محاكاة قدرة البشر في البحث عن الأشياء; (الجزء الأول)
الهندسة والآليات >>>> الروبوتات
تعكف اليوم الكثير من الفرق العلمية في مختلف جامعات العالم على نقل الروبوتات من مجرد آلات لديها مهمة محددة، إلى مستوى آخر يقع بين الآلة والبشر، تكون فيه الروبوتات مرنة وقادرة على التكيّف مع البيئات الجديدة التي توضع بها، ويجد العلماء أنّ البداية في ذلك هو تطوير قدرة الروبوتات على البحث عن الأشياء المختلفة في أماكن مختلفة. هناك عدة أساليب لتحقيق ذلك، قد تختلف قليلًا عن بعضها، ولكن جميعها يصب في رؤية واحدة، وهي استيحاء طريقة تفكير البشر ورؤيتهم للبيئة المحيطة، وجعل الروبوت يفكر مثلهم. 1- Crang S. Model helps robots think more like humans when searching for objects | Michigan Engineering [Internet]. Michigan Engineering. 2020 [cited 21 October 2020]. Available from: هنا
لاحظ العاملون في هذا المجال أنّ الروبوتات تعمل بأحد الاحتمالين: إمّا عدم رؤية أي شيء سوى العناصر المطلوبة للتنقل ضمن البيئة المحيطة، وإما التحرّك ضمن بيئة ثابتة دائمًا، أي أن العناصر ثابتة في مكانها والمسافات بينها ثابتة بحيث تكون مرجعية للروبوت في البحث عن العنصر المطلوب، فظهرت عدة محاولات لكسر هذه الحدود في الحركة عبر مبادرة سُمّيت ''تحدي الرؤية الدلالية للروبوت". (2)
في هذا المقال نتحدث عن عمل الفريق الأول من جامعة ميشيغان، يقوده البروفيسور تشاد جينكينز Chad Jenkins وطالب الدكتوراه جين جينغ Zhen Zeng، يعتمد في الأساس على ربط العنصر المراد إيجاده بعنصر دلاليّ يكون بقربه عادةً. (1)
الصورة الآتية توضح كيف تساعد العناصر الدلالية الروبوتات على إيجاد الأشياء بنحو أسرع في البيئات المعقدة: (1)
Image: Computer Science And Engineering
يهدف علماء الروبوتات أن تصبح الآلات قادرة على التنقّل في الظروف الحقيقية، مثل البيوت الفوضوية التي نعيش فيها، هذه الظروف يمكن أن تكون فوضوية ولا يوجد فيها شيئان متشابهان، ويجب على الروبوتات التي تبحث عن أشياء لم ترها من قبل أن تتعرف إليها ضمن هذه الفوضى. (1)
ولكنّ البيوت ليست فوضوية بالمطلق، نحن نرتبها حسب مختلف النشاطات التي نمارسها، وعادة تكون مجموعات محددة من الأشياء موجودة بقرب بعضها بنحو تقريبي، يحتوي المطبخ عادةً على الفرن، والثلاجة، والميكروويف وغيرها من أجهزة الطبخ، بينما تحتوي غرف النوم على الخزائن، والأسرَّة والطاولات بجانبها، وهكذا يمكننا باستخدام مثل هذه الارتباطات تحديد بعض الأنماط حتى في البيئات الفوضوية. (1)
عرض جينغ وجينكينز طريقة للاستفادة من هذه العلاقات بين الأشياء في الفراغ، يربط نموذجهم المسمّى (SLiM (Semantic Linking Maps بعض الأشياء المميزة (مُعلّمات) مع الأشياء الأخرى المرتبطة معها في ذاكرة الروبوت، إضافة إلى بيانات تبيّن كيف تتوضع هذه الأشياء عادة فيما بينها، يربط SLiM عدة خصائص لكل من العنصر الهدف والعنصر المميز (المُعلّم) الذي يدلّ عليه، بهدف إعطاء الروبوت فهمًا أكثر تماسكًا عن كيفية تموضع الأشياء في البيئة المحيطة. (1)
يوجد العديد من الدراسات والتجارب التي تحاول تطوير قدرة الروبوت على تمييز الأشياء واكتشافها ، وأحد المناهج السابقة المستخدمة في هذا المجال هو نظام لجذب انتباه الروبوت نحو العنصر المطلوب يسمى VOCUS: Visual Object detection with a CompUtational attention System; أو بالعربية (التحديد البصري للعنصر باستعمال نظام انتباه حسابي)، يعتمد هذا النظام على تحديد الأماكن المهمة (الأهداف) في الصورة المنقولة إلى الروبوت. (3)
يجري ذلك عبر وضعي تشغيل، وضع استكشاف البيئة ووضع البحث عن العنصر. في وضع الاستكشاف حُدِدت الأهداف المتمايزة باللون أو الكثافة أو التي تمتلك ميزة لا يمتلكها غيرها من العناصر مثلًا؛ الخروف الأسود بارز في قطيع أبيض، أمّا في وضع البحث عن العنصر، يستعمل النظام معلومات تعلّمها مسبقًا عن الهدف ليوجه حسابات التنقّل اعتمادًا على الهدف. (3)
هذا النظام يصل بالروبوت إلى الهدف في أقل من ثلاث محاولات سبر للمكان، ويحتاج لأقل من خمس صور للعنصر كي يأخذ معلومات كافية عنه، وهو مفيد إذا تغيّر موقع الروبوت وتغيرت الإضاءة، ولكن ماذا إذا كانت البيئة دائمة التغيّر؟ (3)
هذا ما يوضحه مخترعو نظام SLiM في ورقتهم حول المشروع: "تفترض الدراسات السابقة أنّ العناصر ثابتة، أيّ أنّها تبقى في الغالب إذ شوهدت آخر مرة" قام الباحثون لتجاوز هذا التحديد باستخدام SLiM كي يحافظوا في نفس الوقت على ما يعرفه الروبوت عن موقع العنصر الدلاليّ والعنصر الهدف ويتوقع أيضًا إمكانية انتقال العنصر الدلاليّ، ولكي يفكر الروبوت إلى أين يمكن أن ينتقل عنصر ما، يستخدم الباحثون نوعًا خاصًا من الرسوميات يتمثل فيه توزيع احتمالي يوجد فيه نموذج عن العلاقة بين العناصر بنحو احتمالي. (1)
من خلال معرفته بالعلاقات بين عنصرين بنحو احتمالي، يقود SLiM الروبوت لاستكشاف مناطق من الممكن أن تحوي إمّا العنصر الهدف أو العنصر الدلاليّ، هذه المقاربة عن عملية البحث تعتمد على اكتشافات سابقة توضح أنّ إيجاد العنصر الدلالي أولًا (البحث غير المباشر) يمكن أن يكون أسرع من البحث عن العنصر الهدف بوساطة (البحث المباشر). (1)
اختبر الفريق خلال التجربة أداء خمسة نماذج بحث مختلفة في البيئة نفسها التي حوكيت، أحدها كان يجري البحث المباشر البسيط دون معرفة مسبقة بالعلاقات الفراغية بين العناصر (نموذج A)، والأربعة البقية تستخدم خرائط SLiM الفراغية مدمجة مع استراتيجيات بحث مختلفة أو مساعدات مبدئية:
• نموذج B: بحث مباشر مع معرفة مسبقة بموقع العنصر الدلاليّ، ولكن دون الأخذ بالحسبان احتمال تغيّر مكانه.
• نموذج C: بحث مباشر مع معرفة مسبقة بموقع العنصر الدلاليّ مع الأخذ بالحسبان احتمال تغيّر مكانه.
• نموذج D: بحث مباشر دون معرفة مسبقة بموقع العنصر الدلاليّ.
•نموذج E: بحث هجين دون معرفة مسبقة بموقع العنصر الدلاليّ.
نلاحظ في الشكل الآتي مقارنة بين الطرائق المختلفة التي سلكها الروبوت للوصل إلى الكوب باختلاف نماذج البحث المتبعة:
Image: Computer Science And Engineering
في النهاية نلاحظ أن النموذج E (نظام SLiM مع بحث هجين العناصر) ساعد الروبوت على إيجاد الهدف بنجاح، وذلك بسلوك الطريق الأقصر وبزمن أقصر. (1)
في المقالين القادمين سوف نتحدث عن ما فعله فريقان آخران من الباحثين في هذا المجال. إلى اللقاء!
المصادر:
2- Sjo K, Lopez D, Paul C, Jensfel P, Kragic D. Object Search and Localization for an Indoor Mobile Robot. Journal of Computing and Information Technology [Internet]. 2009 [cited 22 October 2020];17(1):67. Available from: هنا
3- S. FRINTROP.VOCUS: A Visual Attention System forObject Detection and Goal-directed Search.PhDthesis, University of Bonn, July 2005. 2020 [cited 22 October 2020]. Available from: هنا