جان بول سارتر (1905-1980)
الفلسفة وعلم الاجتماع >>>> أعلام ومفكرون
من مواليد باريس، 1905. درس سارتر الفلسفة في Ecole Normale Superieure في باريس، حيث التقى بصديقة دربه، سيمون دي بوفوار Simone de Beauvoiar. في عام 1945 تسبب مؤلَفهُ "الوجودية فلسفة إنسانيّة" بشهرته، إضافة إلى العديد من المؤلفات المسرحية.
تعاطفه مع الفكر الماركسي اليساري قاده إلى النشاط السياسي، ومن هنا أتى دعمه للكفاح الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي وتبنى رغبة الشعب الجزائري بالاستقلال. رفص استلام جائزة نوبل للأدب عام 1964. توفي في 15 نيسان من عام 1980 جراء إصابته بوذمة قلبية.
فِكره:
منذ أن كان في عُمر الشباب رفض سارتر تنشئته "البرجوازيّة" وأخذ يبحث عن خياره الحر وعن الحياة الجديرة بالعيش، تلك الحياة الغير محكومة مسبقاً بقبضة سياسيّة أو بالدين أو بالعادات والتقاليد...
شكل فكره السياسي حجراً راسخاً في علم الظواهر الفلسفيّ أو ما يعرف بالـ "الفينومينولوجيا" المنوطة بالفيلسوف الألماني إدموند هوسرل Edmund Husserl. كما عرف برغبة عارمة بتحليل نشأة الكون من منظوره الذاتي بناءً على ال"أنا" الديكارتية، هذا المنظور الذي قاده إلى إنكار كل ما هو خارج نطاق الوعيّ.
الوجودية في فكر سارتر:
تنظر الوجودية إلى الحياة على أنها باهتة اللون، عاريةٌ متجرّدة. وكما ذكرنا سابقاً يعد سارتر أحد أعلام الوجودية في عصره. الناس في نظر سارتر، مسوقون إلى العادة، مجرورون إلى نوعٍ من السلوك الرتيب الجاهز. وقلما يتاح لهم الوقت لدخول محراب الحياة واستراق بعض النظرات الصادقة عنها.
"ما أشدَّ ما أشعر ببعدي عنهم، وأنا فوق هذه الرابية. يخيل إلي أنني أنتمي إلى جنسٍ آخر. إنهم يخرجون من المكاتب، بعد انقضاء عملهم، فينظرون إلى الدور والمحلات نظرة رضا، ويفكرون بأن مدينتهم مدينة برجوازية جميلة. إنهم لا يشعرون بالخوف فهم في بلدهم. إنهم لم يروا قطّ إلا الماء المأنوس الذي يسيل من الصنابير، وإلا النور الذي يتدفق من المصابيح حين يضغطون على الزر..... وإن الدليل يقوم لديهم مئة مرة في اليوم أن كلَّ شيءٍ يجري آلياً، وأنَّ العالم يطيع قوانين محددة لا تتغير، فالأجسام المتروكة للفراغ تسقط كلها بالسرعة ذاتها، والحديقة العامة تغلق كلَّ يوم الساعة السادسة عشرة شتاءً والثامنة عشرة صيفاً، والرصاص يذوب في الدرجة 335، وأخر ترام يتوجه إلى المحافظة عند الساعة الثالثة والعشرين وخمس دقائق. إنهم آمنون، ضجرون بعد الشيء يفكرون في الغد، أي بكل بساطة، في يومٍ جديد كهذا اليوم. إن المدن لا تنعم إلا بنهار واحد يعود كلَّ صباحٍ مثله من قبل، إلا أنهم يزينونه قليلاً أيام الأحاد، يا لهم من سخفاء! ...." ( الغثيان، ص 204).
فالإنسان عند سارتر خاصةً، وعند الوجوديين عامةً، لا يكون إنساناً حقاً إلا إذا أدرك "جدّةَ قدره الشخصي من غير اللجوء إلى مهزلة الاوضاع والمواقف الاجتماعية".
ولهذا كان الوجود يعني الاختيار، أي أن يختار المرء بيده بين مصيره وسلوكه.
من شعور سارتر بالغثيان ووعيه بأهمية الاختيار انطلق ليعالج موضوع الحريّة، فجعل الإنسان مسؤولاً عن اختياره ووصل في النهاية إلى نتيجةٍ مفادها أن الإنسان مجبرٌ على الاختيار، وحتى امتناعه عن الاختيار اختيار.....
تنتهي فلسفة سارتر بعد منعطفات كثيرة، إلى موقف خلقيّ متين. يقرر في النهاية أنَّ الإنسان يمتلك بيده خلاصه وكرامته، مادام يعتبر نفسه مسؤولاً.....
المراجع:
الغثيان، جان بول سارتر.
سارتر والوجوديّة، ر. م. ألبيريس، ترجمة الدكتور سهيل إدريس، دار العلم للملايين، الطبعة الأولى 1954.
مصدر الصورة:
هنا