إدغار ديغا (Edgar Degas)
الفنون البصرية >>>> فنانون عالميّون
في وقت لاحق من حياته أصبح ديغا منعزلًا وكئيبًا ومصابًا بنوبات من الاكتئاب، ربما نتيجةً لتزايد العمى لديه. منظره الأحادي، وهو عمل غير عادي من هذه المدة، هو مثال غير متوقع على تقديم ديغا مشهدًا في الهواء الطلق دون أجساد، مما يدل على استخدام خيالي ومعبِّر للون الخط وحريته التي ربما نشأت -على الأقل جزئيًّا- نتيجةَ كفاحه للتكيف مع تدهور رؤيته (1).
Image: https://images.metmuseum.org/CRDImages/ep/original/DP232029.jpg
ولد ديغا في باريس بفرنسا، وهو الابن الأكبر بين خمسة لأسرة معتدلة الثراء، في سن الحادية عشرة بدأ ديغا تعليمه بالتسجيل في مدرسة (Lycée Louis-le-Grand)، وتخرج عام 1853م بدرجة البكالوريوس في الأدب (1-3).
بدأ ديغا الرسم بجدية في وقت مبكر من حياته، في سن الثامنة عشرة حوَّل غرفة في منزله إلى أستوديو للفن، وبدأ يعمل في متحف اللوفر بصنع النسخ (1,2)، لكن والده توقع منه أن يلتحق بكلية الحقوق؛ لذا سجل ديغا في كلية الحقوق بجامعة باريس في عام 1853م، لكنه بذل جهدًا قليلًا في الدراسة هناك.
في عام 1855م التقى ديغا جان أوغست دومينيك إنجرس (Jean Auguste Dominique Ingres)، الذي كان ديغا يوقره، ونصحه قائلًا "ارسم الخطوط أيها الشاب، عددًا من الخطوط". في أبريل من العام نفسه قُبل في مدرسة الفنون الجميلة (Ecole des Beaux-Arts)، حيث درس الرسم بإشراف لويس لاموت (Louis Lamothe)، وازدهر هناك متبعًا أسلوب إنجرس (1-3).
في عام 1856م سافر ديغا إلى إيطاليا، وبقي ثلاث سنوات هناك يرسم نسخًا لكل من مايكل أنجلو ورفائيل وتيتيان وفنانين آخرين من عصر النهضة، غالبًا ما كان يختار من لوحة المذبح رأسًا فرديًا يعامله على أنه بورتريه، في هذه المدة أصبح بارعًا في تقنيات الفن العالي والأكاديمي والفن الكلاسيكي (1).
هنا
يبدو أن إدغار ديغا لم يتصالح مع تسمية "الانطباعي" أبدًا، مفضلًا أن يطلق على نفسه "الواقعي" أو "المستقل". ومع ذلك، فقد كان أحد مؤسسي المجموعة ومنظمًا لمعارضها وأحد أكثر أعضائها الأساسيين أهمية. مثل الانطباعيين، سعى لالتقاط لحظات عابرة في تدفق الحياة الحديثة، لكنه أظهر القليل من الاهتمام برسم المناظر الطبيعية في الهواء الطلق، مفضلًا المشاهد في المسارح والمقاهي المضاءة بالضوء الاصطناعي، والذي استخدمه لتوضيح ملامح شخصياته (2).
من الناحية الفنية، يختلف ديغا عن الانطباعيين في أنه كما يقول مؤرخ الفن فريدريك هارت: "لم يتبنَّ اللون الانطباعي قط"، واستمر في التقليل من شأن ممارستهم للرسم في الهواء الطلق (1).
يعكس اختيار ديغا للموضوع منهجه الحديث. لقد فضل مشاهد راقصات الباليه، والعاملات، وصانعي القبعات، وقاطني الحياة الباريسية المنخفضة.
ازداد اهتمامه براقصات الباليه في سبعينيات القرن التاسع عشر، وفي النهاية أنتج قرابة 1500 عمل حول هذا الموضوع، هذه ليست صورًا تقليدية، لكنها دراسات تتناول حركة جسم الإنسان، وتستكشف جسدية الراقصين وانضباطهم عن طريق استخدام المواقف الملتوية ونقاط الأفضلية غير المتوقعة.
في لوحة الراقصة تعدل خفها (Dancer Adjusting Her Slipper) من الصعب فك شفرة وضع الشكل، إذ يُنظر إليه من زاوية شديدة الانحدار حيث تكون قدميها ورأسها في أسفل الصورة، ومع ذلك فهي تنقل إحساسًا بمرونة الراقصة (2).
هنا
ربما كان عمله الراقصة الصغيرة ذات ال 14 عامًا (Little Dancer of Fourteen Years) أكثر أعماله إثارة للجدل، إذ نقده بعض النقاد بقسوة ووُصف ب "قبح مروع" بينما رأى آخرون فيه "ازدهارًا"(1).
هنا
قبل عام 1880م كان يستخدم الزيوت عمومًا لأعماله المكتملة التي كانت تستند إلى دراسات أولية ورسومات مرسومة بالقلم الرصاص أو الباستيل، ولكن بعد عام 1875م بدأ في استخدام الباستيل تكرارًا حتى في الأعمال النهائية، مثل اللوحات في البورصة (2)، التي تُظهر فهمًا دقيقًا للطرق التي يمكن عن طريقها الكشف عن المكانة الاجتماعية للشخص أو شكل العمل، وصوَّر في لوحاته الراقصين والعاملات، وكشف عن مهنهم ليس عن طريق لباسهم وأنشطتهم فقط، ولكن أيضًا بنوع أجسادهم، تظهر راقصات الباليه الخاصة به جسدًا رياضيًّا، في حين أن المرأة التي تغسل الثياب تبدو ثقيلة وصلبة (1).
هنا
بحلول أواخر ثمانينيات القرن التاسع عشر بدأ بصر ديغا في التدهور، ربما نتيجة إصابة تعرَّض لها في أثناء خدمته في الدفاع عن باريس في الحرب الفرنسية البروسية (1870-1871م)، بعد ذلك الوقت ركز حصريًّا تقريبًا على الراقصين والعراة، وتحول بصورة متزايدة إلى النحت مع ضعف بصره في سنواته الأخيرة (2).
Image: https://images.metmuseum.org/CRDImages/ep/original/DP253483.jpg
على الرغم من التطور الأسلوبي كله، ظلت بعض سمات عمل ديغا ثابتة طوال حياته. دائمًا يرسم في الداخل، مُفضلًا العمل في الأستوديو الخاص به، يرسم من الذاكرة أو باستخدام النماذج، وظلَّ الجسد موضوعه الأساسي(1).
Image: https://images.metmuseum.org/CRDImages/ep/original/DP158871.jpg
Image: https://images.metmuseum.org/CRDImages/dp/original/DP815958.jpg
واصل ديغا العمل حتى وقت متأخر من عام 1912م عندما أُجبر على مغادرة الأستوديو في مونمارتر، الذي عمل فيه لما يزيد على عشرين عامًا. توفي بعد ذلك بخمس سنوات في عام 1917م عن عمر يناهز ثلاثة وثمانين عامًا (2). لم يتزوج أبدًا وكانت سنواته الأخيرة حزينة وحيدة، خصوصاً أنه عاش أكثر من عدد من أصدقائه المقربين (1).
المصادر: