نظامٌ لمقاومة الاهتزازات في المباني العالية وجني الطاقة منها
العمارة والتشييد >>>> التشييد
استعرضنا في مقالٍ سابق أهمية تصميم المباني لمقاومة قوى الرياح والزلازل، لا سيِّما في المباني الشاهقة والنحيلة كونها أكثر حساسيةً لها، إذ تؤدِّي هذه القوى إلى تأرجح المبنى واهتزازه؛ ممَّا يسبِّب ضغطًا أكبر على العناصر الإنشائية، إضافةً إلى خلق شعور بعدم الراحة لدى المقيمين.
وتُعَدُّ المخمِّدات (Dampers) من طرق حماية المباني الشاهقة من الاهتزازات الناتجة عن الرياح والزلازل؛ إذ تمتص الاهتزازات لتقلِّل من الإزاحة الأفقية للطوابق قبل انتقالها إلى الطوابق العليا، ومن تطبيقاتها المخمِّد الثقلي المتناغم (Tuned Mass Damper) الذي يتكوَّن من كتلةٍ ونابضٍ ومثبِّط مرتبطين بالمنشأة، وتعمل عمل البندولات لتقليل الاستجابة الديناميكية للمباني ومقاومة الحركة الناتجة عن الرياح والزلازل (1)، ففي حال حدوث زلزال أو رياح تسبِّب تأرجح المبنى فإنَّ الكتلة تتحرَّك بالاتجاه المعاكس لكبح حركة المبنى، وتمتص الكتلة الطاقة الحركية لتتبدَّد في نهاية المطاف عن طريق المثبِّطات.
وعلى الرغم من ذلك يواجه نظام (TMD) بعض العقبات؛ أهمها أنَّ فعاليته تعتمد كثيرًا على الكتلة المرفقة والتي نادرًا ما تتجاوز 0.5 إلى 1% من كتلة المبنى، إذ تصبح باهظة الثمن لاستيعاب وزنها وحجمها بسبب القيود الإنشائية والمعمارية، ويوضع هذا النظام عادةً في الطوابق العلوية للتحكُّم بالحركة الجانبية للمنشأة (2, 3).
صورة (1) أنموذج لنظام (TMD) ضمن مبنى (Taipei 101) في تايوان
Image: Creative Commons
ولمواجهة تلك العقبات، طوَّر باحثون في مجال ديناميك الإنشاءات من جامعة لندن نظامًا جديدًا يدمج بين (TMD) وجهازٍ داخلي يدعى خامد (Inerter)، ويُدعى النظام المدمج (TMDI). في البداية ابتُكر نظام خامد (Inerter) في جامعة كامبريدج ليُستعمل في بطولة الفورمولا ١ ضمن نظام التعليق لعربات السباق؛ إذ يعمل على تنسيق اهتزازات العجلات عن طريق امتصاص الطاقة الزائدة في العجلات و نظام التعليق، ممَّا يجعل الحمولات عند نقطة تلاقي العجلة و السطح الإسفلتي أكثر تنبُّؤًا واستقرارًا. يتَّصل النظام بالعربة من طرف وبنظام التعليق من الطرف الآخر، إذ يعمل على إحداث قوَّة مقاومةٍ تتناسب مع التسارع النسبي الناتج في كلا الأطراف بواسطة ثابت القصور الذاتي، وأظهرت التجارب أنَّ النظام المطوَّر يوفِّر كفاءةً أكبر في التحكم في الاهتزازات لمجموعةٍ من المنشآت تحت ظروفٍ مختلفة، ويمكن الاستفادة منه أيضًا في حصاد الطاقة، وإضافةً إلى ذلك يُعَدُّ نظام (TMDI) قادرًا على التحكُّم بأنماطٍ عاليةٍ للاهتزازات لا يمكن التحكُّم بها بواسطة الأنظمة السابقة (3).
وقد أجرى الباحثون عدَّة دراسات على النظام لاختبار كفاءته في تحقيق الأمان وراحة المقيمين وحصاد الطاقة الممتصة من كتلة (TMD)، ونمذجوا مبنىً من 74 طابقًا بارتفاع 305 م لإجراء الاختبارات، وثبَّتوا نظام (TMD) في الأعلى مع ربط الكتلة بالطابق (P) الموضَّح في الشكل أدناه عن طريق جهاز (Inerter)، ويهدف التصميم المقترح إلى كبح التسارع الناتج عن الرياح في الطابق الأخير للمبنى حيث يتحقَّق الحد الأقصى للتسارع (3).
صورة (2) أنموذج لنظام (TMDI) المدمج؛ ترمز (md) لكتلة المخمِّد (Damper)، وترمز (b) للخامد (Inerter)
Image: Agathoklis Giaralis
ويمكن الاستفادة من نظام (TMDI) في حصاد الطاقة الكهربائية من الاهتزازات، ولتحقيق هذا الهدف يُضاف محرك كهرومغناطيسي قياسي إلى جانب دوائر حصاد الطاقة في (TMDI)، وتزداد الطاقة المتاحة للحصاد إمَّا بزيادة سرعة الكتلة أو بزيادة معامل التخميد، ولكن يبقى توفير الأمان والراحة للمقيمين عاملًا مهمًّا أكثر من حصاد الطاقة (3).
صورة (3) جني الطاقة باستخدام (TMDI)
Image: etrini F, Giaralis A, Wang Z. Revis
وصرَّح الدكتور أغاثوكليس جياراليس (Agathoklis Giaralis) -أحد الباحثين المشاركين في تطوير النظام- أنَّ عناصر القصور الذاتي (Inerters) بإمكانها التقليل من الوزن المطلوب لكتلة (TMD) بنسبة 70%، ممَّا يسمح بتشييد مبانٍ شاهقةٍ تحقِّق الراحة لمستخدميها ومنخفضة التكلفة لكونها تتطلَّب كميةً أقل من الموارد (4).
نشهدُ كثيرًا تنقُّل التقنيات المطوَّرة بين مجالات العلم المتعدِّدة لتُستعمَل بطرقٍ مبتكرةٍ و جديدة، فهل سمعت عن أيَّة تقنياتٍ مبتكرةٍ طُوِّرت خارج قطَّاع الإنشاء لتُستعمَل لاحقًا في جعل المباني أفضل وأأمن؟
المصادر: