مراجعة كتاب (ماذا يريد العم سام): قراءة في السياسة الأميركية
كتاب >>>> الكتب الأدبية والفكرية
وينقسم الكتاب إلى قسمين؛ الأول بقلم (تشومسكي)، وفيه يتحدث عن أهداف السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية، تحديدًا بعد الحرب العالمية الثانية والتي تمثَّلت بتقزيم الاتحاد السوفييتي عن طريق زرع بذور تدمير نظامه لكي تتمكن من التفاوض معه ضمن شروطها، إلى جانب المناداة بحماية حقوق الإنسان بوصفها ذريعةً للتدخل في شؤون الدول الأخرى بما يخدم مصالحها؛ إذ بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية التي دمَّرت البُنى التحتية لمعظم الدول، وجدت أميركا نفسها الأقل خسارةً.
"لدينا 50% من ثروات العالم و 6.3% من سكانه ومهمتنا الأساسية هي ترتيب نموذج من العلاقات يحافظ على استمرار هذا التفاوت"، وهذا ما قاله (كينان) في مذكرة سرية للغاية لتخطيط السياسة الأميركية عام 1948، ومن الجدير بالذكر أنَّ (كينان) دبلوماسي أميركي شغل عدة مناصب في قسم الشؤون الخارجية الأميركية ويُعدُّ من أحد أذكى المخططين الأميركيين للسياسات الخارجية وله دور رئيسٌ في تشكيل عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية.
وهكذا -حسب رأي تشومسكي- انتهزت أميركا الفرصة لتكوين نظام عالمي جديد أساسُه السيطرة الأميركية، فبدأت برسم السياسة الخارجية التي تتلخص بمشروع سُمِّي (المجال العظيم) الذي يهدف إلى إخضاع البلدان لمتطلبات الاقتصاد الأميركي؛ إذ قسَّم هذا المشروع العالم إلى أقاليم لتسهيل عملية السيطرة.
وجاء المؤلِّف على ذِكر دول أميركا اللاتينية والتي تُعدُّ المصدر الأساسي للمواد الخام التي تتطلبها الصناعية الأميركية، يمكن التحكم بها عن بُعد بضمان عدم وصول الوطنيين إلى الحكم، وهم الذين طالما شكلوا تهديدًا رئيسًا للنظام العالمي الجديد، فيقول تشومسكي "وإذ ما وصلوا إليه يتم عزلهم وتنصيب حكومات تفضل الاستثمار برأس مال خاص محلي أو أجنبي."
أما اليابان التي دُمِّرت كليًّا بعد الحرب العالمية الثانية، وضعت أميركا في مطلع السبعينيات أمام خيارين لا ثالث لهما، إما أن تدع اليابان تستعيد عافيتها سياسيًّا واقتصاديًّا؛ ممَّا قد يشكل خطورةً بنهوض قوة اقتصادية في شرق آسيا تهدد القوة الأميركية، أو أن يُعاد بناء اليابان تحت إشراف الاستثمارات الأميركية، وقد اختارت أميركا الخيار الثاني طبعًا؛ لتظهر بمظهر المُعين للدول المنكوبة بعد الحرب العالمية رغم أنَّ مضمون السياسة كان لحماية السيطرة الأميركية.
ولضمان استمرار هذه السيطرة كان لا بدَّ من قوة تهديدية مرعبة حتى لا يتجرَّأ أحد على المساس بتلك السيادة، ولذا بُنيت الترسانة النووية.
وفي ظل الجهود المبذولة لحماية هذه السيادة، لم يكن هنالك مانع من استخدام العنف كما حدث في اليونان؛ إذ شاركت أميركا حليفتها بريطانيا في غزو اليونان بعد انسحاب القوات النازية منها في حرب راح ضحيتها ما يقارب 160.000 قتيل، ومكَّنت هذه الحرب من قبضة المستثمرين الأميركيين على اليونان إلى يومنا هذا، بالإضافة إلى أنَّ أيَّة إمكانيات للاستقلال السياسي اليوناني دُمِّرت؛ هذا الاستقلال الذي خسرته إيطاليا كذلك بعد تلاعب الولايات المتحدة الأميركية في الانتخابات في أثناء الحرب العالمية الثانية لضمان عدم فوز الشيوعيين فيها، ويقول تشومسكي أيضًا: "كانت إيطاليا أهم مسارح عمل المخابرات الأميركية منذ إنشائها."
تابعت أميركا سياستها المتطرفة في السيطرة، والتي تمثَّلت بانقلابات جواتيمالا التي حولتها إلى جحيم مشتعل بالإضافة إلى حرب الفيتنام التي نشبت لمنع استقلالها ليس لكونها تشكل خطرًا على أميركا؛ بل خوفًا من أن تكون مثلًا يُحتذى به في الدول الأخرى في المنطقة، إلى جانب حرب العراق والكويت، وإعاقة الحكومات البرلمانية في السلفادور وغواتيمالا عن طريق عملائها في المنطقة بطرائق غير مشروعة، ويُضيف تشومسكي في هذه النقطة: "لم يكن عمل وكلائنا الإرهابيين في السلفادور أو غواتيمالا هو القتل العادي، كان بصفة رئيسية للقتل والتعذيب السادي، قطع الرؤوس ورطم الأطفال بالحوائط. الفكرة هي سحق الوطنية التي تدعو للاستقلال والتي قد تجلب الديمقراطية الحقيقية، فعندما تتعرض حقوق المستثمرين الأميركيين للتهديد فعلى الديمقراطية أن ترحل ولا بأس أن يحل محلها حكم التعذيب والقتل."
ونتابع القسم الثاني من الكتاب بقلم المترجم (د.عادل المعلم)، والذي يحلِّل فيه تركيبة المجتمع الأميركي المتعدد الأعراق والأديان، ويوضِّح أنَّ مخططي السياسة الأميركية حفنةٌ من محترفي السياسة وكبار رجال الأموال والإعلام الذين تهمهم مصالحهم بالدرجة الأولى ثمَّ مصالح الشعب الأميركي، وهذا هو العم سام الذي يدير العالم؛ "الثالوث المقدس من أقوياء رجال الحكم والمال والإعلام" كما وصفهم (عادل المعلم).
ويتطرَّق المؤلِّف إلى الشعارات التي تتبناها أميركا في سياستها الخارجية بالمناداة بالديمقراطية أيضًا، فيوضِّح زيف هذه الشعارات عن طريق كَشْف الدور الذي أدَّته أميركا في معارضة رغبات الشعوب في كلٍّ من إيران وأندونيسيا؛ إذ يذكر في العمل كيف ساعدت أميركا (شاه إيران) في تثبيت حكمه ورَدعت المظاهرات التي عمَّت أرجاء البلاد مطالبة برحيله، هو الذي عُرِف بنظام حكمه الديكتاتوري والفاسد بعد وصوله للحكم بانقلابه على أبيه.
والأمر مشابه في أندونيسيا، فقد ساندت أميركا (سوهارتو) في الوصول للحكم سياسيًّا وعسكريًّا بعد مشاركته في مذابح راح ضحيتها ما يُقارب مليون قتيل.
وبعد عرضنا لمحتوى الكتاب وما قدَّم تشومسكي من أفكار، بات من السهل معرفة ماذا يريد العم سام من العالم عن طريق انتهاج ممارسات لاأخلاقية امتدت عقودًا لم تحترم فيها إرادة الشعوب ولم تترك لهم الحق في تقرير مصيرهم.
معلومات الكتاب: