تاريخ النّقود حرب العملات!
الاقتصاد والعلوم الإدارية >>>> اقتصاد
لعبت النقود دوراً هاماً للغاية في كل حرب منذ بداية وجودها. تلاعب الملوك القدامى بنسب المعادن الثمينة في النقود لصنع المزيد من النقود لبناء الجيوش، حاول الأسياد الإقطاعيين إضعاف المخزون النقدي لبعضهم البعض، وكان المزورين كُثُر عبر مراحل التاريخ. لكن أشهر حرب عملات تلك التي دارت بين الامبراطورية البريطانية و مستعمرتها في أميريكا.
في القرن الـسابع عشر ، كانت انكلترا عازمة على إبقاء السيطرة على المستعمرات الأميريكية والموارد الطبيعية لتلك المستعمرات. ولفعل ذلك، حدَّ الانكليز من الكتلة النقدية (كمية النقود المعروضة) ومنعوا المستعمرات قانونياً من سك عملات خاصة بها. بدلاً من ذلك أُجبرت المستعمرات على أن تتبادل البضائع باستخدام سندات دين انكليزية يمكن صرفها فقط مقابل الحصول على سلع انكليزية ، وكان الدفع يتم لسكان المستعمرات مقابل بضائعهم بهذه السندات و بذلك تم منعهم من المتاجرة مع الدول الأخرى.
وكان رد المستعمرات بالعودة إلى نظام المقايضة، حيث قايضوا ذخائر الأسلحة، التبغ، المسامير، الأحزمة و أي شيء يمكن المتاجرة به،
كما قام المستعمرون بجمع ما استطاعوا من العملات الأجنبية، و التي أكثر ما كان مفضلاً منها هو الدولار الإسباني الفضي الكبير، والذي كان يسمى ثمانية قطع ، لأنك إذا كنت أن تريد أن تصنع فكة (يعني فراطة :3) كنت ستسحب سكينك و تقسمه لثمانية أجزاء. و من هنا جاء مصطلح "two bits" المقصود به ربع الدولار (يعني الدولار مقسوم بالتساوي بالسكين مرتين).
عملة ماساتشوستس :
كانت أول مستعمرة تتحدى البريطانيين. في عام 1652 سكَّت الولاية عملاتها الفضية الخاصة بها، من ضمنها عملة الشيلينغ المطبوع عليه شجرة الصنوبر pine-tree shilling و الشيلينغ المطبوع عليه شجرة البلوط oak-tree shilling. واحتالت بذلك على القانون البريطاني الذي ينص بأنَّ الحاكم البريطاني فقط بإمكانه إصدار النقود بأن ترّخوا جميع نقودهم في 1652 - وهي فترة لم يكن فيها حاكم. و في عام 1690، أصدرت ماساتشوستس أولى عملة ورقية لها مطلقةً عليها اسم أوراق الائتمان (bills of credit).
و استمر التوتر بين أميريكا و بريطانيا في التزايد إلى أن اندلعت الحرب الثورية عام 1775.
أعلن قادة المستعمرات استقلالهم و أنشأوا عملة جديدة سُميّت الـ"كونتنتال continentals" لتمويل جانبهم في الحرب و للأسف كل حكومة طبعت ما تحتاجه دون أن تدعمه بأي شيء، و سرعان ماعانت عملة الكونتنتال من تضخم سريع و أصبحت عديمة القيمة. (تضخم يعني انخفاض بقيمة العملة، لأنو وقت طبعت المستعمرات عملة زادت كمية النقود بس المنتجات مازادت مشان هيك رح تزداد أسعار المنتجات بنفس كمية الزيادة يلي انطبعت فيها النقود، يعني كان في نقود بمقدار 150 مليون دولار وسلع بمقدار 150 مليون دولار، بعد الطباعة صار في نقود بقيمة 200 مليون دولار وسلع بقيمة 150 مليون دولار ف رح ترتفع أسعار السلع اجباري)
هذه الحادثة لم تشجع الحكومة على استخدام العملة الورقية لفترة قرن تقريباً.
تداعيات الثورة الأميريكية و آثارها:
الفوضى التي خلَّفتها الحرب تركت النظام المالي في أميريكا في حالة دمار كامل، معظم العملات في الولايات المتحدة الأميريكية المتشكلة حديثاً كانت بلا قيمة و المشكلة لم تحل إلا لبعد ثلاث عشرةَ سنة في عام 1788، عندما تم منح الكونغرس القوة الدستورية لسك العملة و تنظيم قيمتها.
أنشأ الكونغرس نظام وطني نقدي و جعل الدولار وحدة النقد الرئيسية فيه.
كان هناك أيضاً قاعدة الذهب والفضة، أي كلاً من الذهب أو الفضة يمكن اعطاؤهما قيمة بالدولارات و استخدامها كنقود.
استغرق الأمر خمسين سنة لإخراج جميع العملات الأجنبية والمنافسة من التداول، وبحلول بدايات القرن التاسع عشر كانت الولايات المتحدة الأميركية مستعدة لتجربة العملة الورقية ثانيةً ، العملة الورقية كانت موجودة في التداول طوال الوقت لكن بسبب أن المصارف طبعت عملة ورقية أكثر مما كانت تملك ، تم استبدال هذه العملة بقيمة أقل من قيمتها الإسمية.
و في ستينات القرن التاسع عشر ، طبعت الولايات المتحدة أكثر من 400 مليون دولار بدعم قانوني لتمويل الحرب الأهلية. سميت هذه بالعملة الخضراء أو الـ"greenbacks" ببساطة لأن خلفياتها كانت مطبوعة باللون الأخضر. دعمت الحكومة هذه العملة و صرحت بأنه يمكن استخدامها للدفع للعوام و لسداد القروض لكن قيمتها تقلَّبت تبعاً لنجاح أو فشل الجانب الشمالي في مراحل معينة من الحرب.
الدولارات الكونفدرالية Confederate dollars أو الدولارات التحالفية أيضاً اصدرت خلال بدايات القرن التاسع عشر. و لقيَت مصير التحالف و أصبحت عديمة القيمة بحلول نهاية الحرب.
تداعيات الحرب الأهلية:
بعد انتصار الحكومة الأمريكية، قامت من خلال الكونغرس بالتصديق على قانون البنوك الوطنية (شباط 1863)، وساعد هذا القانون على إنشاء نظام مالي حيث قامت البنوك المحلية بطرح أوراق مالية مدعومة بالسندات الحكومية. بعدها تم سحب العملة من بنوك الولايات عن طريق فرض الضرائب، ثم عملت الخزينة الأميريكية على إخراج الأوراق الخضر من التداول كي تصبح عملة البنك الوطني الأميركي العملة الوحيدة. خلال فترة اعادة البناء هذه، كان هناك الكثير من الجدال حول قاعدة الذهب والفضة. بعضها كانت لاستخدام الفضة لدعم الدولار، و البعض الآخر رجح استخدام الذهب.
وتم حل الخلاف عام 1900 عندما صدرت القاعدة الذهبية (أي ربط النظام النقدي بكتلة الذهب، كلما زدنا من المعروض النقدي ستتم زيادة الكتلة الذهبية والعكس). وكان ذلك يعني أنه نظرياً يمكنك أخذ أموالك إلى فورت نوكس FortKnox و مبادلتها بما يقابل قيمتها من الذهب. و هو أحد الابتكارات التي أدت إلى نشوء الاحتياطي الفدرالي في 1913 ، الذي مُنح القوة لإدارة الاقتصاد عن طريق التحكم بالكتلة النقدية (المعروض النقدي) و معدلات الفوائد على القروض.
وداعاً للقاعدة الذهبية:
في 1971 ابتعد الدولار الأميريكي عن معيار الذهب. المميز في هذا الابتعاد أنه أصبح بالإمكان خلق المزيد من الأموال أكثر من ما هو موجود من الذهب لدعمها ، فغدَت قيمة النقود الآن تتحدد بقوتها الشرائية (أي كمية الأشياء التي يمكن الحصول عليها من خلال العملة الورقية) المحكومة بالتضخم.
الكثير يؤمنون أن هذا سيسبب النهاية – وأن الدولار يسير بالاتجاه الذي سار فيه جده "الكونتنتال". هنالك خطرعلى الدولار أن يفقد قيمته ، لكنه الآن مدعوم بقوة الاقتصاد الأميريكي، فإذا هبط الاقتصاد الاميريكي إلى الحضيض فقيمة الدولار ستنخفض بشكل كبير بسبب التضخم و عالمياً أمام أسعار العملات الأخرى.
ولسوء حظنا انهيار الاقتصاد الأميريكي سيأخذ معه العالم إلى عصور مالية مظلمة، ولذلك تعمل الكثير من الدول والكيانات دون تعب لضمان أن لايحدث هذا الإنهيار.
النقود و المستقبل:
مستقبل النقود يتجه باتجاه البطاقات و الرقاقات. يوماً ما ، ستسجل مشترياتك بمجرد تمرير محفظتك التي تحتوي رقاقة على المنتج الذي تود شرائه ببساطة لا بائع ، لا ابتسامة ، لا بطاقة تعريف مكتوب عليها "مرحبا اسمي فلان".
عملات الانترنت ، مثل نظام باي بال Paypal هي أيضاً من المتنافسين على الجيل القادم من النقود في الحين الذي يصبح فيه العالم اكثر اتصالاً بالانترنت.
العديد من الأمم ما زالت غير مطمئنة حول النقد الذي لا يمكنها تعقبه أو فرض الضرائب عليه لكن .. اقتصاد الانترنت لا مفر منه.
في النهاية : المال تغير كثيراً منذ أيام الأصداف وجلود الحيوانات، لكن وظيفته لم تتغير مطلقاً. بغض النظر عن الشكل الذي يأخذه المال هو مازال وسيط لتبادل السلع و الخدمات و يسمح للاقتصاد أن ينمو بأكبر سرعة ممكنة
المصدر:
هنا