الإنكار ونظريات المؤامرة
علم النفس >>>> المنوعات وعلم النفس الحديث
ويمكن للمعتقدات المبنية على الإنكار والرفض للأدلة العلمية أن ينتج عنها آثار مدمرة. فعلى سبيل المثال تبقى اللقاحات أحد أهم مواضيع الصحة العامة التي يرفضها بعض الأشخاص على نحوٍ متزايد نتيجة رفض الأدلة العلمية وإنكارها، إذ يعزون الإصابة بالتوحد إلى أخذ الأطفال للقاحات على الرغم من وجود آلاف الأدلة العلمية التي تنفي هذا الشيء قطعًا (2،3).
ومن أخطر أنواع الإنكار هو المعتمد على الخوف وعدم اليقين بطريقة تجعله معديًا، وللتغلب على الإنكار يجب أن نفهم الطرق التي يستخدمها الرافضون أو أصحاب المؤامرات.
ويتضمن الإنكار خمسة عناصر مميزة وهي:
عندما يتفق القسم الأكبر من العلماء على صحة شيء ما، يبدأ الأشخاص باقتراح أن هذا الاتفاق لا يعود لعمل العلماء كل على حدى، بل إنها مؤامرة تحاك في الخفاء. وفي بعض الأحيان يستفيد هؤلاء الأشخاص من مخاوف حقيقية موجودة لدى الشعب مثل رفض الحقائق المتعلقة بفيروس الإيدز لدى الأشخاص ذوي البشرة السوداء بسبب اعتقادهم أن هذه الحقائق نتجت عن عنصرية وليس عن التجربة والعلم. وهذه أحد طرق استغلال مروجي نظريات المؤامرة لمخاوف الأشخاص (2).
وهم أشخاص مختصون في مجال معيّن لكن آرائهم تختلف جذريًا عن العلم والمعرفة السائدين في هذا المجال. ومن أهم مستخدمي هذه الطريقة هم شركات التبغ والتي تجنّد هؤلاء الأخصائيين خدمةً لأهدافها. وأحد أبرز الأمثلة هو استخدام شركة Philip Morris في ثمانينات القرن الماضي لهذه الاستراتيجية بواسطة الاستعانة بخبراء لمواجهة الأدلة المتزايدة التي تحذّر من خطورة التدخين السلبي وآثاره المدمرة على صحة الإنسان. وفي بعض البلدان مثل ألمانيا نجحت شركات التبغ في خلق شبكات معقدة ومؤثّرة على القرارات السياسية والاقتصادية، مما أدى لتأخير تطبيق القوانين التي تحدّ من التدخين (2).
أي يستشهد الأشخاص من أبحاث منفردة تتعارض مع التيار العلمي أو يسلطون الضوء على الأخطاء البسيطة للأبحاث الضعيفة والتي تدعم التيار السائد بهدف زعزعة مصداقية التيار العلمي بأكمله. ومن أهم الأمثلة على ذلك هو بحث نُشر في British Medical Journal والذي تحدث عن عدم وجود صلة بين تدخين السجائر وزيادة خطر الإصابة بسرطان الرئة وأمراض القلب، واستشهدت العديد من شركات التبغ بهذا البحث لنفي وجود أي مخاطر صحية للتدخين السلبي (2).
فعلى سبيل المثال، من ينفي حقيقة التغير المناخي يشيرون دائمًا لعدم وجود قياسات دقيقة لدرجات الحرارة قبل اختراع ميزان الحرارة! (2).
مغالطة استبعاد الوسط The excluded middle fallacy هي أحد الأمثلة على المغالطات المنطقية مثل الاعتقاد بأن التدخين السلبي إما أن يسبّب عددًا كبيرًا من الأمراض المحددة أو لا يسبّب أي أمراض، وبالتالي الشك بعلاقة التدخين مع سرطان الثدي كافٍ لرفض علاقة التدخين السلبي بأي أمراض أخرى (2).
متى يمكن للرفض أن يكون مفيدًا؟
يمكن للرفض أو الإنكار لمدة قصيرة أن يكونا مفيدين في بعض الأحيان، إذ يسمحان للعقل أن يستوعب باللاوعي آثار الصدمات أو المحن التي يمر بها الإنسان دون أن ينهار نفسيًا. فعلى سبيل المثال عندما يجد الشخص كتلة في عنقه يتجاهل وجودها على أمل أن تختفي تلقائيًا، ولكن عند استمرار وجود هذه الكتلة يبدأ الإنسان بالتفكير منطقيًا بوجوب مراجعة الطبيب؛ إذ سمح الإنكار للعقل أن يحلّل الأمور بطريقة منطقية ومن ثمّ اتخاذ الإجراء المناسب دون أن يصاب الشخص بالهلع ويتصرف بعفوية (1).
كيف نتعامل مع الإنكار؟
لمعرفة ذلك يجب أن نفهم أن وراء الإنكار دوافع عديدة منها الجشع والطمع أو العقائد أو الإيمان والتي تقود الأشخاص لرفض أي شيء يتعارض مع اعتقاداتهم.
ومهما كان الدافع يجب الانتباه للرفض ومواجهته، والرد الأكاديمي الأفضل هو التفاعل مع الرأي الآخر مع اختبار نقاط الضعف والقوة لهذا الرأي وانتظار ظهور الحقيقة كاملة بعد نهاية النقاش. ولكن هذه الطريقة تتطلب بعض الشروط مثل رغبة طرفي النقاش في النظر للأدلة على نحوٍ عام وليس فقط على نطاق ضيق مع الاتفاق على مبادئ المنطق ورفض التشتت والابتعاد عن محور النقاش مع احترام الطرفين لرأي الآخر؛ إذ لا يمكن أن ينجح النقاش دون الاتفاق على هذه القواعد (2).
وطبعًان لا يجب أن نصادر رأي الرافضين أو أصحاب نظريات المؤامرة، بل يجب أن نناقشهم مع الانتباه للعناصر الخمسة السابقة التي يستخدمونها لتجنب الوقوع في فخ المغالطات والابتعاد عن موضوع النقاش.
المصادر:
2- Diethelm P، McKee M. Denialism: what is it and how should scientists respond?. The European Journal of Public Health [Internet]. 2009 [cited 25 July 2021];19(1):2-4. Available from: هنا
3- Smith TC. Denialism: How Irrational Thinking Hinders Scientific Progress، Harms the Planet، and Threatens Our Lives. Emerging Infectious Diseases [Internet]. 2010 [cited 25 July 2021];16(4):749b-750. Available from: هنا