العودة إلى الحقيقة! مراجعة قصة حلم رجل مضحك
كتاب >>>> معلومة سريعة
لا بأس، جميعنا شَعَر في أحيانٍ كثيرة بعدم جديّة الحياة، وتمنى لو استطاع -للحظة ما- إيقافها أو الهروب منها بأفضل الحالات، هذا ما دفع الكاتب الروسي (فيدور دوستويفسكي (1821_1881) Fyodor Dostoevsky) لكتابة "حلم رجل مضحك" القصة التي أعادت الكاتب إلى واقعهِ بعد أن سقط في حلمٍ طويل أوله رصاصة وآخره نشوة.. فيدور دوستويفسكي. حلم رجل مضحك. ت: د. ثائر زين الدين. مكتبة وصال العرب. 2006م. ص22.
لقد بدأَ المشهد في غرفةٍ معتمة تحوي طاولة وكرسي عتيق ومسدس، ورجلٌ يرغب في إنهاء حياته، فيغفو بدلاً من ذلك، فالكتاب يروي قصةَ رجل يغمره شعورٌ باللا معنى، وفي لحظة تفكيرٍ أخيرة يدرك أنه لا يملك أي شيء ذي قيمة في هذا العالم، حتى انعكاسه من الآخرين بدا كذلك، فانغمس في شعور العدمية وفقد الأمل في العثور على أي مخرج، ليجدَ الانتحار حلاً لهذا الوضع اليائس، لقد جاء هذا القرار بينما كان يتجول في المدينة ليلاً ناظراً نحو السماء، متجاهلاً كل ما يحدث حوله ومنشغلاً بأفكاره الخاصة.
"إن تلك الحياة التي تُعلونَ من شأنها كنتُ سأنهيها بطلقة مسدس، لكن حلمي، حلمي أنا- فقد حمل إليّ حياة جديدة، عظيمة، متجددة وقويّة!"
ويُرسَم في هذه القصة صورة مثيرة عن رحلة روحية داخل مخيلة الشخصية الرئيسة، إذ يجد الرجل نفسه غارقاً في حلمٍ طويل، ويرى نفسه ميتاً لكنّه قادرٌ على الاستماع والرؤية في هذا الحلم، ويجد أرضاً يعيش البشر عليها بسلام دونَ رغبات أو خطايا، ويغنّون ويتواصلون مع الأشجار بلغةٍ خاصة، ويبدون متصالحين مع الحياة ومحبين لما حولهم وغير منشغلين بمفاهيم السعادة الزائفة، هذا التجرّد منح الكاتب رؤية أُخرى للحياة، واستطاع من خلالها أن يغفرَ لحماقة وجشع البشرية، ليفهم حالهم وحاله معهم.
وكما هو الحال في معظم شخصيات دوستويفسكي، على الرغم أن الرجل ذو نظرةٍ دونية لنفسه لكن في الوقت ذاته يمتلكُ وعياً وقيماً عميقة تمكنّه من تحليل الحياة بطرق غير متوقعة، وهذا ما أحال حلمه وسيلةً أرجعته لمنطقيّة العيش وقلّمت أفكاره المضطربة.
إنَّ القصة تتناول موضوعات مثل اليأس والعدمية والبحث عن الهدف في الحياة، وتأخذنا في رحلة داخل عقل الرجل المضحك، إذ يعيش تجربة غريبة تغيّر توجه حياته كليّاً، فعندما تخلو الحياة من مقومات القبول والرضا، فيلجأ الشخص إلى الخيال اللا شعوري محاولةً منه للعيش في عالم أقلَ قسوةً وأخفَ ضجةً.
"وحين صاروا آثمين ابتكروا فكرة العدالة وسنّوا قوانينَ تحميها، ولكي تُطَبق القوانين أقاموا المقصلة"
بأسلوبه الساخر والفلسفي، يقدم دوستويفسكي رؤيةً عميقة عن الإنسانية والوجود، فالقصة تجعلنا نتساءل عن معنى الحياة وقيمتها، وتعالج الأفكار المترسخة في تاريخ البشرية التي تشير إلى أن السعادة لا تأتي إلا عن طريق الألم، وتدفعنا للتفكير بالقضايا الأكثر جدلاً وتعقيداً في وجودنا، والدعوة لاستكشاف معاني الحياة والموت والعدالة ذاتها.
المصدر: