معنى الحياة! كتاب اعترافات تولستوي
كتاب >>>> الكتب الأدبية والفكرية
لكن إنتاجه الفكري لم يقتصر على الأدب وحده، بل امتدَّ ليناقش مسائلَ أخلاقيةً وعقائديةً انتقد فيها الكنيسة الأرثوذكسية، وعبَّر عن نظرته الجديدة إلى الدين من خلال تجربة فكرية شخصية عاشها وغيَّرت مسار حياته.
في الخمسين من عمره، وبعد حياة مليئة بالشهرة والثراء والتقدير واللهو؛ بدأ الأمر مع تولستوي بسؤال لم يتمكن من الإجابة عنه وإكمال حياته كما بدأت، وهو:
"لِمَ كلُّ هذا؟ وإلامَ يؤدي بنا؟".
تبدو الإجابة الطبيعية عن هذا السؤال هي: الموت!
إذن، ما معنى هذا كله؟ ما قيمة الشهرة والمال والثناء إذا ما كان كل شيء سيزول ويتلاشى؟ ما معنى الحياة؟
"أحسستُ أن ما كنت أستندُ إليه قد انهار، وأني لم أعد أجد لي عماداً، أنَّ ما عشت من أجله لم يعد له وجود، ولم يبقَ لي من الحياة غرض!".
إنَّ السؤال عن معنى الحياة دفع تولستوي إلى أن يعيدَ النظر في حياته، ويتذكرَ الآثام التي ارتكبها؛ كم من الأشخاص قتل؟! كيف قضى حياته باللهو والملذات؟ وكيف تمكَّن ومَن معه من الكتَّاب المثقفين من إقناع أنفسهم بأنهم يعلِّمون البشرية؟ من دون حتى أن يعلموا كيف وماذا يعلِّمونها! وماذا عن الدين والتقوى؟
لطالما مارسَ الشعائر وكأنه يؤدي واجباً! لكن ما جدوى الشعائر والإيمان في مواجهة رعب الموت؟!
عانى تولستوي نتيجةَ تساؤلاته الاكتئابَ، وفقد الرغبة في الحياة، بل وفكَّر بالانتحار، حتى إنه انقطع عن الذهاب للصيد خشيةَ أن تُنهي البندقية التي يحملها حياته! وأضحى ملحداً يُنكر وجود الله، لكنه كان يشعر داخلَ قلبه بشعور أليم لم يستطع تحديده حينها.. فكَّر بالفن والشعر وكيف أنهما زينة الحياة، لكنه وجد الحياة فاقدةً لجاذبيتها في عينيه.
وكونه رجلاً عاقلاً؛ اتجه في بحثه عن المعنى نحو العلم، فأصبح شديد الاتصال بالبحث العلمي، وتواصل مع علماء وباحثين في مختلف فروع المعرفة، لكن العلم -للأسف- لم يُجبْ عن مشكلة الحياة، ونتائجُه لا علاقة لها بمشكلات الحياة الإنسانية الحقيقية.
"كل خطوة نخطوها في سبيل المعرفة، تؤدي إلى إدراك الحقيقة، والحقيقة هي الموت".
فاتجهَ إلى الفلسفة، فلم يقنَع بلذة الأبيقورية، ورفض أن يلعقَ العسل الذي أمامه ويتجاهل المصير المحتوم الذي ينتظره، ولم يجد في فلسفة شوبنهاور المتمثلة "بالإرادة" العزاء!
وفي غمرة بحثه واضطرابه، توصَّل تولستوي إلى المعنى الذي يُطمئن قلبه ويُسكِن روحه؛ وهو "الإيمان" كما يؤمن جميع البسطاء والقانعين بالقضاء والقدر، إيمان الفقراء لا إيمان أبناء طبقته المُسرفين في الماديَّة والنفاق، والذين يلهثون خلف المتع الدنيوية، فالحلُّ برأيه لا يكون إلا بربط المحدود باللامحدود.
"الإيمان قوة الحياة، وما دام الإنسان حياً فلا بدَّ أن يعتنق عقيدةً من العقائد".
اكتشف تولستوي أنه خلال رحلة بحثه كان يبحث عن الله؛ ليس كما عرَّفه الدين والكنيسة -وقد انتقد هذه التعريفات في كتبٍ لاحقة- بل كان البحث عن الله بالشعور لا بالعقل، شعورٌ نابع من القلب..
"كان شعوراً بالخوف واليتم والعزلة في بلد غريب، وأملاً في العون بجهة ما".
المصدر:
الكتاب: اعترافات تولستوي.
الكاتب: ليو تولستوي.
المترجم: محمود محمود.
دار النشر: مؤسسة هنداوي 2018.
عدد الصفحات: 78.