بطلٌ من نوعٍ آخر؛ مراجعة فيلم
الفنون البصرية >>>> عالم السينما والتلفاز
بعيونٍ تملؤها الدموع يُجبِر -صانع الابتسامة- آرثر فليك "Joaquin Phoenix" نفسَه على الابتسام، آرثر الذي يعيش مع والدته المريضة "Frances Conroy" في منزلٍ مهترئٍ في مدينة "جوثام-Gotham" في أواخر الثمانينيّات، ويعاني حالةً عصبيةً تجعله ينفجر ضاحكاً في أسوأ اللحظات.
يؤمن بأن قدره رسم الابتسامة على الوجوه البائسة في مجتمعه الذي يعاني الانحطاط والتردّي، إذ أن الفقراء يزدادون فقراً، والأثرياء يزدادون ثراءً، ويحلم على الرغم من كلِّ ذلك بأن يحقّق هذا القدَرَ ويقف كوميدياً على الخشبة وسَط مزيجٍ من الضحك والتصفيق.
هذا التباين بين أحلام فليك الوردية وواقعه السوداوي، بين الابتسامة التي يرسمها والألم والحزن في عينيه، والأطياف الواسعة من المشاعر الإنسانية ضمن هذين النقيضين، قدّمهما واكين ببراعة وتمكُّن، ونال على ذلك جائزة الأوسكار لأفضل ممثل، جائزة مُستحَقة أكّدت ما لا شكّ فيه، أنّه كلما زاد الدور تعقيداً وتحدّياً، برع واكين فيه أكثر، بجسده النحيل وعظامه البارزة، بضحكته الجافّة وحاجبيه اللذين يلقيان ظلاً كبيراً على وجهه الشاحب المتعب تعمّد واكين إثارة تعاطفنا، لكن بحذرٍ وليس دون أن يُذكّرنا تكراراً بالجانب المظلم من هذه الشخصيّة، جانبٌ ينمو باستمرارٍ، مع كلّ مُتنمِّرٍ وساخرٍ وغير مبالي، جانبٌ تجوهرَ وبلغَ ذُروتَه عندما بلغَ الأذى والسخريةُ ذُروتَهما.
استطعنا متابعةَ هذا التطوّر من خلال المشاهد الراقصة التي شكّلت نقاطَ التحولِ الأساسيّة في شخصيّتِه، وصوّرت موتَ آرثر فليك وولادةَ أحد أكثر شخصيّات الكتب المصوّرة شرّاً "الجوكر" مَشاهد كان لِـ "تود فيليبس" الفضل فيها وكذلك لِـ "فينيكس"، ومع كونه أوّل فيلم من هذا النوع للمخرج الذي اشتهر بسلسلة "the hangover"، إلا أنه أثبت نفسَه بجدارة مُستلهماً ومُستعيراً بعض ثيماتِ وأجواءِ فيلمه من أعمالٍ عظيمةٍ مثل "Taxi Driver" و"The King of Comedy" لِـ "مارتن سكورسيزي" و"psycho" لِـ "ألفريد هتشكوك" ، وعلى الرغم من رجوعِه إلى هذه الأفلام الكلاسيكيّة، إلا أنّه نجحَ في خلق صوتِه الخاصّ ورسالتِه اللذين يتناسبان مع عصرنا. نرى الكثير من الإسقاطات على واقعنا الحالي، بما يتعلق بالتفاوت الطبقيّ ونمو الهوّة ما بين الأثرياء والفقراء وسَط مجتمعٍ رأسماليٍّ تتراكمُ فيه الأموال في يدِ قلّة قليلةٍ، إضافة إلى الإشارة إلى أهمية الصحة النفسيّة وما ينتجُ عن إهمالِ المجتمع والأفراد لها.
في معظم الأفلام السابقة التي تناولت شخصيّة "الجوكر" عدوّ باتمان اللدود، والظروف التي أدّت إلى ظهورِه، غالباً ما نراه يقعُ في وعاءٍ من المخلّفات الكيميائيّة ليخرجَ منها ضاحكاً بشعرٍ أخضرَ وميولٍ سايكوباثيّةٍ، إلّا أنّ هذا الفيلم كان أوّل من ناقش بوضوحٍ فكرةَ الجوكر على أنه ثمرة محيطه، فالمواد السامّة التي سقطَ فيها الجوكر في فيلمنا هي مجتمعه الذي يمثّل الشرير الحقيقيّ هنا، مجتمعه المكوّن من الفقراء الذين يجرّون بعضهم إلى الهاوية والأغنياء الذين يراقبون الجميع وهم يسقطون من قلاعهم العالية المحصّنة، الجوكر ليس إلّا وليد هذا التباين الحادّ، هم قتلوا الفتى المكافح "آرثر" وخلقوا سيّد الفوضى "الجوكر"، وعدم مبالاته بالفوضى التي خلقها والأرواح التي سلبها هو نتيجة طبيعيّة لعدم مبالاتهم به.
بعد الخاتمة الأوبرالية الضخمة يتركنا الفيلم بكمٍّ من الأسئلة؛ فما هو الحقيقي وما هو الخيال؟ والأهم من ذلك، هل الجوكر هو الضحيّة هنا أم أنه فعلاً شخصٌ سيءٌ؟ هل الحياةُ هي من جعلته كذلك؟ وهل يبرّر له ذلك ما فعله من قتلٍ وترهيبٍ؟
ما رأيك قارئنا الشغوف؟ شاركنا رأيك ووجهة نظرك في هذا الفيلم في التعليقات..
تدقيق لغوي: بشرى البعلي
معلومات الفيلم:
العنوان: Joker
المخرج: Todd Phillips
الكاتب: Todd Phillips و Scott Silver
سينماتوغرافي: Lawrence Sher
سنة إنتاج الفيلم: 2019
لغة الفيلم: الإنجليزية
مدة الفيلم: 122 دقيقة