هل لميكروبيوم الأم تأثيرٌ في التطور العصبي لجنينها؟
البيولوجيا والتطوّر >>>> الأحياء الدقيقة
تستوطن أمعاء الإنسان تريليونات الميكروبات، مشكلةً مجتمعًا مُعقدًا يُشار إليه باسم ميكروبيوتا الأمعاء microbiota. ويُعدُّ النشاط الاستقلابي لهذه الميكروبيوتا ضروريًا للحفاظ على الاستتباب الداخلي للمضيف وصحته. وعلى الرغم من أن وجودها أمرٌ حيوي، فإنَّ الاختلافات في تكوينها تسبب تحولاتٍ استقلابية قد تؤدي إلى تغيير النمط (الشكل) الظاهري للمُضيف (1).
فقد أثبتت الدراسات الأخيرة وجود ارتباطٍ مُتزايدٍ بين حالة عدم التوازن في الميكروبيوم microbiome (المحتوى الكامل من الميكروبات) للأم الحامل استجابةً لضغوطٍ مختلفةٍ مثل الإنتانات والنمط الغذائي والضغط النفسي في أثناء الحمل، مع خللٍ في وظائف الدماغ وبالتالي في سلوك النسل. إذ يعمل الميكروبيوم على تعديل عديدٍ من المستقلبات في الأمعاء والمصل والأعضاء المختلفة (2).
بالنسبة للإنتانات؛ أظهرت التجارب على الفئران المصابة بعدوى فيروسية أنماطاً سلوكيةً غير طبيعية، من انخفاض التواصل الاجتماعي والتواصل غير الطبيعي عند نسل الفأر. كذلك تشير الدراسات لدى الإنسان إلى أنَّ تعرّض الأمهات للإنتانات يزيد من احتمالية إصابة أجنتهنّ باضطرابات التوحد بسبب التفعيل المناعي عند الأم Maternal immune activation (MIA)، وذلك عن طريق تحفيز إفراز أحد الوسائط المناعية (IL-17). لكن ما تزال آلية عملها غير معروفة، مما يعني أن الخلل في بكتيريا الأمعاء الذي يحفز إفراز هذا الوسيط يُعدُّ عامل خطورةٍ على التطور العصبي للجنين (3). كذلك فإن التغيرات التي يسببها الالتهاب تُعطل البنية القشرية الحسية الجسدية في نسل الفئران البالغة، ويعود ذلك إلى مستقلباتٍ محددةٍ في دماغ الأجنة تُنظمها ميكروبيوتا أمعاء الأم والتي تُحفز تكوين المحاور المهادية القشرية الجنينية عند الفئران (2).
أما بالنسبة للتوتر؛ فقد لوحظ وجود ارتباطٍ بين تطور الدماغ والتجمعات البكتيرية الأولية المستوطنة للجهاز الهضمي، إذ تتعدل المناطق الدماغية المتحكمة في السلوكيات المرتبطة بالتوتر، عن طريق إشاراتٍ مصدرها ميكروبيوم الأمعاء (4).
علاوةً على ذلك؛ تجدر الإشارة إلى أهمية فهم دور النظام الغذائي في النمو العصبي للنسل وإعداد الدماغ لبرمجة الحياة المبكرة، إذ يرتبط سوء التغذية بانخفاض المادة البيضاء في أدمغة المراهقين والبالغين (2).
وعلى سبيل المثال؛ نقص فيتامين B12 في غذاء الحامل يؤدي إلى خللٍ في تطور الجهاز العصبي للجنين (5). إضافةً إلى أنه يؤثر في نمو الكائنات الحية الدقيقة عند الأبناء، إذ أن حدوث تغيرات في الحالة الصحية غالبًا ما تقود إلى اختلالاتٍ في ميكروبيوتا الأمعاء. فمثلًا تنقص نسبة العُصيات اللبنية Lactobacillus في الأمعاء نتيجةً لنظامٍ عالي الدسم لدى الأم، ويسهل العصب المبهم الاتصال بين الميكروبيوم وبين الدماغ، وبين مساراتٍ عصبيةٍ أخرى أيضًا، مؤديًا للاضطرابات العصبية (5).
يدعم التقدّم البحثي أهمية ميكروبيوم الأم في تعزيز النمو العصبي عند النسل في فترة ما قبل الولادة، من خلال تأثيره في النمط الاستقلابي والتعبير الجيني لدماغ الجنين. وهكذا، فإنَّ فترة الحمل المبكرة إلى منتصفها تُعدُّ فترةً حرجة، يُعزز خلالها ميكروبيوم الأم النمو العصبي للجنين لدعم العمليات العصبية والتي قد تكمن وراء سلوكيات الحياة اللاحقة (2).
المصادر:
2. Vuong H, Pronovost G, Williams D, Coley E, Siegler E, Qiu A et al. The maternal microbiome modulates fetal neurodevelopment in mice. Nature [Internet]. 2020 [cited 25 March 2021];586(7828):281-286. Available from: هنا
3. Kim S, Kim H, Yim Y, Ha S, Atarashi K, Tan T et al. Maternal gut bacteria promote neurodevelopmental abnormalities in mouse offspring. Nature [Internet]. 2017 [cited 25 March 2021];549(7673):528-532. Available from: هنا
4. Jašarević E, Howard C, Morrison K, Misic A, Weinkopff T, Scott P et al. The maternal vaginal microbiome partially mediates the effects of prenatal stress on offspring gut and hypothalamus. Nature Neuroscience [Internet]. 2018 [cited 25 March 2021];21(8):1061-1071. Available from: هنا
5. Al Rubaye H, Adamson C, Jadavji N. The role of maternal diet on offspring gut microbiota development: A review. Journal of Neuroscience Research [Internet]. 2020 [cited 25 March 2021];99(1):284-293. Available from: هنا5