عملية انتقال جيني من نبات إلى حشرة تُعدُّ الأولى من نوعها
البيولوجيا والتطوّر >>>> منوعات بيولوجية
تبيّن أنَّ الذبابة البيضاء -والتي تُعدُّ من أكثر الحشرات فتكًا بالمحاصيل الزراعية- تستمدُّ قوتها من جينات اكتسبتها عن طريق النباتات المُضيفة لها.
وهو أمرٌ غير غريب على مدى ملايين السنين؛ فقد اقترضت النباتات والحشرات جيناتٍ عديدةً من الميكروبات، واستعملتها لتطوير إستراتيجيات دفاعية وهجومية، لكن لم يكن معروفًا من قبل أن الحشرات المتطفلة قادرة على استعمال جينات النبات المُضيف للتغلب على دفاعاته.
ويُعدُّ هذا الاكتشاف أولَ مثالٍ معروفٍ عن عملية الانتقال الجيني من نبات إلى حشرة، وقد يفسِّر السببَ الذي يجعل حشرةَ الذبابة البيضاء بارعةً جدًّا في الفتك بالمحاصيل الزراعية (1).
وتُعدُّ حشرات الذباب الأبيض آفاتٍ مهمة، إذ تُسبب خسائرَ كبيرةً في المحاصيل الزراعية في أنحاء العالم كافة، وتُفرز مادةً سكريةً لزجةً تسمى "الندوة العسلية" مسببةً نموَّ الأعفان وتكاثرها على أسطح النباتات المصابة، كذلك فهي ناقلةٌ للعديد من الفيروسات النباتية الممرضة، وتُظهِر قدرةً استثنائيةً على التكيف مع النبات العائل، إنها نموذجٌ جيدٌ للتعرف إلى الآليات المُتَّبعة عند الحشرات، والتغلب على الدفاعات النباتية (1,2).
وقد طوَّرت النباتات عبر ملايين السنين العديدَ من الدفاعات المورفولوجية والجزيئية والكيميائية الحيوية لمقاومة هجمات الحشرات المتطفلة عليها، ومن بين المركبات الكيميائية الحيوية الدفاعية للنبات، تُعدُّ المستقلبات الثانوية من أكثر الأسلحة فعاليةً.
ومن أهم المستقلبات الثانوية (الجلوكوسيدات الفينولية)، إذ تؤثر بشدة في نموِّ الحشرات المتغذية على النباتات وتطورها وسلوكها.
وعلى الرغم من الفعالية الكبيرة لهذه المركبات الدفاعية السامة، فإنَّ معظم النباتات يمكن أن تُصاب بالحشرات؛ الأمر الذي يمكن أن يُعزى إلى العمليات التطورية التكيفية التي تسمح للحشرات النباتية التغذية بتعديل سميِّة المستقلبات الثانوية الموجودة في النباتات ومقاومتها (1-3).
وقد بحثَ فريق الدراسة في جينوم حشرة الذبابة البيضاء عن جينات مُكتسبة من كائنات أخرى، ولاحظوا أن هذه الحشرة قد اكتسبت جينًا من النباتات المُضيفة، ولجأت إلى تعديلات على هذا الجين؛ إنها تستطيع جعل الجلوكوسيدات الفينولية الموجودة في النباتات المضيفة غيرَ مُضرَّة، وبذلك استطاعت الذبابة البيضاء تبنِّي إستراتيجيةً دفاعيةً للنباتات واستخدامها في مكافحة السموم النباتية.
ولإثبات ذلك، عمدَ الباحثون إلى هندسة نباتات البندورة وراثيًّا لإنتاج جزيئات رنا (RNA) التي تعمل على إيقاف التعبير عن هذا الجين في الذبابة البيضاء عند تغذِّيها عليها، وكانت النتيجة خسارة الذبابة البيضاء قدرتها المقاوِمة للسموم النباتية؛ ممّا منحَ نباتات البندورة مقاومةً كاملةً للذبابة البيضاء (1).
وبذلك تَقترح هذه النتيجة وسيلةً جديدةً لاستهداف الذبابة البيضاء الضارَّة من دون إلحاق الأذى بالحشرات الأخرى المفيدة، ممهِّدةً بذلك الطريق نحو تطوير إستراتيجيات حديثة لمكافحة الآفات الزراعية وحماية المحاصيل (1,2).
المصادر: