الأميبا الذي يأكل دماغك!
الطب >>>> علوم عصبية وطب نفسي
لكن وبعيداً عن هذه الخزعبلات، سأحدثكم اليوم عن كائنٍ آخر يتغذى على الدماغ، ليس كما في اللعبة حيث يكون الزومبي بحجم الإنسان، فبطل مقالنا لا يتجاوز حجمه 8-15 ميكرومتر*، أي أن حجمه أصغر حتى من قطر شعرة، فمن هو هذا الكائن و أين يوجد؟
هذا الكائن هو الأميبا آكل الدماغ، وهو وحيدُ خليةٍ يحمل الاسم العلمي Naegleriafowleri.
يفضل العيش في المياه الدافئة، ويتغذى على الجراثيم الموجودة فيها، فنجده في البحيرات والأنهار والمسابح غير المعقمة بشكلٍ جيد، بالإضافة إلى المياه الناتجة عن بعض المصانع وأحواض الأسماك وأحياناً في التربة أيضاً.
وإذا كان هذا الكائن يأكل الأدمغة، فأظنك الآن تتساءل عن مدى خطورته و احتمال الإصابة به.
حسناً، إنه خطير، بل ومميت، فنسبة الأشخاص الذين توفوا نتيجة الإصابة به هي 97%.، لكن لا تقلقوا، فعلى النقيض من احتمال الوفاة المرتفع، فاحتمال الإصابة به جد منخفض، حيث سُجلت 34 إصابة فقط في جميع أرجاء الولايات المتحدة خلال العشرة أعوام الماضية.
أمّا عن طرق الإصابة به: فهو يدخل الجسم عن طريق الأنف أثناء ممارسة الرياضات المائية، لكن ولحسن حظنا لا ينتقل هذا الكائن من شخص مصاب إلى آخر سليم.
والآن، دعونا نتحدث قليلاً عن الطريقة التي يتبعها للفتك بضحاياه.
يسبب الأميبا آكل الدماغ مرضاً يُدعى primary meningoencephalitis أو التهاب المخ السحائي الأولي.
أما آلية عمله فهي القسم المشوق –أو المحزن- في موضوعنا هذا.
فبعد أن يدخل هذا الوحش الصغير أنف تعيس الحظ، يتثبت بغشاء الأنف المخاطي، ثم ينتقل عبر العصب الشمي إلى الحويصل الشمي في الدماغ، وبعد خمسة أيام من الإصابة يكون الأميبا قد بدأ بالتهام خلايا الدماغ (خلايا المادة الرمادية)، وعندها تبدأ الأعراض الأولية بالظهور، وتتمثل بفقدان التذوق والشم.
يتابع الأميبا تدمير الطبقة الحامية للجهاز العصبي المركزي (الدماغ والنخاع الشوكي) إلى أن يشعر الجسم بوجود خلل ما، فيقوم بإرسال الخلايا المناعية إلى الدماغ والتي تتسبب بالتهاب المنطقة المصابة وتضخمها. وعلى العكس مما قد تتوقعونه فليس فقدان الخلايا التي يلتهمها الأميبا ما يقف وراء ظهور الأعراض الثانوية، بل هي نتيجة ما تسببت به الخلايا المناعية من التهاب وتضخم. ومن هذه الأعراض: التقيؤ، الدوار، الصداع وتيبس الرقبة نتيجة التضخم حول الحبل الشوكي فتتأثر العضلات المحركة للرقبة وتتيبس.
ثم يبدأ الأميبا بالتوغل أعمق في الدماغ سالكاً طريق العصب الشمي حتى يصل إلى الفص الأمامي من الدماغ، وهذا الفص مسؤول عن المشاعر والتخطيط، فيصاب المريض بالهلوسة ونوبات الحمّى والتشوش. بعد ذلك يمكن للمرض أن ينتشر إلى أي مكانٍ آخر في الدماغ.
ومع استمرار التضخم يبدأ الدماغ بالضغط على الجمجمة و يتأثر جذع الدماغ أيضاً (وهو جزء الدماغ المتصل مع الحبل الشوكي) وفي النهاية تحدث الوفاة بعد عدة أسابيع من ظهور الأعراض نتيجة فشل جهاز التنفس.
أميبا مخيف، وأعراضه أكثر إخافةً، لكن هل هناك أي وسيلة للعلاج؟ أو على الأقل كيف يمكن وقاية أنفسنا منه؟
قبل الحديث عن العلاج فلنتحدث قليلاً عن التشخيص والذي هو صعبٌ بطبيعة الحال كون الأعراض التي ترافق هذه الإصابة مشابهةً لأعراض التهابات السحايا الجرثومي والفيروسي.
لكن، ورغم مشكلة التشخيص ونسبة الوفيات العالية للمصابين فإن لكل داءٍ دواءٌ، والحل هذه المرة جاء من دواء يستعمل لعلاج حالات من السرطان يدعى Miltefosine وقد نجح في علاج حالتين عندما أُعطي بعد الإصابة بفترة قصيرة.
أما عن الوقاية: فيُنصح بعدم غمر الرأس كاملاً أثناء السباحة واستعمال سدّادات الأنف أثناء الغطس وعدم تحريك الرواسب الموجودة في قعر البِرك.
وفي النهاية، أعود لأطمئنكم أعزائي القرّاء أن احتمال الإصابة بهذا الكائن صغيرٌ جداً، لكن ذلك لا يمنع اتخاذ الإجراءات المناسبة للوقاية من مرض قد يسبب الموت.
مع تمنياتي لكم بالسلامة...
الحاشية: * الميكرومتر: جزء بالمليون من المتر.
المصادر:
هنا
هنا
هنا