عربة الطَّائر الأسود
الهندسة والآليات >>>> الطاقة الريحية
حتمًا الطَّائر الأسود ليس بطائرٍ، إنَّما هو لقب أُطلق على نموذج ريك كافايارو (Rick Cavallaro) الفريد.
التصميم بشكله المبسّط يعتمد على عربة مؤلفة من جزء دوار وعجلات توازن، والعربة بدورها متصلة مع عنفة ريحيَّة من النوع الأفقي، تركب على الجزء الخلفي من العربة التي تتحرك بسرعةٍ تصل إلى 2.8 ضعف سرعة الرياح (1).
والسؤال الأهم الذي قد يتوارد لذهنك عزيزي القارئ، هو: من أين تبدأ الحركة وما آليتها؟ وما مصدر الطاقة؟ وهل من ممكن أن تُخلق الحركة من اللا شيء؟
بعض من هذه الأسئلة قد يراها المرء تتعارض مع قوانين الفيزياء المعروفة، والمنطق الهندسي والرياضي.
للإجابة عن هذه الأسئلة لا بدّ من إيضاح بعض المفاهيم التي ستشرح في السّطور القادمة.
لعلّ أحد أهم هذه القوانين، قوانين السير إسحق نيوتن الأوَّل والثاني والثالث، وقوانين الحركة، وبحسب القانون الأوَّل لنيوتن: "يبقى كل جسم في حالة من السّرعة الثابتة ما لم تؤثر فيه قوة غير متوازنة خارجية"، وعلى أرض الواقع ليس هناك جسم لا تؤثر فيه قوى خارجية غير متوازن، ومنه وحسب نيوتن فإنَّ الحركة الدائمة أمر غير قابل للتطبيق(2).
آلية العمل:
تُنقَل الحركة من العنفة الريحيَّة ذات المحور الأفقي إلى العجلات الدوارة عن طريق سلسلة (جنزير)، وتنقل الحركة إلى محور الجزء الدوار.
وإنَّ استخدام طاقة الرّياح في أيّ من تطبيقاتها الهندسيَّة المعروفة سواءً في توليد الطَّاقة الكهربائيَّة أو ضخ المياه أو سحب المياه من باطن الأرض أو في أي من غيرها من التطبيقات يعتمد مباشرةً على حركة الجزء الدوار من العنفة، أو ما يعرف بالشفرات؛ إذ يُستفاد من القوى الأيروديناميكية لها في توليد الحركة الدورانيَّة(3).
لا يمكن لسرعة دوران الجزء الدوار في حالة توليد الطَّاقة (وضع التشغيل) أن تساوي الصّفر، ما يعني في تطبيق الطَّائر الأسود أنَّ حركة العربة دون دوران العنفة غير ممكنة، إذن كيف تتم الحركة من السكون التام؟
حتى تكتمل الحلقة الناقصة من المعادلة هنا لا بدّ من أن يكون هناك مصدر طبيعي للطاقة، حتمًا هو الرياح، وبكلمات أخرى لا يمكن أن يكون هناك حركة في حالة أن سرعة الرياح مساوية للصفر، وهذا ما يؤخذ على مركبة الطائر الأسود(1).
حتى تتحرك المركبة باتجاه الأمام يجب أن يكون مقدار القوة الدافعة لها أكبر من قوى الكبح، حيث تتمثل قوة الجر فقط بالقوة المولدة من تدوير الهواء للتوربين الريحي(1).
في هذا النموذج لا تقود العجلات حركة المركبة، وإنَّما دوران العنفة في أثناء حركة المركبة تتولد قوة على محاور العجلات معاكسة لحركتها بالاتجاه تعمل كقِوى كبح للمركبة(1).
لنا أن نتخيل أنَّ دور العنفة الريحية يشبه دور المحركات النفاثة للطائرة، إلّا أنَّ المحركات تُشغل عن طريق الوقود، وهنا في تطبيق الطَّائر الأسود تحتاج العنفة إلى مصدر طاقة كمصدر للحركة الابتدائية في حالة سكون الهواء؛ لكونها الرابط الميكانيكي الوحيد بين الهواء والأرض(1).
ولكن؛ السؤال هنا: بما أنَّ العنفة تكتسب الطَّاقة من الهواء، ومن ثمَّ تنتقل الطَّاقة عن طريق الدوران للعجلات، كيف وصلت سرعة المركبة التجريبيَّة إلى سرعة مقدارها 2.8 ضعف سرعة الرياح؟
الجواب هو كالآتي: حين تبدأ العنفة بالدوران تكون سرعة الرياح بالنسبة للأرض أكبر من الصفر، إلّا أنَّ العجلات تقود العنفة هنا من خلال نظام تعشيق بينهما، وعندما تصبح سرعة العربة مساوية لسرعة الهواء تصبح السرعة النسبية بين العربة والهواء مساوية للصفر، حينها تصبح الطَّاقة المولدة من العنفة طاقة دفع إضافية للعربة مضافةً إلى قوة جر العجلات المقدمة أصلًا، عندها تتسارع العربة وتتجاوز بذلك سرعة الهواء(1).
وتوخيًا للدقة فإنَّ العجلات لا تقود المركبة في الأصل، إنَّما تتحرك العجلات بواسطة حركة العربة فوق الأرض، الأمر الذي يؤدي عندها إلى تدوير العنفة(1).
الجدير بالذكر أن فرق السرعة بين الهواء والأرض هو المصدر الوحيد للطاقة، والمسماة الطَّاقة الحركيَّة.
ولا يخفى هنا دور قوة الاحتكاك في حركة العربة على الأرض(1).
وفي هذا السياق يجب أن ننوّه إلى أنَّ تصميم شفرات العنفة الريحيَّة له دور أساسي في القوة المولّدة من العنفة؛ إذ يمكن التحكم بقوة السحب المولّدة أمام العنفة وفي الاتجاه المعاكس لحركتها من خلال تصميم مختلف للشفرات، بحيث لا تشكل قوة إضافية معيقة لحركة العربة(1).
إذن تم التفكير في جعل هذا النموذج الفريد قابلًا للتطبيق العملي والاستخدام اليومي يجب الانتباه إلى كثير من نقاط الضعف، التي لا تجعل منه نموذجًا جذابًا لهكذا غرض، وأهمها اعتماد العربة على مصدر طاقة غير مستقر، وهو الرّياح دون وجود حل جذري لآلية التوجيه؛ إذ تعتمد العنفات الريحيَّة في توليد الطاقة الكهربائيَّة مثلًا على استغلال القدر الأكبر من هبوب الرياح عن طريق نظام تتبع لاتجاه هبوب الرياح. يتم ذلك في شكله المبسط عن طريق تدوير محور العنفة حتى تصبح زاوية الانحراف بين مركز الدوران واتجاه هبوب الرياح أصغر ما يمكن، وهو ما يشبه من حيث المبدأ إلى حدٍّ كبير نظام التتبع الشَّمسي في الأنظمة الشَّمسيَّة، في حين أن الطَّائر الأسود لا يحتوي هكذا نظام، وتتحدد زاوية الانحراف للعنفة باتجاه حركة العربة(4).
المصادر :
2.Hall N. Newton's Laws of Motion [Internet]. Grc.nasa.gov. 2015 [cited 1 February 2021]. Available from: هنا
3. How Do Wind Turbines Work? [Internet]. Energy.gov. [cited 22 January 2021]. Available from: هنا
4. Song D, Yang J, Liu Y, Su M, Liu A, Joo Y. Wind direction prediction for yaw control of wind turbines. International Journal of Control, Automation and Systems [Internet]. 2017 [cited 12 February 2021];15(4):1720-1728. Available from: هنا