فقدان الهوية الإنسانية: قراءة في كتاب (الوحشية)
كتاب >>>> معلومة سريعة
يتحدث في البداية عن مفهوم الوحشية البشرية، والمتمثّلة في الصورة المادية السلعية التي ننظر بها إلى أنفسنا وأرواحنا وأجسادنا واختلافاتنا، وإلى كوكبنا بموارده وجغرافيته، ويتناول أثر الرأسمالية في تعزيز الضياع الهوياتي الإنساني، وتكريس الاختلاف بوصفه مبدأً للتعامل البشري، والتعامل مع القضايا الإنسانية بمبادئ الإحصاء والترقيم التابعة في النهاية إلى مصالح الرأسماليين وأصحاب الشركات الضخمة؛ مما يرسّخ من مبادئ الوحشية في نفوس الأفراد ويجعلها منطلقات فكرية راسخة.
ويعقد آشيل مبيمبي (1957)، الفيلسوف والمختص السياسي من الكاميرون، مقارنةً رائعة بين الفكر الرأسمالي والفكر الإفريقي قبل الغزو الحداثي له، مبيّنًا التباعد بين الإنسان الأبيض بفرديته وزعمه الحداثة والتفوق على بقية الأعراق -على الرغم مما سببته له مجتمعاته الحداثية من أزمات هوياتيّة واستلاب ثقافي- وبين الإنسان الأسود الذي ينشأ في مجتمع متواضع وسط فنونه وعلومه واختلاف معتقداته، محتفظًا بكرامته وكرامة قبيلته، ثم يعقد المقارنة الثانية بين تطرُّف النظام الأبوي مقابل تطرف النزعة الفردية الحداثية، مبيّنًا الأزمات التي يتسبب فيها كل شكل متطرف منهما.
ثم يتناول الكتاب قضية اللاجئين والمهاجرين والفارِّين من ويلات الحروب والكوارث، والتعامل الحداثي العنصري معهم، على أنهم "سكانٌ إضافيون" غير مرغوب فيهم، رغم تسبب حكومات الحداثة بالنصيب الأكبر من كوارثهم وحروبهم، تمامًا كما فعلت بإفريقيا في بعثاتها التبشيرية وحملاتها المستمرة لنهب خيرات القارة وحشد سكانها في السفن لاستعبادهم، ثم استيطان بلادهم لسرقة خيراتها وآثارها، والتي مازالت إلى اليوم تجني منها الأرباح، دون أن تلوح في الأفق أيَّة نية للتعويض أو الإصلاح.
الكتاب ثري في مضمونه، ويستحق القراءة.
المصادر:
مبيمبي، آشيل، الوحشية: فقدان الهوية الإنسانية، ترجمة د. نادرة السنوسي، ابن النديم والروافد الثقافية، بيروت (2021)