التهاب الشريان الصدغي (Temporal Arteritis)
الطب >>>> مقالات طبية
وإذا تُرك هذا الالتهاب من دون علاج، يمكن أن يؤدي إلى العديد من المضاعفات الجهازية والعصبية والعينية.
يصيب هذا الالتهاب عادةً الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 50 عامًا، ولكن متوسط عمر ظهور المرض هو 75 عامًا، وإصابة النساء به أكثر شيوعًا بمعدّل يقاربُ أربع مرات أكثر من معدل إصابة الرجال.
ويُعد هذا المرض نادرًا نسبيًّا، ويحدث لدى قرابة 10 إلى 20 شخصًا فوق سن الخمسين سنويَّا، وذلك بالاعتماد على خلفية المريض؛ فهو يصيب -على نحوٍ أكثر شيوعًا- الأشخاص ذوي الأصل الأوروبي، ولكن قد يظهر بالتأكيد لدى أي مريض من أيّة خلفية أخرى (1).
ولا يزال سبب التهاب الشريان ذي الخلايا العرطلة غير معروف بدقة، ولكن؛ أظهرت الدراسات التي تربط ما بين العوامل الوراثية والأخماج أن جهاز المناعة في الجسم قد يؤدي دورًا مهمًّا في هذا الالتهاب، ولذلك؛ يُعتقد أن التهاب الشريان ذي الخلايا العرطلة هو اضطراب مناعي ذاتي، أي يهاجم جهاز الدفاع والمناعة في الجسم الأنسجةَ الطبيعية السليمة بدلًا من مهاجمة الأشياء التي تؤذي الجسم؛ إذ تتجمع الخلايا المناعية في الموقع الهدف، وتهاجم الأنسجة السليمة مُشكِّلةً خلايا عملاقة تُنتج بدورها مواد تؤدي إلى تلف جدران الشرايين وأذيتها؛ مما يسبب حدوث المزيد من الالتهاب.
وقد أظهرت الدراسات أن بعض الاختلافات الجينية ترتبط بهذا الالتهاب، وتؤدي دورًا في الاستجابة المناعية الذاتية للشخص، وترتبط بمدى احتمالية إصابته بهذا المرض (2).
تشمل الأعراض الأكثر شيوعًا لالتهاب الشريان ذي الخلايا العرطلة الصداعَ، وألمًا في الفك بعد المضغ (يسمى بـ عَرَج الفك)، والحمى، وتغيّم الرؤية.
ويمكن أن تشمل الأعراض الأخرى مضضًا في فروة الرأس (يتألم الشخص عند تمشيط الشعر)، والسعال، وآلامًا في الحلق واللسان، وفقدان الوزن، والاكتئاب، أو ألمًا في الذراعين في أثناء التمرين (3).
ومن الاضطرابات التي قد ترافق التهاب الشريان ذي الخلايا العرطلة: آلام العضلات الروماتزمية، وتُعد أكثر الحالات المُرافقة له شيوعًا، وتتميز بألم يظهر في الرقبة والكتفين والوركين فجأة مع تصلب وتعب (مع حمى أو بدونها) (2).
من الممكن أن يسبب التهاب الشريان ذي الخلايا العملاقة مضاعفات خطيرة، نذكر منها:
١. العمى: إذ يمكن أن يؤدي نقص تدفق الدم إلى العينين إلى فقدان رؤية مفاجئ وغير مؤلم غالبًا في إحدى العينين أو في كلتيها على نحوٍ نادر، وعادةً ما يكون فقدان البصر في هذه الحالة دائمًا.
٢. أمهات الدم الأبهرية التي من الممكن أن تنفجر؛ مما يؤدي إلى نزف داخلي مهدد للحياة.
للتعرف أكثر إلى أمهات الدم؛ إليكم الرابط الآتي: هنا
٣. السكتة الدماغية: وتُعد من مضاعفات المرض غير الشائعة (4).
وسائل التشخيص:
قد يكون من الصعب تشخيص هذا الالتهاب لأن أعراضه الباكرة تشبه أعراض بعض الحالات الأخرى الشائعة، لذا لا بد من الطبيب أن يستبعدها أولًا.
سيُجري الطبيب فحصًا شاملًا مع إبداء اهتمام خاص بالشرايين الصدغية؛ ذلك لأنه في كثير من الأحيان قد يكون أحدهما أو كلاهما مُمض ذو ملمس قاسٍ مع مظهر شبيه بالحبل، وقد يوجد انخفاض في نبض الشريان.
ومن الممكن استخدام الاختبارات الآتية في التشخيص:
تحاليل الدم: تُستخدم للتشخيص والمتابعة في أثناء العلاج، وتشمل اختبار سرعة التثفل (ESR) واختبار البروتين (C) التفاعلي (CRP) اللذان يشيران إلى وجود التهاب في الجسم.
اختبارات التصوير متضمنةً الإيكو دوبلر، وتصوير الأوعية الدموية بالرنين المغناطيسي، إضافة إلى التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني (PET).
الخزعة: وهي أفضل الطرائق لتأكيد التشخيص بالتهاب الشرايين الصدغية؛ إذ تؤخذ عينة من الشريان الصدغي، ويقع هذا الشريان بالقرب من الجلد أمام الأذن مباشرة ويستمر نحو الأعلى حتى فروة الرأس، وتُجرى العملية باستخدام التخدير الموضعي، وعادةً ما تَترك هذه العملية بعدها القليل من التندب، ومن ثم تُفحص العينة تحت المجهر في المختبر (4).
وقد وضعت الكليّة الأمريكية لأمراض الروماتيزم مجموعة من المعايير لتشخيص التهاب الشرايين الصدغية؛ إذ يجب توفر ثلاثة معايير من أصل خمسة لتأكيد التشخيص، وهذه المعايير هي:
- العمر أكبر أو يساوي 50 عامًا عند بداية المرض.
- قصة صداع حديث.
- موجودات غير طبيعية في الشريان الصدغي؛ مثل المضض أو انخفاض النبض.
- (ESR) أكبر أو يساوي 50 ملم في الساعة.
- خزعة الشريان الصدغي غير طبيعية (1).
ما هو العلاج؟
يجب البدء في العلاج بأقرب وقت ممكن بسبب خطر فقدان البصر.
يتضمن العلاج جرعات عالية من الكورتيكوستيروئيدات، وعادةً ما تكون الجرعة 40-60 ملغ يوميًّا من البريدنيزون (prednisone)، ويستجيب الصداع والأعراض الأخرى بسرعة للعلاج غالبًا، وتنخفض سرعة التثفل إلى المعدل الطبيعي.
وعادة ما يستمر تناول الجرعة العالية من الكورتيكوستيرويدات مدة شهر، ثم تُخفض هذه الجرعة ببطء، ففي معظم الحالات؛ يمكن تقليل جرعة البريدنيزون تدريجيًّا باستخدام جداول خاصة مدة بضعة أشهر، ويستمر المرضى في تقليل هذه الجرعات تدريجيًّا حتى ينتهي العلاج، ونادرًا ما يعود هذه الالتهاب بعد أن تنتهي معالجته.
وفي مايو 2017؛ صدرت الموافقة على (tocilizumab) بصفته دواء لعلاج هذا الالتهاب وفق معايير محددة وتحت رقابة طبية مباشرة، ويمكن إعطاء هذا الدواء عن طريق الوريد شهريًّا أو كحقن تحت الجلد كل أسبوع أو أسبوعين، وثبت أن لهذا الدواء فوائد عدة كهجوع المرض في عام واحد من العلاج، والحاجة إلى كميات أقل من الكورتيكوستيروئيدات؛ مما يؤدي إلى تجنب تأثيراتها الجانبية الكثيرة، من أهمها هشاشة العظام التي تؤدي بدورها إلى زيادة خطر حدوث الكسور(5).
إذًا؛ التهاب الشريان ذي الخلايا العرطلة هو مرض جهازي يتفاوت بين المرضى من حيث الأعراض والمدة؛ إذ قد يستمر عند بعض المرضى عدة سنوات، في حين قد يكون مزمنًا عند بعضهم الآخر، ولكن مع ذلك؛ قد لا يؤثر المرض على معدل البقاء الكلي للفرد باستثناء المرضى المصابين بالتهاب الأبهر وتسلخ الأبهر (1).
المصادر: