخلوي فيه؛ لأنَّه يعمل منظِّمًا لتصنيع الكولاجين والبروتيوغليكانات.
وفي تجربة أخرى، أدى حقن قرص أرنب بـ(BMP-7) إلى استعادة ثخانة القرص؛ إذ يعدُّ (BMP-7) عامل نمو متعدد الوظائف، فيزيد من تصنيع البروتيوغليكانات وينظم تصنيع الكولاجين.
وفي تجربة مماثلة، حُقنَت البلازما الغنية بالصفائح الدموية (PRP) في قرص متنكس لأنموذج مرضي من الأرانب، أدت أيضًا إلى الحد من تناقص ثخانة القرص وجذب خلايا شبيهة بالخلايا الغضروفية عن طريق تحفيز الصفيحات التي تطلق بدورها أكثر من (70) عامل بيولوجي فعَّال.
وما زالت إستراتيجية العلاج بعوامل النمو قيد البحث، وتَكمُن تحدياتها في مدى تعقيد البنية الجزيئية للقرص بين الفقرات؛ إذ إنَّ حقن عامل نمو واحد قد لا يكون كافٍ لاستعادة بنية القرص الطبيعية، إضافةً إلى قصر مدة تأثيرها وانتشارها بسرعة خارج القرص.
الاستراتيجية الثانية للعلاج هي العلاج الخلوي:
تمحورت حول حقن خلايا نواة اللب المركزي في القرص المتضرر بدءًا بزراعة خلايا جذعية متوسطية (mesenchymal stem cells) ضمن أطباق محتوية على جل كولاجيني ومزوَّدة بالعناصر المغذية اللازمة، ومحاكية لبيئة القرص الطبيعية؛ لتتمايز وتُحقن في قرص متنكس لاحقًا.
وقد لُوحِظ فرق واضح في ثخانة القرص عند الأرانب بعد حقنها بهذه الخلايا مقارنة بقرص حُقِن بالبنية الجيلاتينية وحدها دون خلايا.
ولكنَّ السؤال هنا: هل تقتصر هذه التجارب على الحيوانات فحسب؟
لقد وصلت تقنية العلاج الخلوي إلى مرحلة التجارب على البشر، فقد أُجريَت تجربة سريرية على عشرة مرضى يعانون ألم ظهرٍ مزمن، وأُخذَت خلايا جذعية متوسطية ذاتية (من المريض نفسه) من نقيِّ العظم وحُقنَت في القرص، ولُوحِظ تحسُّن الأعراض السريرية في سنة واحدة دون ظهور أيَّة آثار سلبية أو مضرة على المرضى.
ويبقى التحدي كبيرًا أمام استخدام الخلايا الجذعية بصفتها علاجًا؛ إذ إنَّها تعتمد في تمايزها على البيئة الجزيئية التي زُرِعت فيها اعتمادًا كبيرًا ما يشكِّل صعوبة في تمايزها لخلايا القرص المركزية مثلًا؛ لصعوبة محاكاة الوسط الذي تحتاجه هذه الخلايا.
وقد وصلنا الآن إلى الإستراتيجية العلاجية الثالثة والأخيرة التي يناقشها هذا المقال، وهي العلاج الجيني:
يُعدُّ (SOX9) عامل انتساخ مهمًّا جدًّا في تنظيم عملية تصنيع الكولاجين في الخلايا القرصية.
وفي إحدى التجارب المخبرية، أُضيف (SOX9) إلى خلايا قرصية مزروعة في المختبر، فأدى ذلك إلى زيادة تكاثرها، وتصنيعها للبروتيوغليكانات.
ويعدُّ البحث عن علاج جيني آمن استراتيجيةً واعدة لمرضى القرص التنكُّسي، فقد تطوَّرت تقنيات بإمكانها تعطيل أو تصحيح أو التحكم بالتعبير عن جينٍ معين؛ كتقنية (CRISPER/Cas9).
ويمكنكم قراءة مقالنا المتعلق بتقنية كريسبر من هنا.
المصادر:
1- هنا
2- هنا
3- هنا