أطفال المهاجرين ثنائيي اللغة؛ ماذا يحتاجون وكيف يحدث تطورهم اللغوي؟
التعليم واللغات >>>> اللغويات التطبيقية
تزامنًا مع زيادة الهجرات في العقود الأخيرة تتزايد أعداد الأطفال ثنائيي اللغة حول العالم وتكثر التساؤلات بخصوص آلية تعلُّمهم للُّغات والطرق المثلى لإتقان اللغتين معًا. وتتباين الآراء بين من يعتقد بسهولة الأمر وبداهته وبين من يعدُّه عائقًا أمام تطور الطفل اللغوي، إذ يختلف الأطفال من حيث منحنى تطور كل لغة مما يثير اللبس بخصوص مدى إجادتهم للغة.
بدايةً، من الطبيعي أن يستغرق الطفل ثنائي اللغة وقتًا أطول لأنه بالمحصلة يتعلم أكثر. وأشارت إيريكا هوف (Erika Hoff) أستاذة علم النفس ومديرة مختبر تطوير اللغة في كلية تشارلز أي شميديت (Charles E. Schmidt) في بحث لها إلى أن معتقد كون الأطفال يمتصون اللغات التي يسمعونها بسرعة كالإسفنج وأنهم بمجرد سماعهم للُّغات سيصبحون متحدثين بارعين للغتين قد لا يكون دقيقًا، وأكدت أن الطفل ثنائي اللغة سيطور كفاءات كل لغة حسب متطلباته وحاجاته وكذلك حاجات بيئته، ولذلك فإن كمَّ التعرض للُّغة وجودته هما أمران مهمَّان. وهي تدعو الأهالي ذوي الأصول المهاجرة إلى استخدام اللغة التي يرتاحون في استخدامها في التفاعل مع أبنائهم ويجيدونها أفضل. أما الأطفال فهم يحتاجون إلى استخدام اللغة لاكتسابها وفي حال كانت اللغتان تحظيان بتقدير المجتمع فإن ذلك يدعم تطورهم اللغوي إلى حد كبير (1).
وهذا ما يؤكده تقرير من جامعة فيينا الطبية عن أطفال المهاجرين في دُور الحضانة النمساوية ممن يواجهون صعوبات في تعلم لغتهم الثانية (الألمانية)، وغالبًا ما يُشخَّص لديهم اعتلال اكتساب اللغة. يشير التقرير إلى أن المشكلة الحقيقية تكمن في أن هؤلاء الأطفال لم يكتسبوا لغتهم الثانية بالكامل، ومن بين 40 طفلًا خضعوا لاختبارات تقييم اللغة في عام 2019 كان ما يقارب نصفهم لا يعاني اعتلال اكتساب اللغة، بل كانت المشكلة تعود إلى عوامل لغوية اجتماعية مخرِّبة. وتعزو مديرة الدراسة بريغيته أيزنفورت (Brigitte Eisenwort) ذلك إلى محدودية المدخلات في اللغة الأم أيضًا، إذ لا يتعلم هؤلاء الأطفال مفردات غنية أو تركيب جمل معقدة، بل يتلقَّون لغة محدودة من الآباء نتيجة الهجرة أو نتيجة اكتسابهم لغة محدودة في بلدانهم لأسباب سياسية، وتقترح أيزنفورت منح الأطفال فرصة التواصل مع الناطقين بالألمانية في مجموعات صغيرة بصفته إجراءً مهمًّا لتحسين كفاءة الأطفال اللغوية (2).
وفي دراسة أخرى أجراها باحثون في جامعة فلوريدا أتلانتيك (Florida Atlantic University) عن أطفال ثنائيي اللغة يتحدثون الإسبانية والإنكليزية، أظهرت نتائجها أن الأطفال الذين يتعرضون للغتين منذ الولادة تتقدم لديهم كل لغة في دورة مستقلة خاصة بها، مما يعكس جودة تعرض الطفل لكل لغة، وأشارت إلى أن تطور الأطفال في الإنكليزية أدى إلى تباطؤ تطورهم في الإسبانية ولكن لم تتسبب مهارات الإسبانية في تباطؤ نمو الإنكليزية، بمعنى آخر ليس هناك حالة من المقايضة بين اللغتين، وقد راقب الباحثون على مدى ستة أشهر أطفالًا تتراوح أعمارهم بين سنتين ونصف وأربع سنوات، وقاسوا المفردات ومستوى التطور النحوي، وأشارت الدراسة من بين نتائجها إلى أن الارتباط في النمو بين المفردات والقواعد قد يُعزى إلى عوامل خارجية وهي مدخلات اللغة وجودة اللغة التي يتلقَّونها، بالإضافة إلى اختلاف قدرات الأطفال في تعلم اللغات وهذا ما يحدد مسار التطور اللغوي لدى الطفل (3).
بناءً على الدراسات السابقة فإن جودة اللغة التي يسمعها الطفل ثنائي اللغة لها الدور الأكبر في تطوره فيها وليس كمية ما يسمعه، فهو بحاجة إلى عيش التجارب في بيئة غنية. ودورنا بصفتنا مربين من أصول مهاجرة هو الحرص على هذه الجودة عن طريق تقديم لغة غنية للطفل وإعطائه المساحة لممارستها.
المصادر: