التباعد الاجتماعي عند الحيوانات وسيلةٌ لتجنب الأمراض المعدية
البيولوجيا والتطوّر >>>> منوعات بيولوجية
في مقالنا هذا سنعرض بعضَ الأمثلة عن ذلك..
تتبع الحيوانات إستراتيجياتٍ مختلفةً لإبقائها حيةً إلى مرحلة البلوغ، فتكون قادرة حينها على التكاثر وضمان النجاة لذرياتها، وتثير هذه المواضيع اهتمامَ علماء البيولوجيا على نحوٍ كبير، فقد استعانت تلك الحيوانات (كالقردة والأسماك والحشرات والطيور) التي استطاعت الحفاظ على نوعها حتى يومنا هذا بعديد من الآليات التي تساعدها على التغلب على الأمراض، ولعلَّ أكثر هذه الآليات إثارةً للدهشة هي آلية التباعد الاجتماعي عند تفشي وباء بين أفرادها.
ففي هذا العام -خاصةً- بتنا جميعًا على دراية جيدة بمصطلح "التباعد الاجتماعي" عندما قُطعت اتصالات الناس بأقرب الأشخاص إليهم للتقليل قدر الإمكان من انتشار فيروس كورونا المستجد Covid-19، لكن ما يزال من الصعب على عديد منا تطبيقُ هذا الإجراء بوصفنا كائنات اجتماعية وهذا يخالف طبيعتنا، لكن في عالم الحيوان يختلف الأمر؛ فكثيرًا ما يشكل التباعد الاجتماعي جزءًا ثابتًا وإجراءً مألوفًا في حياتها، وعلى الرغم مما يقدمه العيش ضمن جماعات من فوائد جمّة كسهولة القبض على الفرائس وتأمين الطعام لكنه يسهم إسهامًا كبيرًا في انتشار الأوبئة والأمراض المعدية أيضًا (1).
فقد تسبب العدوى تعديلًا في سلوك المضيف أو باقي الأفراد في المجموعة نتيجةَ الاستجابةِ الفيزيولوجية أو السلوكية التي يبديها المصاب، وعليه يحدث تبدل سريع في شبكة الاتصال في المجموعة، فيسهم ذلك في تغيير سرعة انتشار المرض وحجمه (2).
سلطعون البحر: بعض التضحيات ضرورية أحيانًا.
سلطعونات البحر كائنات اجتماعية بطبيعتها تتجمع في مجموعات مؤلفة من 20 فردًا وأكثر، لكن تمثل هذه التجمعات بيئةً مناسبة لانتشار الأوبئة الإنتانية وانتقالها، التي قد تهدد حياتَها وعلى رأسها فيروس سلطعون البحر الشوكي 1 (PaV1) الذي يفتك بحياة أكثر من نصف صغار السلطعونات، لكن لهذه الكائنات القدرة على تحري الأفراد المصابة والابتعاد عنها (1،3)، وعندما لوحظت بعض السلطعونات وحيدةً على الرغم مما ينطوي على ذلك من مخاطر، دُرست حالاتها وتبيَّن أن معظمها كان مصابًا بإنتان فيروسي معدي، ولم يكن بقاؤها وحيدة خَيارًا اتخذته هي؛ بل إنها طُردت ونُبِذت من قبل أفراد المجموعة الأصحاء، كذلك تبيَّن لاحقًا أن السلطعونات السليمة قادرة على كشف المصابة منها عبر اختبار شمي؛ إذ تنتج المصابة موادًا كيميائية في بولها بوصفها مؤشِّرًا تحذيريًّا منبهًا الأفرادَ السليمين في المجموعة (1).
التباعد الاجتماعي عند النمل:
طوّرت بعض المخلوقات كالنمل طرائقَ لزيادة الفائدة المرجوة من ممارستها التباعدَ الاجتماعي؛ إذ تحمي الأفرادَ الأكثر قيمة وأهمية ضمن مجموعاتها، فالنمل من الأنواع التي تعيش في مستعمرات معقدة يؤدي كل فرد منها أدوارًا معينة تؤثر في نجاة المستعمرة كلها (1).
فعندما تعرَّض نمل الحدائق لأبواغ الفطر القاتل (Metarhizium brunneum) الذي ينتشر بين النمل الجامع الطعام، لوحظ تغيرٌ سريع في سلوك المستعمرة في خلال الـ24 ساعةً الفاصلة بين اكتشافه أبواغَ الفطر للمرة الأولى في المستعمرة، وظهورِ أعراض المرض على الأفراد الذين تعرضوا للفطر، فعَزل النمل الجامع الطعام أنفسهم ذاتيًا عبر قضائهم وقتًا أطول بعيدًا عن المستعمرة، وحافظ الجامعون الأصحاء الذين اُضطروا إلى إبقاء التواصل مع أقرانهم المصابين على مسافة مع المستعمرة لتجنب وضع الأفراد ذوي الأدوار الرئيسة (كالملكة المسؤولة عن التكاثر والممرضات اللاتي ترعين البيوض وتحمينَها) في خطر (1،4).
الفئران تشابه سابقاتها أيضًا:
أشارت الدراسات أن الفئران أيضًا تتبع السياسةَ ذاتَها عندما يتعلق الأمر بانتشار وباءٍ ما، ويفقد الفأر المصاب بالعامل الإنتاني اتصالَه بأفراد مجموعته نتيجة سلوك خاص، بدلًا عن كونه ناتج عن طرد أقرانه له، وعلى نحوٍ مشابه للسلطعون تبدي الفئران المصابة تغييراتٍ في بعض المؤشرات البولية ما يمنح إناثَ الفئران البرية القدرةَ على تمييز الذكور المصابة من السليمة مفضلةً بذلك قضاء الوقت قربَها (2).
أما البشر فلديهم ميزة مهمة عندما تطرق جائحةٌ ما بابَ بعض المجموعات السكانية؛ فاليوم يمكننا نشر التحذيرات الخاصة بالمرض في لحظات، ومن ثم البدء باتِّباع قواعد التباعد الاجتماعي قبل وصوله إلينا، كذلك نحن قادرون على الحفاظ على روابطنا الاجتماعية حين نضطر إلى التباعد الجسدي بفضل منصات التواصل الاجتماعي والتقنيات الرقمية المتطورة.
واليوم في ظل الجائحة التي سببها فيروس كورونا المستجد وريثما يُطور اللقاح المضاد للفيروس، ليس لدينا سوى أن نحذو حذوَ تلك الحيوانات ونلتزم بالتباعد الاجتماعي قدر الإمكان (1).
المصادر: