ظاهرة التدريس باللغة الإنكليزية؛ نظرة عامة إلى خلفياتها وأسبابها
التعليم واللغات >>>> اللغويات
يُعرَّف نظام أو أسلوب التدريس باللغة الإنكليزية (EMI/ English-medium instruction)
على أنه توفير التدريس أو التعليم باللغة الإنكليزية في الحالات التي لا تكون الإنكليزية هي اللغة شائعة الاستخدام. وعلى الرغم من الامتعاض الذي يُبديه البعض من انتشار اللغة الإنكليزية والنظر إلى الأمر على أنه نوع من الامبريالية اللغوية فقد شاع الطلب والرغبة باعتماد اللغة الإنكليزية لغةَ التدريس في كل أنحاء العالم كأوروبا وآسيا والشرق الأوسط وإفريقيا (1).
وهناك وجهات نظر مختلفة تجاه اختيار الإنكليزية بصفتها لغةً للتدريس، فالبعض يرى أنها جزء من مؤامرة اجتماعية اقتصادية متنامية بانتظام، في حين يرى آخرون أنها تُعبر عن الحاجة إلى وجود لغة نفعية واحدة مشتركة. حقيقةً، أخذت لغات أُخرى دور لغة التواصل المشترك في أقاليم معينة في الماضي، لكن الأمر مختلف الآن وسيستمر على هذا النحو للخمسين عامًا المقبلين؛ إذ يُنظر إلى اللغة الإنكليزية على أنها اللغة التي ستُستخدم بازدياد لسد احتياجات الاقتصادات العالمية وسنرى المقصود بهذا في الفقرات التالية (2).
يرى بعض الناس أنَّ مُصطلحي العولمة والأنجلزة متلازمان ولا يمكن فصلهما عن بعضهما (2)، إذ ينظر صانعو السياسات والمعلمون والأهالي إلى التدريس باللغة الإنكليزية على أنه جواز سفر إلى جميع أنحاء الأرض (3). ويمثل ذلك تحديًا أمام المعلمين كي يُطوروا أنفسهم على المستويين الشخصي والمهني (3)؛ فقد أكدت نتائج دراسة أُجريت سابقًا في هونغ كونغ الحاجةَ إلى أن يمتلك المعلمون وعيًا لغويًّا بالإضافة إلى المعرفة بالمادة التي سيدرِّسونها (1).
وتُشير الدراسات والتقارير إلى أن نسبة المؤسسات التي تسمح بالتدريس باللغة الإنكليزية أعلى في القطاع الخاص منها في القطاع العام، وإذا أردنا المقارنة بين انتشار الإنكليزية بصفتها لغة التدريس فسنجد أنها مُعتمَدة في المرحلة الجامعية أكثر من المرحلة الثانوية، وفي المرحلة الثانوية أكثر من الابتدائية (3).
الأسباب الكامنة خلف اعتماد اللغة الإنكليزية وسيلةً للتدريس:
استطاع مشاركون من المجلس الثقافي البريطاني في دراسة تضمنت 55 دولة الاطلاع على السياسات الرسمية التي توضح إجابات عن الأسئلة المتعلقة بسبب إدخال الإنكليزية لغةً للتدريس إلى أنظمة التعليم في بلادهم، وتضمنت بعض هذه الأسباب ما يأتي:
1. الرغبة في تطوير مهارات تعلم اللغة الإنكليزية.
2. تحسين المعرفة بثقافة اللغة المستهدفة.
3. إتاحة الإمكانيات للطلبة للعمل والدراسة في الخارج ونشر ثقافة البلد في أنحاء العالم.
4. الأسباب السياسية المتعلقة ببناء الدولة والتعاون مع الدول الناطقة باللغة الإنكليزية (3). شملت النتائج بلداناً مثل البحرين وأوغندا والهند وباكستان وجنوب السودان، بالإضافة إلى بلدان أوروبية مثل هنغاريا وهولندا (3).
كذلك نستطيع القول بوجود ضغط من الأهالي وهو ما ساعد على الترويج للغة الإنكليزية بصفتها وسيلة للتدريس، قد يسأل البعض، لماذا؟
بحسب المشاركين في الدراسة فإنَّ اللغة الإنكليزية في نظر الأهالي مرتبطة بالتعليم والنتائج التعليمية الجيدة؛ ففي القطاع الخاص في الصين مثلًا يُعد انتشار واستخدام التدريس باللغة الإنكليزية في مدرسة ما دليلًا على أنها ذات مكانة عالية وبمستوى عالمي وأنها توفر تعليمًا نُخبويًّا. يَعدُّ الأهالي وجود أطفالهم في مدارس تُدرس باللغة الإنكليزية وسيلةً للأطفال ليكونوا جزءًا من النخبة الاجتماعية؛ ما يجعل الأهالي مستعدين لدفع مبالغ طائلة من مرتباتهم في سبيل أن ينخرط أولادهم في المؤسسات التعليمية التي توفر التدريس باللغة الإنكليزية (3).
في الحقيقة، ينظر مديروا ومسؤولوا الجامعات إلى التدريس باللغة الإنكليزية على أنه مُقترح جذاب لأسباب عديدة، بما في ذلك للترويج لجامعتهم أو حتى بلادهم، وهو أمر يساعد الجامعاتِ على الاستمرار من الناحية المالية بسبب قدرتها حينها على استقطاب طلبة دوليين قادرين على دفع أقساط كبيرة للدراسة. وإضافة إلى ذلك يُصبح بإمكان الجامعات نشر أوراق بحثية باللغة الإنكليزية؛ ما يرفع من تصنيفها العالمي بين الجامعات (3)، إلى جانب وجود أسباب أُخرى بالطبع، ففي إثيوبيا مثلًا اعتُمد التدريس باللغة الإنكليزية للتعويض عن مشكلة اللغات المختلفة التي يتحدثها الطلاب في الصفوف (2).
وعلى الرغم من التركيز الموجه إلى وضع السياسات المتعلقة بهذا الأمر في بعض البلدان فإن التركيز أقل بكثير فيما يتعلق بالممارسات اللغوية المرتبطة باعتماد اللغة الإنكليزية لغةً للتدريس (2).
فبعد أن نجحت مدرسة أو جامعة تعتمد أسلوب التدريس باللغة الإنكليزية بجذب الطلاب الدوليين، قد يواجه مُدرس فيها صفًا من الطلبة الذين قد لا يتحدث الكثير منهم لغة المُدرّس الأم. لذلك فقد يكون إتقان مستوىً عالٍ من اللغة الإنكليزية حدًا أدنى من المتطلبات التي على المدرس امتلاكها، وذلك ليكون قادرًا على التعامل بهذه اللغة. وقد تجد معلمة مادةً ما في الجامعة أنها بحاجة إلى طرق بديلة لتقدم المعلومات والمواد الأكاديمية للطلبة الذين يتحدثون اللغة الإنكليزية كلغةً ثانية، لذلك بالإمكان القول إنه ينبغي في هذه الحالة للمُدرسين العاملين في سياق التدريس باللغة الإنكليزية أن يمتلكوا مهارات مماثلة لتلك المطلوبة من معلمي اللغة الإنكليزية بصفتها لغة أجنبية (3). ونستطيع أن نجد بالفعل ثروة معرفية في دراسات علم اللغة التطبيقي عن كيفية تعزيز التعلم في سياقات التدريس باللغة الإنكليزية من خلال رفع الوعي حيال دور اللغة (4).
لكنَّ المشكلة المُلاحظَة بشدة تتمثل في مدى إجادة الطلبة للغة الإنكليزية في المؤسسات التعليمية الأجنبية التي تعتمد التدريس بهذه اللغة، فسرعان ما يجدون أنفسهم مضُطرين لقراءة المواد والإنصات إلى المحاضرات وكتابة مقالات طويلة بلغة كانوا قد اكتسبوها لغةً أجنبية، وليس هناك أي بوادر لتدريس هذه اللغة على نحوٍ منفصل الآن، ما يجعل التعلم في المرحلة الجامعية مثلًا بلغة ثانية غير لغة الطلبة الأصلية مهمة شاقة؛ فقد يشكِّل تعلُّم محتوى البرنامج الدراسي في الجامعة تحديًا بذاته حتى وإن كان يُدرَّس بنفس لغة الطلبة الأم (1).
وللإضاءة على جوانب وتفاصيل أكثر في هذا السياق سنُكمل في مقال تالٍ العقبات والتحديات التي تُعيق تطبيق التدريس باللغة الإنكليزية وتحقيق أفضل النتائج، من خلال التعمق في تجارب مؤسسات من دول مختلفة.
المصادر:
2. March D. English as medium of instruction in the new global linguistic order: Global characteristics, local consequences. In: Proceedings of the second annual conference for middle east teachers of science, mathematics and computing. METSMaC; 2006. p. 29–38. Available from: هنا
3. Dearden J. English as a medium of instruction – a growing global phenomenon. British Council; 2014 p. 1–40. Available from: هنا.
4. Hultgren AK, Owen N, Shrestha P, Kuteeva M, Mežek Š. Assessment and English as a medium of instruction - Challenges and opportunities. Journal of English-Medium Instruction. 2022;1(1):105–23. Available from: هنا.