مراجعة كتاب (سيكولوجية الجماهير) : سلوك الجماهير وسايكولوجية العقل الجمعي
كتاب >>>> الكتب العلمية
وبشرح أكثر دقة: الأرضية المشتركة التي تولد على أساسها الظروف الخاصة وحدة نفسية، يسميها غوستاف لوبون روح العرق؛ أي مجموعة الصفات المشتركة التي تفرضها الوراثة على جميع أفراد العرق. إن هذا الشكل من التنويم المغناطيسي العاطفي والفكري الجماعي من شأنه أن يبطل أي دافع للإرادة الفردية، وبتحديد أكثر؛ استعداد للعقل النقدي، وهكذا يكون للفيلسوف، داخل الحشد، نفس القيمة الفكرية للأميّ.
يرى لوبون أن القادة يتلاعبون بعلم النفس الجماعي، إذ يظهر علم نفس الجماهير أنهم يتأثرون بسهولة، مندفعون وسريعو الانفعال، ويمكن بالفعل استفزازهم بسهولة وبسرعة للتحرك عبر مجموعة من أكثر المشاعر تناقضًا. يرى لوبون أن الجماهير غير قادرة على خلق الإرادة الفاعلة أو الفكر الفردي، بل تسيطر عليها العفوية فما إن تحدث ظاهرة العدوى بعفويةٍ في الحشد فتنتشر الفكرة المهيمنة عبر العقول المدفونة بالعاطفة المشتركة إلى درجة استبدال المصلحة الجماعية بالمصلحة الفردية. تُوجّه الجماهير عن طريق الإيحاء غير المباشر جماعيًا لتحقيق إرادة قادة هذه الجماهير بسذاجة تامة.
" إن الوهم الاجتماعي يسيطر اليوم على كل أنقاض الماضي المتراكمة، والمستقبل له بدون شك. فالجماهير لم تكن في حياتها أبدًا ظمأى للحقيقة. وأمام الحقائق التي تزعجهم فإنهم يحولون أنظارهم باتجاه آخر، ويفضلون تأليه الخطأ، إذا ما جذبهم الخطأ. فمن يعرف إيهامهم يصبح سيدًا لهم، ومن يحاول قشع الأوهام عن أعينهم يصبح ضحية لهم."
ومع ذلك يمكن فقط لفكرة بسيطة وغامضة ومطلقة مقدَّمة في صورة مثيرة للإعجاب أن تنجح في تلويث عقول الجمهور، لأن عقلهم البدائي غير قادرعلى معالجة نظرية معقدة، وفارق بسيط، وهذا سيكون عائقًا أمام رغبته المباشرة. فنرى أن تفكيره مكوّن من ترابط الأفكار والصور بدون روابط منطقية. وهي أي الجماهير تتمتع بخيال قوي وسهل التأثر كثيرًا، ويميل إلى إضفاء بُعد غامض وأسطوري على الأحداث الجماعية.
"السهولة التي تنتشر فيها بعض الآراء وتصبح عامة تعود خاصةً إلى عجز معظم الناس عن تكوين رأي خاص مستوحى من تجاربهم الشخصية في المحاكمة والتعقل."
وفق علم نفس الجمهور فإن الجماهير تعتمد على القائد؛ بسبب تهيجها واندفاعها، وعدم قدرتها على ضبط نفسها بنجاح، لهذا السبب تحتاج إلى قائد موحد يجسد تطلعاتها ويمكِّنها من التغلب على انعدام الأمن النفسي لديها. يظهر غوستاف لوبون القائد بمظهر رجل قادر في عمله، يتمتع بإيمان لا يتزعزع بالمثل السائدة بين الجمهور، ومستعد للتضحية بكل شيء، يُنظر إلى كلماته نظرة مقدسة، وأوامره لا جدال فيها، ويبدو أسطورةً، يرسم لوبون ببراعة في أذهاننا صورة المرشد القادر على قيادة الجماهير نحو مصيرهم الوهمي. عالم النفس يعطي مثال (نابليون الأول) وهو قائد بارز في التاريخ. ينجح مثل هذا القائد في تحويل الجمهور إلى الإيمان بمشروعه بتأكيد الرسالة نفسها وتكرارها حتى تفشي العدوى. تعتمد قوته في الإقناع اعتمادًا كبيرًا على مكانته التي تمكنه من السيطرة عاطفيًا على الجماهير من خلال شل أحكام الفكر الفردي.
ومع ذلك، لا يتطلب الأمر سوى علامة ضعف أو نجاح أقل للتغلب على صعود الهيبة على النفوس.
"الهيبة الشخصية تختفي دائماً مع الفشل. فالبطل الذي صفقت له الجماهير بالأمس قد تحتقره علنًا في الغد إذا ما أدار الحظ له ظهره. بل إن رد فعلها ضده يكون عنيفًا بقدر ما كان احترامها له كبيرًا.
وعندئذ تنظر الكثرة للبطل الذي سقط نظرة نظيرٍ لها و تنتقم منه لأنها قد انحنت أمامه و أمام تفوقه المزعوم الذي لم تعد تعترف به"
معلومات الكتاب: