"رامبرانت فنان العصر الذهبي الهولندي"
الفنون البصرية >>>> فنانون عالميّون
لم يُقدِّم مسقط رأسه ليدن كثيرًا من المواهب الفنية؛ ممَّا جعل رامبرانت -بعد ثلاث سنوات من تمرُّسه في الرسم- يُفكِّر في الذهاب إلى أمستردام للدراسة فيها فترةً وجيزة، ليعود بعدها إلى ليدن ويعمل رسَّامًا، ويتقاسم ورشة عمل مع (Lievens)، ولم يكن مناخ العمل سهلًا هناك؛ فبعد الإصلاح البروتستانتي لم تعد الكنائس المحلية توفر أيَّة عمولات للفنانين كما فعلت الكنيسة الكاثوليكية في بلدان أخرى؛ ممَّا جعل الفنانين يركزون على عمولات يدفعها لهم الأفراد، وسرعان ما صنع رامبرانت اسمًا لنفسه بصفته رسَّامًا للموضوعات التاريخية، وكان غير متماشٍ مع تفكير الرسامين الشباب، ولم يتَّبع النصائحَ التي أُسديت إليه في السفر إلى إيطاليا لدراسة الفن الإيطالي مباشرة، فكان يشعر-بدلًا من ذلك- أنَّ باستطاعته تعلُّم كل شيء يحتاجه عن طريق الفن المتوفر في وطنه الأم.
أمستردام وزواجه:
انتقل رامبرانت إلى أمستردام قرابة 1631، وهي من أكثر الموانئ ازدهارًا في شمال أوروبا، والمدينة المزدحمة بتجار من أنحاء الأمة كافة؛ إذ عُرِضت على الفنان الشاب فرص نجاحٍ أكثر بكثير من الفرص الشحيحة في ليدن؛ المدينة النائمة.
وتزوج عام 1634 من ساسكيا، ونقل لنا في عديد من لوحاته ورسوماته إيحاءً لزوجَين تغمرهما السعادة، وأنجبت زوجته عام 1636 ابنهما الأول، وتُوفِّي بعد أسبوعين فحسب، وقد أنجبا على مدى السنوات الأربع التي تلت تلك الحادثة طفلين تُوفِّيا في غضون بضعة أشهر.
نجاحه المتواصل:
انتقل رامبرانت وساسكيا إلى منزلٍ أكبر عام 1639، ورَسَم وقتها رسومًا لا تُعَدُّ ولا تحصى للناس في الشارع وللمتسوِّلين وللسيرك وللنساء وللأطفال ولزوجته ساسكيا.
وقد تأثَّرت لوحاته في تطورات الفن الإيطالي الجديدة؛ التي وصلت إلى هولندا عن طريق المطبوعات فضلًا عن المسافرين، فكان تأثير كارافاجيو في أعمال رامبرانت واضحًا منذ عقد 1630، فأضاف إضاءةً دراميةً وطوَّر طريقة جديدة لوَصْف الوجوه مع أنماط من الضوء والظل بدلًا من إضاءة جانب واحد والتظليل في الجوانب الأخرى فحسب، فقد صعَّبت الظلالُ المحيطة بالعينين في لوحاته قراءة التعبير الدقيق، فمنحت لوحاته انطباعات عيشٍ غير عادية، فتُمعِّن عقلك فيما وراء الوجوه.
وأنجبت ساسكيا 1641 ابنها تيتوس، وشعرت بعدها بتوعُّك، فرسم لها رامبرانت رسومات مختلفة عن إرهاقها ومكوثها في السرير، ولكنَّها تُوفيَت بعد فترة وجيزة وهي ما زالت في سن 30 فحسب، وكانت وفاتُها بسبب إصابتها بالطاعون أو السل.
فبدأ رامبرانت برعاية طفله وحده، ثمَّ وظَّف له ممرضةً اسمها هندركجي، والتي أحبها فتزوجها لاحقًا.
إفلاسه:
وفي خمسينيات القرن السابع عشر استشرى في أمستردام كسادٌ اقتصادي هائل، ولم يُكمل رامبرانت نصف المدفوعات المُترتبة على منزله حتى بدأ دائنوه بمطاردته لتحصيل أموالهم؛ ممَّا جعله يُقدِم على بيع مجموعة رائعة من لوحاته بأبخس الأسعار، وانتقل رامبرانت ومعه عائلته إلى منطقة أكثر فقرًا، وهناك واصل رامبرانت الرسم.
وتُوفيَت هندركجي عام 1663 بعد صراع طويل مع المرض، وبَقِي رامبرانت مع ابنه الوحيد، وتُوفِّي بعد ذلك في أمستردام في تاريخ 4/10/1669.
إضاءة على خطوط لوحاته:
اشتهر رامبرانت برسوماته ذات التصوير الشخصي والمشاهد الإنجيلية، وتتميز لوحاته الشخصية بقوتها التعبيرية، فقد أدَّت معرفتُه العلمية بنظريات الضوء والظل وتحلِّيه بالقيم الإنسانية النبيلة وتأمُّلاته الشخصية في الجنس البشري إلى جَعْله من ضمن أكبر أساتذة الرسم الأوروبي.
واعتاد لنفسه أنموذجًا في الرسم، ولكنَّه رسم في العشرين سنة الأخيرة من حياته صورًا شخصية بملامح متردِّدة، فأحد الجوانب البارزة من لوحاته اللاحقة هو استخدام ضربات واسعة يُطبِّقها بواسطة سكين الألوان أحيانًا، في حين أنَّ لوحاته السابقة كانت تتميز بسلاستها، وقد صمَّم أعمالًا لمشاهد من مسافة بعيدة في وقت لاحق.
واشتهر بأعمالٍ رسمها بماء الذهب؛ كالأشجار الثلاثة، وقطع المئة فلوران النقدية، ويسوع مبشِّر البشرية.
أشهر أعماله:
حُفِظت بعضها في متحف (ريكس) وبعضها الآخر في متحف (اللوفر)، ومنها: داناي، ووليمة بلشاصر، ومشاهدة الليل، والثور المُشرَّح، وعشاء عند آموس، وعودة الابن الضال.
المصدر:
هنا
هنا