تظاهراتٌ نادرةٌ تُثير القلق من وجود علاقة محتملَة مع (COVID-19)؛ فما هي؟
الطب >>>> فيروس كورونا COVID-19
الاضطرابات الدماغية و(COVID-19):
أُجريت دراسةٌ في مدينة (Strasbourg) في فرنسا على 58 مريضاً يعانون متلازمة الضائقة التّنفّسيّة الحادّة (ARDS) الناتجة عن (COVID-19)، وخضع جميعُ هؤلاء المرضى إلى مسحاتٍ أنفيّةٍ بلعوميّة، وبإجراء تفاعل البلمرة التسلسلي (PCR)؛ كانت جميع النتائج إيجابيةً لـ (SARS-CoV-2)، ولكن لُوحظت عند بعض هؤلاء المرضى تظاهراتٌ عصبيّةٌ مرافقةٌ مثل الهِياج، والهَذَيان، والاعتلال الدماغي، ولُوحظ عند البعض الآخر -بواسطة التّصوير بالرنين المغناطيسي (MRI)- تعزيزٌ سحائيٌّ عنكبوتيٌّ (Leptomeningeal enhancement)، وشذوذاتٌ في تروية الدماغ، وسكتاتٌ دماغيّةٌ حادّة. وقد أشار الباحثون إلى أنَّ هذه الموجودات العصبيّة سُجِّلت في 8 من المرضى (14%) عند دخولهم العناية المشدّدة؛ أي قبل العلاج، وفي 39 من المرضى (67%) عندما حُجبَت عنهم مُسكِّنات الألم والحاصرات العصبيّة العضليّة؛ لكن ذكرت هذه الدراسة أنّه يجب جمع المزيد من البيانات لمعرفة ما إذا كانت هذه التّظاهرات العصبيّة نوعيّة لـ (COVID-19) أم لا (2).
وفي دراسةٍ أخرى أجراها الأطباء في مشفى (Henry Ford Health System)؛ كُشِف عن أوّل حالة اعتلال دماغٍ نزفيٍّ نخريٍّ حادٍّ (Acute necrotizing hemorrhagic encephalopathy) مترافقةٍ مع (COVID-19) لسيّدةٍ في أواخر الخمسينيّات من العمر، وتعمل في شركة خطوطٍ جويّة. راجعت هذه السّيّدة المشفى بشكوى سعال، وحمَّى، وتغيُّرٍ في الحالة العقليّة، وبعد إجراء مسحةٍ أنفيّةٍ بلعوميّةٍ واستعمال تقنيّة (PCR)؛ كانت النتيجة إيجابيّةً لـ (SARS-CoV-2)؛ لكن نتائج التحاليل المخبريّة الأخرى -مثل الزرع الجرثوميّ للسّائل الدماغيّ الشّوكي (CSF)، وتحرّي الفيروسات الأخرى التي تُسبّب اعتلال الدماغ- كانت سلبيّة جميعها. وأظهر التّصوير المقطعي المُحَوسَب للرأس (CT scan) مناطق منخفضة الكثافة ثنائيّة الجانب في منطقة المهاد الأنسي، في حين أظهر التّصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) آفاتٍ نزفيّةً معزَّزة الحوافّ في عدّة مناطق دماغيّة (3).
فهذه الموجودات تتماشى مع تشخيص اعتلال الدماغ النّخريّ الحادّ (Acute necrotizing encephalopathy ANE)، وهو الذي قد تسبّبه عدّة فيروساتٍ أخرى مثل فيروس الإنفلونزا. ويرتبط وجود هذا المرض بمتلازمة عاصفة السّايتوكين (Cytokine storm syndrome) التي يمكن مشاهدتها في الحالات الشّديدة من داء (COVID-19) (3)، وهي عبارةٌ عن مجموعةٍ من الاضطرابات الالتهابيّة التي تنتج عن حالةٍ من فرط الالتهاب الجهازيّ، واضطرابٍ في ضبط إنتاج السيتوكينات الالتهابيّة؛ ممّا ينتج عنه قصور أعضاءٍ متعدّد، وربّما الموت (4).
وقد نشرت مجموعةٌ من الباحثين الصّينيّين دراسةً على شابٍ من ووهان (Wuhan) يعاني الهَذَيان بعد أن كان يشكو في السّابق من حمَّى، وضيق النَّفس، وآلامٍ عضليّة. وكان التّصوير المقطعيّ المُحَوسَب للرأس (CT scan) طبيعيّاً، في حين كان اختبار كشف (SARS-CoV-2) إيجابيّاً، وخضع المريض لبزلٍ قطَني (Lumbar puncture) أظهرَ ارتفاعاً في ضغط السّائل الدماغيّ الشّوكي (CSF). وتبيَّن لدى الباحثين -بعد إجراء عدّة تحاليلٍ مخبريّةٍ، ونفي الأسباب الأخرى لإصابة الجهاز العصبيّ المركزيّ مثل الإنتانات الجرثوميّة أو عدوى السّلّ، واستشارة خبراءٍ في مجال الأمراض العصبيّة- أنَّ المريض يعاني التهاب دماغٍ (Encephalitis) مرافقٍ لعدوى (SARS-CoV-2). ولاحظ الباحثون أنَّ التهاب الدماغ المرافق لـ (SARS-CoV-2) محددٌ لذاتهِ؛ أي يشفى تلقائيّاً مع زوال الفيروس. واستعمل الأطباء في هذه الحالة دواء المانيتول (Mannitol) لخفض الضغط في السّائل الدماغيّ الشّوكي (CSF)؛ إذ تحسَّن وَعْي المريض تدريجيّاً (5).
وفيما يخصّ الجلطات الدماغيّة وعلاقتها بـ (COVID-19)؛ نشر باحثون في مدينة (New York) دراسةً على 5 مرضى تحت سِنّ الخمسين مصابين بعدوى فيروس كورونا المستجد (SARS-CoV-2). ومن بين المرضى سيّدةٌ تبلغ من العمر 33 عاماً، كانت تشكو من سعال، وصداع، وقشعريرة، ثمّ عانت اضطراباً في النُّطق مع خدرٍ وضعفٍ في الذراع اليسرى والسّاق اليسرى. وأظهر التّصوير المقطعي المُحَوسَب (CT) والتّصوير الوعائيّ المقطعي المُحَوسَب (CT angiography) احتشاءً جزئيّاً في الشّريان المُخّي الأوسط الأيمن مع خثرةٍ سادّةٍ للشريان السباتي الأيمن على نحوٍ جزئي. هذا وقد كان اختبار (SARS-CoV-2) إيجابيّاً، ولم تُظهِر وسائلُ التّصوير الأخرى منشأ هذه الخثرة. وبعد تلقّي العلاج المناسب؛ أظهر (CT angiography) زوالاً كاملاً للخثرة في اليوم 10 من دخول المشفى (6).
داء كاواساكي عند الأطفال و(COVID-19):
أمّا عن ترافق داء كاواساكي (Kawasaki disease) مع (COVID-19)؛ فقد أُبلغ عن أوّل حالةٍ تفترض هذا الارتباط في الولايات المتّحدة لدى طفلةٍ تبلغ من العمر 6 أشهر، كانت تشكو من حمَّى، ورفض تناول الطعام، وكان تحليل فيروس الإنفلونزا سلبيَّاً حينها. وعانت هذه الطفلة ظهور طَفَحٍ في اليوم الثّاني من ظهور الأعراض. وعند إجراء الفحص السّريري في اليوم الرابع منذ ظهور الحمَّى؛ تبيَّن وجود احتقانٍ خفيف، وتشقّقٍ في الشفاه، والتهاب مُلتحمة العين (Limbic-sparing conjunctivitis). وأظهرت التحاليل المخبريّة أيضاً ارتفاعاً في مستويات البروتين C التّفاعلي (C-reactive protein)، وفي سرعة تثفُّل الكريات الحمر (Erythrocyte sedimentation rate)، وأظهرت صورة الصّدر الشّعاعيّة عتامةً خفيفةً في الرّئة اليسرى. وشُخِّصَت هذه الطفلة بداء كاواساكي (Kawasaki disease) بعد أن حقّقت معايير تشخيص هذا المرض في اليوم الخامس من ظهور الحمَّى. واشتَبَه الأطباء بـ (COVID-19) بناءً على وجود الحَّمى، والاحتقان، وموجودات صورة الصّدر الشّعاعية، وبإجراء تفاعل البلمرة التّسلسلي للنسخ العكسي (RT-PCR). وكانت نتيجة الاختبار إيجابيّةً لـ (COVID-19). وقد أشار الباحثون إلى أنَّ هذه أوّل حالةٍ تَشهدُ وجود داء كاواساكي على نحوٍ متزامنٍ مع (COVID-19)؛ ولكن لم تُعرَف بعدُ أهميّة هذا الارتباط بين المرضَين أو سببه (7).
وتُرجِّح الدراسات أنَّ الإنتانات -الفيروسيّة خاصّةً- هي المسؤولة عن تحريض داء كاواساكي (Kawasaki disease) -الذي هو عبارةٌ عن التهابٍ في الأوعيّة الدمويّة عند الأطفال- خاصّةً في فصلَي الشّتاء والرّبيع (8).
وقد صرّح المدير العام لمنظمة الصّحّة العالميّة في تاريخ 15 أيّار (مايو) 2020 عن حالاتٍ لأطفالٍ دخلوا وحدات العنايّة المركّزة نتيجة إصابتهم بحالةٍ التهابيّةٍ متعدّدة الأجهزة (Multisystem inflammatory condition) مع خصائص مشابهةٍ لِداء كاواساكي ومتلازمة الصّدمة السّمّيّة (Toxic shock syndrome)، وِفق ما أفادته تقاريرٌ من أوروبا وأمريكا الشّمالية. ودعا المدير العام للمنظمة جميعَ الأطباء للعمل مع السّلطات الوطنيّة ومنظمة الصّحّة العالميّة، والبقاء في حالة تأهّبٍ لتحديد خصائص هذه المتلازمة التي تشير التقارير الأوّليّة ارتباطها بداء (9) (COVID-19).
(COVID-19) متّهمٌ بإحداث غيلان باريه أيضاً!
أمّا عن علاقة (COVID-19) بمتلازمة غيلان باريه (Guillain-Barré syndrome)، وهي التي تُعرف بأنَّها اعتلالٌ عصبيٌّ متواسطٌ باضطرابٍ في المناعة الذاتيّة. تتلو هذه المتلازمة الإنتانات التّنفّسيّة أو الهضميّة، وتؤدّي إلى خللٍ في حسِّ الأصابع وضعفٍ عضليٍّ في الطرفين السّفليّين، وقد يطالُ الطرفين العلويين أيضاً (10)، فقد نشرت مجموعةٌ من الباحثين الصّينيّين أوّل حالةٍ تَفتَرِض ارتباط هذين المرضين. وكانت هذه الحالة لسيّدةٍ قادمةٍ من ووهان تبلُغ من العمر 61 سنة، وتشكو من تعبٍ شديد، وضعفٍ في السّاقين. وبعد إجراء عدّة تحاليلٍ مخبريّة، مثل تحليل السّائل الدماغيّ الشّوكي (CSF) الذي أظهر ارتفاعاً في مستوى البروتين، ودراسة التوصيل العصبيّ -تخطيط الأعصاب- (Nerve conduction studies) الذي أظهر موجوداتٍ تتماشى مع متلازمة غيلان باريه، شُخِّصت حالتها بمتلازمة غيلان باريه وتلقَّت العلاج المناسب؛ ولكن لاحظ الباحثون -في اليوم الثامن- ظهور حمَّى وسعالٍ جافٍ لدى المريضة، وبعد إجراء مسحةٍ فمويّةٍ بلعوميّةٍ وإجراء (RT-PCR)؛ كانت نتيجة الاختبار إيجابيّةً لـ (SARS-CoV-2). وأشار الباحثون أيضاً إلى أنَّ هذه الحالة قد تشير إلى احتمال ارتباطٍ بين متلازمة غيلان باريه وعدوى (SARS-CoV-2)، ويجب جمع المزيد من البيانات لمعرفة ما إذا كانت هذه العلاقة سببيّة (11).
المصادر: